حرب الشبكات الالكترونية .. سباق التسلح الجديد

صحيفة المنار الصادرة في فلسطين المحتلة عام 1948:
لم يكن اعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرا عن أن اسرائيل تتعرض لهجوم خطير من نوع جديد، وهو “الهجوم الالكتروني” مفاجئا للكثير من المتابعين لهذه المسألة. وهناك استعدادات اسرائيلية تشمل مختلف المجالات والقطاعات لمنع نجاح مثل تلك الهجمات التي باتت تهدد ليس اسرائيل فقط وانما العالم أجمع. نتنياهو اكد في اكثر من لقاء مع كبار اركان حكمه ضرورة العمل من اجل اقامة “قبة فولاذية الكترونية” للتأكيد على أن الخطر الصاروخي القادم من قطاع غزة ومن حزب الله وجهات معادية اخرى لا يقل خطورة عن محاولات الهجوم الالكتروني على اسرائيل.
اقوال نتنياهو لم تأت في ندوة حول القرصنة الالكترونية والهجمات على الحواسيب الحكومية، وانما في احدى جلسات الحكومة الاسرائيلية الاخيرة وهي تعكس بالتأكيد الاهمية التي تمنحها اسرائيل لهذه المسألة وطرق الوقاية والاستعداد لها. وكان وزير الدفاع الامريكي قد سبق نتنياهو في تحذيره من مخاطر القرصنة الالكترونية على الامن القومي الامريكي. وقبل أيام أعلنت شرطة اسرائيل عن فصل حواسيبها عن شبكة الإنترنت حتى إشعار آخر، خوفا من تعرضها لهجوم وقرصنة الكترونية .
واستنادا الى دوائر سياسية فان اسرائيل بدأت منذ سنوات بالاستعداد لإمكانية وقوعها ضحية لهجمات الكترونية، بعد أن كانت قد أبدعت هي والولايات المتحدة كطرف مهاجم خلال السنوات الاخيرة للحواسيب الايرانية وحواسيب المؤسسات الحكومية في العالم العربي في اطار مساعي التخريب والتجسس.
وفي اطار تلك الاستعدادات، قامت اسرائيل باقامة “المركز الوطني لانظمة المعلومات” باستثمار وصل الى حوالي 400 مليون شيكل كجزء من المساعي الهادفة الى جعل اسرائيل دولة عظمى في مجال الانظمة الالكترونية وحماية المعلومات، واعداد الخبراء في مجال حماية المعلومات والشبكات الالكترونية ولتوفير كادر فني على كفاءة عالية لحماية حواسيب الجيش والمؤسسات الحكومية في اسرائيل، لكن الاستثمار الاسرائيلي في هذا المجال ما يزال محدودا ولا يتلاءم مع خطورة “الهجمات الالكترونية” ، كما أن بعض الخبراء والمتابعين لهذه المسألة في اسرائيل غير راضين عن الميزانيات المخصصة لتطوير هذا الحقل المهم.
وتضيف الدوائر نفسها أنهم في الجيش الاسرائيلي يعتبرون “حرب الشبكات الالكترونية” حرب القرن الـ 21، التي تدور في ميادين مختلفة وفي سماء مختلف هو سماء الانترنت وميادين الحاسوب. خاصة بعد الهجمات التي تعرضت لها شركات عالمية لبيع السلاح وتطوير الوسائل القتالية ، كشركة “لوكهايد مارتن” التي تعرضت في العام 2011 لهجوم على شبكات الحاسوب فيها ، واعلنت أنها تمكنت من صد الهجوم بواسطة فرق الحماية والامن الالكتروني التي تعمل على تأمين حواسيب الشركة. وتمتلك هذه الشركة الضخمة المئات من الخبراء في مجال حماية المعلومات، وهي التي لديها الالاف من الزبائن في انحاء العالم ومعلومات لا تقدر بثمن حول انظمة السلاح التي تقوم بتطويرها. هذا الهجوم دفع الجيش الاسرائيلي الى الاهتمام بصورة اوسع بمحاربة القرصنة الالكترونية، وقام بافتتاح دورة خاصة لتأهيل جنود قادرين على حماية شبكات الحاسوب التابعة للجيش والمؤسسة العسكرية، وتخرجت مؤخرا الدفعة الاولى من المؤهلين على مراقبة ومنع اختراق الشبكات الالكترونية، بعد 17 اسبوعا من التدريب والتأهيل المكثف.. وكشفت الدوائر أن هناك اليوم وحدة عسكرية في اسرائيل مهمتها فقط حماية الحواسيب ومنع تعرضها للاختراق، وتضم في صفوفها خبراء ومختصون في هذا المجال.
وتعكس تقارير شركات “الحماية الالكترونية” العالمية مدى خطورة هذا المجال، فاحدى الشركات الامريكية المختصة في امن المعلومات قالت بأن هناك سباق تسلح من نوع جديد في العالم، وهو سباق التسلح المتعلق بالقدرة على اختراق الشبكات المحوسبة، وان هذا التنافس يتركز بشكل اساسي بين الدول. حتى ان بعض الشركات ذهبت بعيدا الى التأكيد بأن انظمة الدفاع عن شبكات الحواسيب أهم بكثير من انظمة الدفاع الجوي. ويحاول احد العاملين في المركز الوطني لحماية المعلومات تبسيط هذه المسألة حتى يتسنى للمواطن العادي فهمها ومعرفة كيف يمكن لها أن تؤثر على حياته الخاصة، حيث يرى بأن العديد من الانظمة الالكترونية يمكن مهاجمتها وتعطيلها بشكل يؤثر على حياة المواطن العادي، من تعطيل عمل “المصعد” وحتى تعطيل عمل “الاشارات الضوئية” في الشوارع وصولا الى “صندوق الكاش” في سوبر ماركت في احد الاحياء. فجميع تلك الاشياء مرتبطة بحواسيب أي انه يمكن لأشخاص معينين اختراقها وتعطيل عملها، كما يمكن لأي “مخرب الكتروني” التسلل الى انظمة عمل القطارات والتسبب في تغيير طريقة سيرها وتحركها وهذا سيؤدي الى حدوث تصادم للقطارات ويعني وقوع ضحايا.
وتنقل الدوائر عن أحد الخبراء في عالم حماية المعلومات، أن الاعتقاد في السابق كان يتركز على أن الحواسيب غير المرتبطة بشبكة الانترنت لا يمكن التسلل اليها واختراقها، لكن بعض الاحداث الاخيرة التي وقعت في منشآت ايران النووية اكدت أن هذا الاعتقاد كان غير صائب. والاهم في الهجمات الالكترونية أن من يقوم بها يستطيع أن يصعب مهمة تعقبه وفي بعض الاحيان يجعلها مستحيلة، وذلك من خلال استخدام عدة حواسيب في عدة مناطق وارسال “فيروس” الى احدى الشبكات المستهدفة. وحول حديث نتنياهو عن اقامة “قبة فولاذية الكترونية” لحماية الحواسيب الاسرائيلية، اشار الخبير الى أن هذه المسألة تحتاج لسنوات من اجل انجازها.
ويؤكد الخبير على أن أخطر الهجمات في هذا المجال ليس الهجوم الذي يقوم به “هكرز” وحيد، وانما الخطر الذي يقوم به فريق كامل من الخبراء في هذا المجال، فريق يمتلك المال والوقت والوسائل المختلفة، وهذا يعني الهجمات التي تحدث بين الدول.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.