حرب نتنياهو الاعلامية على الفلسطينيين – أبعاد وخلفيات

موقع الوقت التحليلي:

تتصاعد نبرة الخطاب الاسرائيلي وسط أجواء من الاتهامات المتبادلة بين التيارات السياسية, تتناقلها وسائل اعلام الكيان الاسرائيلي, حيث تنقسم الساحة السياسية الداخلية بين تيارات تتنازع للوصول الى السلطة.

  مع اقتراب موعد الانتخابات الاسرائيلية, يكثر التجاذب السياسي الداخلي بين الأحزاب والتحالفات القائمة, وفق صراع حاد جدا يتبادل فيه زعماء الاحزاب والكتل السياسية التهم والتهكمات لاظهار ثغرات الاخر ونقاط ضعفه امام الجمهور والوصول الى تحصيل رضى اكبر من قبل الرأي العام.

  نتانياهو, الذي يسوق لنفسه بأنه الزعيم الوحيد الذي يمتلك القدرة والفعل في الكيان الاسرائيلي, ويترأس موجة التشدد التي تغلب على توجهات المجتمع الصهيوني اليوم, فهو الذي يعارض بشدة التوصل الى اتفاق نووي مع ايران, وهو الذي يتمسك بالاستمرار في بناء المستوطنات وعدم تقديم أي تنازلات على مستوى المفاوضات المتعثرة مع السلطة الفلسطينية, وهو الذي يجهد لاسقاط نظام الرئيس بشار الاسد ويقيم علاقات مع داعش والنصرة وغيرها على الحدود الجنوبية السورية , وهو الذي يقود حملة تهجير اليهود من اوروبا الى الكيان الاسرائيلي ويطلق تهديداته المتواصلة بشن حروب على لبنان وقطاع غزة, كل هذه التصرفات يريد من خلالها الزعيم الطموح تكريس نفسه الزعيم الاقوى على الساحة السياسية , والقادر على حماية اسرائيل وقيادتها وسط موجة من الارهاب والتشدد تجتاح المنطقة المحيطة ب الكيان.

  هذا النهج السياسي لنتانياهو, جعله اليوم يحتل موقع اليمين المتشدد المتحالف مع الحركات المتطرفة داخل المجتمع الاسرائيلي, وسط مسار سياسي واضح يهدف من خلاله ركوب موجة التطرف التي تصيب المجتمع الاسرائيلي لتحقيق المزيد من الشعبية والالتفاف الجماهيري واستقطاب الرأي العام للوقوف خلف الزعيم الذي سوق لنفسه بالمواقف والسلوك السياسي والتحالفات , بأنه الشجاع والأصولي الأول الذي لا يهادن في أي أمر يتعلق بأمن الكيان ومستوطنيه ولا يقبل بأنصاف الحلول.

  لكن هذا السلوك, جعل نتانياهوعرضة للكثير من الانتقادات من الخصوم, وتوجه اليه اتهامات من خصومه بانه يدمرالعلاقات الخارجية للكيان الصهيوني عبر ايصال العلاقات مع امريكا الحليف الاستراتيجي للكيان الى مرحلة من التهاوي الخطير والتحدي, ويستفز الدول الاوروبية بتصريحاته العلنية لدعوة اليهود للهجرة الى الكيان الاسرائيلي وانتقاد تقصير اوروبا في حماية اليهود, وكذلك يؤدي دورا علنيا في التدخل بالصراع القائم على الاراضي السورية مما يعرض الأمن الاسرائيلي للخطر مستقبلا فيما توجهت الامور ونتائجها نحو منحى يصب لصالح محور المقاومة, فهو متهم اليوم بشكل أساسي بتدمير الانجازات الدبلوماسية للكيان الاسرائيلي وبالتالي ادخال الكيان في عزلة سياسية تحاصره, وتعيق الحركة والقدرة وتحد من الدعم المادي والمعنوي الغربي للكيان الذي يعتاش على الرعاية الغربية الامريكية.

  من الناحية الأمنية, يعاني نتانياهو من اتهامات متعلقة بالاخفاق الكبير الذي حصل بعد عملية استهداف موكب تابع لمحور المقاومة في القنيطرة السورية مؤخرا, وما جره هذا الاعتداء من عملية ردعية قاسية قام بها حزب الله مستهدفا موكبا قياديا للجيش الاسرائيلي في منطقة مزارع شبعا, وما تلاها من حملة واسعة للجيش السوري وحلفائه في منطقة الجولان السوري المحتل والجنوب عموما, تمكنوا فيها من دحر المسلحين عن مناطق استراتيجية كمرحلة اولى من حملة تطهير الجنوب التي اطلقها محور المقاومة بعد حوادث الاعتداء الاسرائيلي المتعددة في تلك المنطقة,  وسط تهاوي سريع للمسلحين الذين كان الجيش الاسرائيلي يجهزهم للقيام بدور جيش لحد الجديد. والأخطر من هذا أن التقدم حقق نتائج استراتيجية تؤسس لمرحلة ثانية من التطهير لمناطق الجنوب السوري المحاذية لشمال فلسطين, وتصبح بذلك منطقة الجولان خاضعة لسيطرة محور المقاومة الذي يتوجه لدمج المنطقة ضمن جبهة التصدي الموحدة مع الكيان الاسرائيلي واعتبارها منطقة عمليات ممتازة وادخالها في حسابات المواجهة القادمة مع الكيان الاسرائيلي وهذا ما يشكل خطرا كبيرا على الأمن الاستراتيجي للكيان ويسبب المزيد من الشلل في معادلة الردع واظهار المزيد من العجز الاسرائيلي , ورجحان كفة القوة لصالح المقاومة من جديد مقابل تخبط بين الازمة السياسية والامنية وتبادل الاتهامات والقاء اللوم وهذا له نتائج خطيرة جدا على مستقبل الكيان الاسرائيلي الذي بات يشعر بهذا الخطر الوجودي.

  بنيامين نتانياهو القائد الطموح المتخبط بأحلامه وواقعه,  يجد نفسه محاصرا بإخفاقات يدرك في داخل نفسه انها تعرض الكيان الاسرائيلي للخطر الوجودي, ولكن يبدو أن عناد وطموح الرجل أقوى وأهم من مصلحة الكيان نفسه المهدد بالزوال. هذا التهديد ليس كلاما انما واقع حقيقي  تعبر عنه مؤشرات عديدة ودقيقة أشرنا اليها سابقا في تقارير ومطالعات حول وضع الكيان الاسرائيلي في الداخل والخارج وهذا الواقع هو نفسه استدعى تدخل امريكا والغرب مباشرة لاستنقاذ الكيان المتهاوي عبر مشروع الشرق الاوسط الجديد.

 تصريحات نتانياهو الاخيرة التي توجه الكثير من التهديدات القاسية نحو الشعب الفلسطيني, الذي يعتبره الكيان أنه الحلقة الأضعف في المواجهة, فالتخاذل العربي والحصار القائم على غزة وسلوك السلطة الفلسطينية يجعل من الكيان الاسرائيلي يتجرأ على الاقدام المتكرر لشن حروب على الشعب الفلسطيني توظفها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة للاستثمار الانتخابي او الخروج من ازماتها الداخلية عبر تصديرها الازمة للخارج بالحرب.

  هذا السلوك العدواني الاسرائيلي تجلى في العديد من المواجهات مع الشعب الفلسطيني, كانت خلفيتها الاستعراض للاستقطاب الانتخابي الذي يسبق عملية التصويت, فقد جرت العادة ان كل من يهوى ان يصعد نجمه ويطمع لاستجرار الدعم والتأييد من الرأي العام الداخلي للكيان, يبحث عن امجاده ويبرز بطولاته عبر حرب مدمرة تشن على لبنان سابقا وغزة مؤخرا.

  فالجبهة اللبنانية مع حزب الله أصبح لها اعتبارات وحسابات خطيرة جدا وتداعياتها مدمرة على الكيان الصهيوني, مما يجعل من الكيان الدموي مدعوما بالتخاذل العربي والتعامل السافر, أمام طريق وحيد لتنفيذ اهدافه عبر اعتبار الساحة الفلسطينية الساحة الأقل ضررا لتسديد ضربات دعائية استقطابية تجلب الأصوات الانتخابية وللاسف بدم أطفال وشيوخ وابناء قطاع الغزة.

 اليوم, تؤكد كلامنا التصريحات النارية التي يطلقها الزعيم العاجز نتانياهو, الباحث عن بطولات وهمية بعد ارتدادات العديد من الحماقات التي ارتكبها وكان لها مفاعيل عكسية عليه, فها هو يطلق تهديداته نحو الشعب الفلسطيني مجددا ويدخل الدم الفلسطيني في بازار الانتخابات الاسرائيلية ويستعرض بطولاته وقوته عبر تهديد الشعب الفلسطيني مجددا وتسخير ارهاب جيشه آلة الفتك الاسرائيلية , لجذب الرأي العام والفوز بالانتخابات القادمة.

  وفي هذا السياق الذي تحدثنا عنه, أطلق نتانياهو مؤخرا تصريحات طالب فيها تأهيب ورفع استعدادات الجيش الاسرائيلي, تمهيدا لحرب جديدة مع حماس والجهاد الاسلامي  في غزة.

  فمع اقتراب موعد الانتخابات الاسرائيلية ونتائج الاستطلاع التي أظهرت ضعف مكانة نتانياهو في نظر الرأي العام الاسرائيلي, الاستطلاعات التي عكست تأثر الرأي العام بالاحداث التي جرت وتجري في المنطقة, فمواجهات الجولان وانجازات الجيش السوري وضربة حزب الله القاسمة والحاسمة, فضلا عن المواجهة مع ادارة الرئيس الامريكي, كلها ازمات تلف الخناق حول عنق نتانياهو الذي يستميت للوصول الى فوز يمكنه من الحفاظ على رئاسته للحكومة.

  فها هو يجد من التهديد للفلسطينيين وقطاع غزة سبيلا وحيدا للاستعراض ومحاولة لترميم صورته القوية أمام الرأي العام , فهو يلجأ للحرب الاعلامية والنفسية على القطاع عبر اطلاق تهديداته الاخيرة.

  التهديدات الاسرائيلية بلسان نتانياهو واوامره للجيش ليست الا استعراض يخلو من القدرة على الفعل, فنتنياهو  نفسه ما يزال يدرك تداعيات العدوان الاخير على غزة وما جره هذا العدوان من تجاذب في الساحة الداخلية الاسرائيلية وأظهر تصارعا وخلافا عميقا بين القيادة السياسية والعسكرية والامنية حيث تم تبادل الاتهامات حول السبب في الاخفاقات وكل جهة ألقت اللوم على الاخرى ما عكس مستوى الهزيمة التي مني بها الكيان الصهيوني وحجم الانتصار الغزاوي الذي طالت صواريخه اعماق الكيان الصهيوني.

  فبين ضفة غربية تعيش على فوهة بركان انتفاضة تشير اليها التقارير الاستخباراتية الاسرائيلية, وحرب مع القطاع ما زال صداها يطلق في الدوائر السياسية والامنية للكيان, وتجارب الجولان القاسية مؤخرا, لا يمكن للمتعقل ان يأخذ كلام نتانياهو الا في منحى الاستعراض الاعلامي والانتخابي لأن أي مغامرة له ستخرجه من دائرة الضعف في التأثير على الرأي العام الى القضاء على حلمه السياسي كليا حيث لا وقت ولا مجال لتدارك الخطأ هذه المرة.

  الحديث عن حرب على غزة, يبقى في ميدان التوظيف الاعلامي, رغم ان تاريخ الحماقات الاسرائيلية حافل في التهور الأعمى, فحين تتوافد التقارير الامنية على طاولة البحث ويبدأ الحديث من وراء كرسي المكتب عن معلومات واهداف وقدرات ورقية, كما جرت العادة, ويستعرض الامن والعسكر القدرات الشكلية, قد لا تتيح الطموحات والامال والحماسة لنتانياهو حينها فرصة السيطرة على انفعالاته وغروره وجموحه لتحقيق اي انتصار ينتشله من الأزمة, وقد يتهور في اتخاذ قرار بعملية عسكرية لن تكون كتلك التي سبقت لاعتبارات عديدة!!

  فمع ضعف الاحتمال بقيام حملة عسكرية, قد يلجأ التهور الاسرائيلي الى ضربات استعراضية جوية لبعض أهداف حماس والجهاد في القطاع ويتجنب حملة برية تكبده الخسائر, لكن يبقى لرد المقاومة الفلسطينية الكلمة والصدى المؤثر الاكبر في الميدان, وهو الذي سيتحكم بمجريات اي فعل احمق قد ينجر اليه نتانياهو وسيكون رد المقاومة مختلفا ونوعيا وفق منطق المفاجآت التي تنتظر الكيان الارهابي الاول من قبل محور المقاومة التي اعادت حماس توطيد علاقاتها به وتموضعها فيه,فهي لم تعد تحت رهانات مصر وتسوياتها المنحازة ولا لقطر ووعودها الكاذبة والسعودية ومكرها الدائم.

   كل هذا التوجه الاسرائيلي, سواء بالاكتفاء بالتصريحات المرجح بقوة في رأينا, ام التوجه الى ضربة عسكرية محتملة  في غزة, توقعات تحسمها تحركات الجيش الاسرائيلي على تلك الجبهة واحداث قادم الأيام ضمن سجل الاحداث المفتوح في المنطقة التي تنتظر شعلة كبريت لتشتعل هبة واحدة, حيث ان كل حركة أو خطوة غير محسوبة عسكرية او امنية كفيلة بجر المنطقة فعلا الى حرب عالمية في الشرق الأوسط!!

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.