«حزب الله» مقاتلاً: الميدان يروي ترجمة المعادلة… دمشق تتحدث عن شركائها في رسم «الخطوط الحمر»

Bashar-al-Assad12

صحيفة السفير اللبنانية ـ

عماد مرمل :

تحرص القيادة السورية على التأكيد أنها لا تزال تمسك بزمام الأمور في البلاد، برغم كل مفاعيل الأزمة الناشبة منذ أكثر من عامين ونصف العام.

ومن يلتقِ بعض كبار المسؤولين السوريين في هذه الأيام، يستشعر طمأنينة لديهم الى حصيلة المواجهة حتى الآن، وما أفرزته من معادلات استراتيجية، لم تكن كافية فقط لحماية النظام، بل أتاحت له أن يتحول من الدفاع الى الهجوم.

بهذا المعنى، يحرص أحد المسؤولين السوريين على وصف موسكو بأنها «الشريك»، وليس فقط «الحليف». والشراكة هنا، تتعدى حدود حماية النظام الى وضع الحجر الاساس لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

وعليه، تعتبر دمشق ان أهم ما أنجزه «صمودها» ـ الذي تملك روسيا وإيران وحزب الله أسهماً فيه ـ أنه أعلن رسميا عن انتهاء زمن الأحادية الأميركية وفتح الطريق أمام استعادة التوازن الدولي.

وانطلاقا من هذا الفهم للأحداث، تعتبر دمشق ان موسكو وطهران و«حزب الله» إنما يخوضون في سوريا، بالدرجة الاولى، معركة الدفاع عن مصالحهم الاستراتيجية، قبل الدفاع عن الرئيس بشار الاسد أو نظامه، الامر الذي يجعلهم شركاء موضوعيين في المواجهة، لا دخلاء عليها.

ويعتقد كبار المسؤولين السوريين ان مضمون الصراع في سوريا بات واضحا لا لبس فيه، «بعدما ثبت بالعين المجردة ما كنا نردّده منذ زمن، وهو اننا نقاتل الارهاب الذي جعلته الشهية المفتوحة يأكل من اللحم الحي لفصائل المعارضة السورية، ويهدد دول الجوار».
أما ملف السلاح الكيميائي، فيتعاطى معه المسؤولون السوريون بأعصاب باردة. بالنسبة إليهم لا مشكلة في التنازل عن هذا السلاح، ما دام بديله الاستراتيجي بات جاهزا للاستعمال، ومتوافرا في المستودعات العسكرية.
هنا، تؤكد القيادة السورية انها باتت تملك منظومة صواريخ متطورة أرض ـ أرض وأرض ـ جو، من شأنها ان تحقق التوازن في أي حرب محتملة مع إسرائيل، «فكيف إذا أضيف إليها السلاح النوعي الموجود بحوزة الحلفاء؟».
أكثر من ذلك، يجزم أحد المسؤولين السوريين بأنه لو حصل العدوان الاميركي، لكان العالم سيشاهد الصواريخ تنهمر على الكيان الاسرائيلي والبوارج الاميركية في البحر، مشيرا الى ان القيادة السورية كانت قد اتخذت بالفعل قرارا بالرد وقلب الطاولة، وهي وضعت لهذه الغاية الخطط العسكرية المناسبة التي كان سيُباشر في تنفيذها مع سقوط الصاروخ الاميركي الاول على سوريا.
أما بالنسبة الى مقومات الصمود ومدى القدرة على التحمل إذا استمرت الازمة لوقت أطول، فإن المسؤول نفسه يؤكد ان الاقتصاد السوري تجاوز صدمة الضربة الاولى، وانه استطاع ان يكتسب القدرة على التكيف مع المتغيرات وامتصاصها، موضحا ان الدولة لجأت الى استخدام سياسة ترشيد الإنفاق، وفق الأولويات.
وفيما انخفضت قيمة العملة السورية، مع ارتفاع سعر الدولار الاميركي أربعة أضعاف عما كان عليه قبل الأزمة، في مقابل رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 28 بالمئة فقط، يشدد المسؤول السوري على ان «الدولة تحاول ردم الفجوة من خلال الاستمرار في سياسة دعم المواد الاستهلاكية الاساسية».
وإذ يلفت المسؤول السوري الانتباه الى ان الحرب تسببت بدمار كبير، يشير الى ان الدراسة الأولية التي أجراها جهاز رسمي في الدولة توصلت الى ان كلفة إعادة الإعمار، حتى اليوم، تناهز 20 مليار دولار أميركي، فيما دراسات أخرى توصلت الى أرقام تتراوح بين 70 و100 مليار دولار.
أما على المستوى الميداني، فإن من يتجول في دمشق وريفها، يلمس أن الخطوط الحمر التي رسمت حول النظام، تُرجمت على الارض الى معادلات عسكرية راسخة، فحواها أن إسقاط الرئيس بشار الأسد ممنوع، مهما كان الثمن.
بطبيعة الحال، يمكن القول ان «حزب الله» هو أحد الذين ساهموا في ترسيم هذه الخطوط والدفاع عنها لـ«أسباب وجودية»، كما يؤكد المقربون من الحزب.
لا يظهر عناصر الحزب على الحواجز أو في مواقع علنية، كما يتضح من الجولة في جزء من ريف دمشق، لكن تأثيرهم في المعارك هناك حاسم، وأتاح حتى الآن إخراج مسلحي المعارضة من العديد من النقاط الحيوية.
ويحرص مقاتلو الحزب على الالتزام بضوابطهم «على الرغم من اننا نشارك في حرب لا ضوابط فيها»، كما يقول أحد الكوادر، مضيفا: «خلال عمليات المقاومة قبل التحرير عام 2000، وأثناء حرب تموز، اختبرنا أنماطا معينة من القتال، تتناسب وخصوصية المواجهة ضد جيش احتلال، لكن هنا، وجدنا أنفسنا أمام مفاهيم عسكرية مختلفة، وغير مسبوقة. الحرب في سوريا هجينة، هي خليط من كل شيء، والذي يخوضها يضيف الى تجربته خبرة نوعية وأشياء غير مألوفة».
ويشير كادر آخر الى ان أخطر ما في الحرب السورية ان الضوابط فيها تكاد تكون معدومة، «فيما نصر نحن على التقيد بمعاييرنا الأخلاقية والشرعية». ويروي في هذا السياق انه خلال اشتباك من مسافة قريبة، وجد نفسه فجأة وجهاً لوجه أمام فتى مسلح لا يتجاوز عمره الـ16عاما: «بصراحة، لم أقوَ على التصويب في اتجاهه.. لقد استحرمت قتله.. نظرت اليه وقلت له: إذهب من هنا، لا أريد أن أطلق النار عليك».
وفي تجربة أخرى، يشير الكادر المنتمي الى «حزب الله» الى «ان متطلبات إحدى المعارك فرضت علينا إحاطة أحد الأحياء ومحاصرة المسلحين فيه، لكن النسوة كنّ يخرجن ويدخلن سيرا على الأقدام، وقد لاحظنا أن العديد منهن كن يحملن معهن في طريق العودة الى الحي أكياسا من المواد الغذائية أو الخضار أو الدخان، تفوق بالتأكيد حاجة الأسرة. أدركنا أن بعضهن كن يمررن كميات من هذه الحاجيات الى العناصر المسلحة، ومع ذلك لم نمنعهن، لأننا لسنا بوارد تقزيم مهمتنا والانشغال بتفتيش هذه السيدة أو تلك».
ويسرد كادر آخر كيف أنه نجح مرات عدة في إنقاذ بعض الأشخاص من انفعالات مقربين من النظام فقدوا أحبة لهم، وأرادوا أن «يفشوا خلقهم» بمشبوهين مفترضين، تحت وطأة الغضب، «لكننا كنا نتدخل في الوقت المناسب ونحمي حياة هؤلاء، بعد التحقيق معهم والتأكد من عدم تورطهم في أعمال إجرامية».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.