حزب الله الى استراتيجية الرد

صحيفة الديار اللبنانية ـ
ابراهيم ناصرالدين:
من الان، وقبل ان يطل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في الحادي عشر من الشهر الجاري لمناسبة يوم شهيد حزب الله طرأ تعديل طفيف على «استراتيجية الصمت» الناجحة التي اتبعها الحزب في مواجهة الحملة المبرمجة عليه من قبل فريق 14 اذار وانتقل في الاونة الاخيرة الى استراتيجية الرد «الموضعي» الهادىء البعيد عن الانفعالات فكان خروج بعض مسؤوليه على وسائل الاعلام مضبوطا بمعايير دقيقة ومحصورا بعدد قليل من قيادات «منضبطة» وقريبة من «المطبخ السياسي» أذن لها نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم بالتحدث ضمن معايير محددة في الشكل والمضمون بهدف عدم ترك «الساحة»الاعلامية لصوت واحد يشوه الحقائق ويطلق الاتهامات على عواهنها وكذلك لعدم تفسير الانكفاء بأنه ضعف او وهن ووضعه في اطاره الصحيح المرتبط برغبة واضحة لدى الحزب في عدم الانجرار الى استفزازات غير مجدية.
هذه الاستراتيجة تعكس بشكل واضح عدم ارتباك الحزب لمسار الامور في البلاد ولكنها تعطي مؤشرا على بداية مرحلة جديدة من التعامل مع تجاوز قوى المعارضة لبعض «الخطوط الحمراء» التي لا يمكن السكوت عنها وهذا ما عزز موقف التيار المسؤول عن اتخاذ قرار «الانقلاب الابيض» الذي اخرج قوى 14 اذار من السلطة والبيان الاخير الصادر من بيت الوسط كان خير دليل على العقلية «المتهورة» السائدة لدى معارضة فقدت «عقلها» ولا تتمتع باي حس من المسؤولية التي تخولها ادارة سلطة سياسية في بلد تحيط به الازمات من كل حدب وصوب.
هذا التعديل الطفيف في استراتيجية الحزب لا يعني شعور القيادة بان خطراً داهماً يفرض هذا التحول فعلى العكس من ذلك ترى اوساط سياسية مقربة من حزب الله ان الاحداث اثبتت ان فريق 14 اذار يزداد تخبطا ويبحث عن اختراع «المشاكل» لشد عصب جمهور لم يعد يبالي بقيادات تكثر الكلام ولا تجيد الفعل وللدلالة على ذلك وعلى الرغم من تصنيف البعض لبيان المعارضة الاخير بانه «اعلان حرب» على المقاومة فان الحزب لا يشعر ابدا بالقلق من السقف العالي النبرة الوارد في استراتيجية 14 اذار، وان كان سيستغل هذا الامر في السياسةفهو يعرف جيدا انه صادر عن مجموعة لا تملك «اسنانا» لتنفيذ اي حرف من بيان لا يساوي ثمن الحبر الذي كتب فيه، فجميع الشروط الواردة في النص لن تجد من يناقش بها لانها صادرة عن جهات تفترض انها كانت تخوض حربا وانتصرت فيها وهي تعلن شروط الاستسلام على الطرف الاخر الذي لا يملك خيارا الا الاذعان ومن استمع الى هذه المقررات ظن ان الرئيس فؤاد السنيورة قد سحب من الدرج البيان الخطأ، لأن ما قام بتلاوته هو بيان ربما اعد سلفا قبل نحو سنة وسبعة اشهروكانت مقررة تلاوته عقب السقوط السريع المفترض للنظام السوري وهو كان بمثابة البلاغ رقم «واحد» لابلاغ الطرف اللبناني الحليف لدمشق بشروط «اللعبة» الجديدة في البلاد وبشروط الاستسلام غير القابلة للنقاش والتي وضعت للتنفيذ
ولكن ما فات هؤلاء ان الوقائع على الارض مغايرة جدا لهذه الاوهام فلا هم خاضوا معركة وانتصروا فيها ولا الفريق الاخر هزم ليدفع ثمن خياراته الخاطئة ولكن الوقاحة وصلت بهذا الفريق الى درجة انه يريد من الفريق الاخر ان يقدم له العون للخروج من مأزقه الراهن ويريد مكافأة على «قصر نظره» في مقاربة الاحداث وهو كما العادة لا يريد دفع اي ثمن والمفارقة ان قوى 14 اذار تعرف انها تشارك في «لعبة» اكبر من قدراتها الفعليةوهي متورطة حتى «النخاع» في النزاع الاقليمي والدولي الدائر للسيطرة على المنطقة. لكن ما يثير الاستغراب هي حالة الذهول وادعاء «العفة» مع كل «ضربة موجعة» تتلقاها وكأن احداً لم يخبر قادتها ان «الف باء» التجارة هي وجود الخسارة والربح فكيف لو كان الامر متعلقا بالمقامرة في السياسة والامن على مصير انظمة ودول تتجاوز لبنان في التاريخ والجغرافيا.
وترى تلك الاوساط ان ما يثير السخرية هو خروج صقور في قيادات المستقبل لتحذير حزب الله من تكرار تجربة السابع من ايار 2008وتحديها اياه انه لن يجد ابدا من يوقع له على استسلام جديد كما حصل في الدوحةومن استمع الى هؤلاء ظن ان الرئيس سعد الحريري او فؤاد السنيورة ما يزال في القصر الحكومي وان الحكومة هي في صدد التنفيذ الحرفي والفوري لمقررات بيت الوسط وان حزب الله يستعد لاتخاذ مواقف حازمة ورادعة لمنع تنفيذها. طبعا كل هذا مجرد تخيلات لا معنى لها فالظروف اختلفت والحزب لا يشعر ابدا بأنه مهدد وهو اصلا لا يحتاج الى التحرك ميدانيا لتحقيق مكاسب هي بين يديه ولم يفقد اياً منها منذ اخراج الحريري من السلطة «والكرة»الان هي في ملعب المعارضة المطالبة بتقديم شرح مفصل لجمهورها عن الخطة العملانية المقرر اتباعها لاستعادة السلطة، فهذه القوى لا تملك شيئاً يسعى وراءه الحزب وهي لا تشكل اي خطر جدي على «ايقونة السلاح» ولا تحتاج منه لا الى خطط ولا الى تحرك ميداني وطالما بقي التصعيد مجرد استهلاك للحبر والورق والساعات التلفزيونية والاذاعية فان الديموقراطية اللبنانية تتسع للجميع والكلام ليس عليه «جمرك».
هذه الوقائع تريح الحزب ولكنها لن تجعله ينكفىء الى درجة «الاضمحلال» بالمعنى السياسي والاعلامي وما فرض الخروج عن الصمت المطبق هو عودة المعارضة الى معزوفة الاتهامات المجانية والمستهلكة لعناصر في حزب الله بالاشتراك في الجرائم التي استهدفت قيادات 14 اذار. هذه الحملة تعيد الى الاذهان الفبركات الخاصة بالمحكمة الدوليةوالسكوت عنها غير وارد كي لا يعلق في اذهان الراي العام رواية واحدة وسيتم التعامل مع هذه «الاكاذيب» بالحزم نفسه لان هذه الحملات تهدف الى «شيطنة» المقاومة وتحويلها الى عصابة مافيا متخصصة بالجرائم السياسية المنظمة.
لكن ما يثير التهكم هو تعميم «خبرية» ظهور سليم عياش المتهم من قبل المحكمة الدولية بالمشاركة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري في مسرح جريمة اغتيال اللواء الحسن وهذا الامر مثير للسخرية في رأي بعض «الخبثاء» الذين اعتبروا انه في حال صحته فان حزب الله اما هو منظمة فاشلة ومبتدئة ترسل شخصاً مطلوباً ومعروفاً الى منطقة ليست في نطاق سيطرتها ليتم التعرف عليه، وهذا قمة في الغباء، واما ان الحزب لا يملك في صفوفه الا عياش لتنفيذ مثل هذه المهمات.
هذه المعطيات تجعل من اي حديث عن حكومة وحدة وطنية امراً غير وارد الا اذا تواضعت المعارضة وقبلت بشروط الاكثرية لجهة رئاسة الحكومة او على مستوى صياغة البيان الوزاري الذي لن يخلو من عبارة «الجيش والشعب والمقاومة» وغير ذلك هو مجرد «اضغاث احلام» فموازين القوى لم يدخل عليها اي تعديل يذكر والاكثرية لا تجد نفسها ملزمة بتقديم اي تنازلات ولذلك تنصح تلك الاوساط قوى 14 اذار عدم انتظار المتغيرات في ملف الازمة السورية او اي تطورات عسكرية على الجبهة الايرانية لان النتائج الايجابية او السلبية لهذين الملفين الساخنين لا يحسمان نوعية التداعيات على الساحة اللبنانية، فقطف المعارضة لثمار هذه الاحداث غير مضمون وافتراض اذعان الطرف الاخر غير وارد. هذا مع افتراض نجاح رهانات 14 اذارلكن الوقائع لا تشير الى ذلك وما تظهره الاحداث الاقليمية والدولية يشير الى العكس. والفشل الميداني والسياسي للمعارضة خلال الاسبوعين الاخيرين اظهر انها غير قادرة على ملء اي فراغ او العودة الى التفرد في السلطة ولذلك فان محاولتها التمييعية لاقرار قانون جديد للانتخابات باتت مكشوفة ورهانها على ابقاء قانون الستين للعودة الى الحكم لا يبدو انه سيكون متاحا لانها تفترض ووفقا لحسابات خاطئة ان الاكثرية ستقبل باجراء هذ الاستحقاق في ظل قانون يسلبها اكثريتها. كل هذه النقاط يستمر حزب الله في الرد باستراتيجية الرد «الموضعي» والذروة ستكون بعد اسبوع من اليوم حيث سيضع السيد نصرالله الكثير من «النقاط على الحروف» التي سيقسطها على اجزاء يعالج بعضها ويترك الاخرى للعاشر من محرم طبعا دون ان يتخلى عن هدوئه في معالجة الملفات الداخلية لان لا شيء يثير «عصيبته»، اما مع اسرائيل فحديث اخر.

التعليقات مغلقة.