«حزب الله» ـ «حماس».. وخطوات استعادة الثقة

sayed - msh3al 16-1-2010

حتى ما قبل سقوط حكم «الإخوان المسلمين» في مصر قبل سنة، كانت قيادات التنظيم تعتبر بيروت محطة رئيسة للانطلاق منها في اتجاه دول الخليج العربي ونحو تركيا، فضلاً عن اعتبارها لبنان نقطة تقاطع مهمة في العلاقة بين حركة «الإخوان المسلمين» وإيران، بالرغم من أن العلاقة بينهما كانت فاترة في الشكل وحيوية في المضمون.

لم يستطع «الإخوان» الانقلاب على كل ما بُني بين «حزب الله» وإيران وبين حركة «حماس» على صعيد استراتيجية المقاومة، لكن تلك العلاقة لم تنسحب بالوتيرة نفسها على علاقة «حزب الله» بـ«الجماعة الإسلامية» في لبنان التي كانت متحالفة مع قوى «14 آذار» ومنغمسة في شعاراتها وعناوين معاركها، منذ العام 2005 حتى الآن.

لكن العلاقة سرعان ما تدهورت بين «الإخوان» و«حزب الله» على خلفية وقوف كل منهما على طرفي نقيض في الأزمة السورية، وانسحب هذا الخلاف إلى العلاقة بين «حماس» و«حزب الله»، ثم بين «الجماعة الإسلامية» و«حزب الله»… إلى أن سقط حكم «الإخوان» في مصر. حينها بدأت الدماء تعود تدريجياً إلى شرايين العلاقة بين «حزب الله» وحركة «حماس»، من دون أن تشهد استعادة للزخم الذي كانت عليه. بينما كانت «الجماعة الإسلامية» تراقب بدهشة كبيرة سرعة انقلاب حلفائهم في تيار «المستقبل» وقوى «14 آذار» على حكم «الإخوان» والتهليل الذي صار علنياً للإطاحة بحكم «الإخوان»!

لا تبدو العلاقة اليوم بين «حزب الله» و«الجماعة الإسلامية» على أحسن ما يرام، بينما هناك محاولات لاستعادة الثقة بين الحزب و«حماس»، وهي محاولات تتعزز بحكم الوقائع السياسية والأمنية في غزة والضفة الغربية والمنطقة العربية. وتشير المعلومات إلى أن هذه الجهود قطعت شوطاً كبيراً في سياق عودة العلاقة إلى سابقها بين قوى المقاومة، بمعزل عن اختلاف الموقف مما يجري في سوريا أو التباين مما يجري في مصر أو التلاقي في الرؤية بالنسبة لما يحصل في العراق.

بالرغم من ذلك، فإن النقاش حول تجربة حكم «الإخوان» لم يتوقّف، وهو يتّخذ البعد المرتبط بالتجربة الإسلامية في الحكم، انطلاقاً مما يحصل في العالم العربي.

فتنظيمات «الاخوان المسلمين» تواجه في عدد من الدول العربية تحديات كبيرة في ظل فشل تجربتها في الوصول الى الحكم بعد الثورات العربية، خصوصاً في مصر وليبيا وسوريا، وباستثناء التجربة التونسية التي استفاد خلالها قادة «حركة النهضة» مما جرى في بقية الدول العربية وعمدوا الى اتباع تكتيكات مرنة مما جعلهم يحافظون على دورهم الإيجابي في السلطة في المرحلة الانتقالية، فإن «الاخوان المسلمين» في بقية الدول العربية يعانون اليوم من مخاطر كبيرة، سواء بسبب وضعهم على لائحة الإرهاب السعودية وملاحقتهم في عدد من الدول العربية ووضعهم في السجون، او استمرار دورهم في الصراعات الداخلية وفشل مشروعهم التمكيني واضطرارهم لتقديم التنازلات، كما حصل في قطاع غزة، او إدخالهم السجون، كما هو الحال في مصر، او تحولهم الى قوة مقاتلة كما هو الحال في ليبيا وسوريا.

وبرغم أن قادة «الاخوان» يعتبرون أنهم «مظلومون ومضطهدون» وأن هناك «حرباً عربية ـ دولية تشن ضدهم»، فإن شخصية إسلامية لبنانية حريصة على دورهم وتجربتهم تعتبر «أن الاخوان ارتكبوا أخطاء كثيرة أوصلتهم الى ما هم عليه اليوم، واذا لم يجروا مراجعة كاملة لدورهم وتجربتهم ويعيدوا النظر بمواقفهم فإنهم سيواجهون المزيد من الاخطار».

فالوضع السوري «بلغ مرحلة جديدة بعد فشل المعارضة في إسقاط النظام وقدرة النظام على إعادة تنظيم صفوفه وترتيب أوضاعه ميدانياً وسياسياً بعد الانتخابات الرئاسية، في حين أن قوى المعارضة تواجه فشلاً عسكرياً وتعاني من انشقاقات وأخطاء وخلافات كثيرة، والشعب السوري يدفع ثمن ما يجري من صراعات والدول الكبرى والإقليمية تستفيد من الصراع على طاولة المفاوضات. كل ذلك يتطلب اليوم مراجعة هادئة لما يجري والبحث عن حلول سياسية واقعية ووقف الصراع العسكري»، يقول أحد دعاة المراجعة.

وأما على صعيد الأوضاع في مصر فتقول الشخصية الاسلامية اللبنانية: «اذا كان صحيحاً ان ما جرى في مصر انقلاب عسكري أدى لإسقاط حكم الاخوان، فإن الوضع الآن اصبح في مرحلة جديدة بعد انتخاب المشير عبد الفتاح السيسي رئيساً واعتراف العالم بذلك، فلم يعد مقبولاً اعتبار ما يجري عملية غير شرعية والعمل لإسقاط النظام الجديد وتسيير التظاهرات وتوفير الظروف العامة للقيام باعتداءات أمنية على القوى العسكرية، كما انه لم يعد مناسباً التعاطي مع جميع القوى المصرية بكونها حليفاً للنظام الجديد، فهناك اليوم نقاط تلاقٍ بين هموم الاخوان وهموم قوى أخرى ليبرالية ويسارية وقومية والخوف على الحريات ومصير الثورة قضية مشتركة، وحماية الاستقرار يجب ان تكون الأولوية لدى الجميع، وكل ذلك يتطلب من الأخوان رؤية جديدة وأداء جديداً وألا سيستمر النزيف سواء على صعيد جسم الأخوان او الوضع المصري عامة».

الحملة على «الاخوان المسلمين» لم تقتصر على الدول العربية، بل هي امتدت الى عدد من دول اوروبا، ما سيؤدي لمحاصرة دورهم ونشاطاتهم، ولذلك عمد قادة «الاخوان» الى عقد عدد من الاجتماعات المركزية في إطار التنظيم الدولي في تركيا وباكستان، كما يستفيدون من وجود بعض قياداتهم في قطر للتحرك السياسي والإعلامي، بالاضافة الى التحرك في بعض العواصم الاوروبية، وهم يضعون الخطط لمواجهة المخاطر المختلفة، وان كانت المعطيات الاولوية تؤكد الاستمرار في خيار رفض تقديم التنازلات، باستثناء ما جرى في تونس وقطاع غزة من خلال القبول بتشكيل حكومات تكنوقراط والتخلي الأولي عن السلطة لمواجهة الحصار او للحفاظ على الدور السياسي والشعبي الفاعل.

وفي مواجهة هذه المعطيات فإن شخصيات اسلامية لبنانية حريصة على دور «الاخوان» ومستقبلهم تؤكد «ان المطلوب اعادة النظر بكل الأداء، وحتى لو اقتضى الامر سحب نظرية الوصول الى السلطة نهائياً من التداول، واعادة الاعتبار للدور الدعوي والفكري والاعتراضي وتصويب المسار السياسي العام بدل الغرق في الصراعات الداخلية».

فهل يمكن أن يستجيب «الاخوان» لهذه النصائح؟ وهل يعيدون النظر بأدائهم ويعملون للحفاظ على قوتهم الشعبية بدل الاستمرار باستنزاف هذه القوة في صراعات لا جدوى منها؟

«الاخوان المسلمون» اليوم في وضع لا يحسدون عليه، والخروج من الصراعات الدموية يتطلب قرارات ومواقف تاريخية وحاسمة، وقيادة «الاخوان» المركزية في مصر بين الاعتقال والملاحقة وهمّ الدفاع عن النفس، ولذا لن تكون القرارات سهلة والموقف يتطلب جهداً كبيراً من قيادات التنظيم الدولي لـ«الاخوان» والاستفادة من القوى الصديقة، والا ستكون المحنة كبيرة وهي قد تشبه محنة الخمسينيات من القرن الماضي والتي امتدت لأكثر من عشرين سنة، وان كانت السعودية اليوم لا تقف الى جانب «الاخوان» بل هي تعمل لإسقاط تجربتهم، وتركيا لا يمكن ان تكون الظهير القوي لهم لأسباب عدة، أما قطر، فهي ليست سوى محطة انتظار وقاعدة مؤقتة للدعم الاعلامي والسياسي، فإلى من سيلجأ «الإخوان» اذا قرروا الاستمرار في الصراع الدموي؟

قاسم قصير – صحيفة السفير اللبنانية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.