حزب الله.. وأزينكوت.. واستراتيجيات مضادة

hassan-choukeir1-israel-lebanon

موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير:
يكاد لا يمر يوم تقريباً،  دون أن تتناقل وكالات الأنباء خبراً  من الكيان الصهيوني عن مناورات عسكرية تجريها القوات العسكرية  في الشمال الفلسطيني، وذلك تحت عناوين ومسميات مختلفة وبمشاركة كافة القطاعات الداخلية والقتالية في عملية تشابك للأذرع في مواجهة تهديدات الأذرع المقابلة لها، انطلاقا من سوريا إلى حزب الله في لبنان وصولاً إلى حماس وقوى المقاومة الأخرى في فلسطين..
هذه الحرب المحتملة التي يتحسب  لها الكيان هذه الأيام، هي بالتأكيد مختلفة في الشكل والمضمون عن كل تلك الحروب التي خاضتها هذه “الدولة”، وذلك من تاريخ نشوئها إلى ما بعد حربها الأخيرة في تموز العام 2006 ، لأنها و بالتأكيد ووفق المنظار العسكري الطبيعي لأي جيش في العالم  لا بد من أخذ الدروس والعبر من كل ذلك، وخصوصاً من حربها الأخيرة سالفة الذكر.. تبعاً لما أوصت به  لجنة فينوغراد في تقييمها لنتائج تلك الحرب.
حزب الله يبقى الكابوس الأكبر للكيان الصهيوني  في هذه الأيام، وذلك على الرغم كل ما يُقال عن انشغاله في المستنقع السوري، وهذا ما تُشير إليه معظم التقارير الصهيونية، وخصوصاً أن الحزب، ومنذ اليوم الثاني لتوقف الحرب عليه في العام ٢٠٠٦،  بدأ فوراً  بمراجعة شاملة لها، مقيّماً  كل نقاط ضعفه  فيها،  ومثيلاتها لدى العدو.. ناهيك عن نقاط القوة على المقلبين أيضاً.
حتى الأمس القريب، عملت دولة الكيان في مناوراتها – وذلك وفقاً لإستراتيجية أزينكوت المنشورة مؤخراً – على تفادي كل نقاط الضعف عندها، إنطلاقاً من ضرورة التنسيق بين كافة أجنحة جيشها القتالي من إحتياطيين ووحدات نخبة.. إلى العمل على إشراك الفرق غير المقاتلة، وخصوصاً في جبهتها الداخلية والتي يعتبر تماسكها شرياناً حيوياً لإطالة  أمد  الحرب، وتحقيق أهدافها، والتي تتجنب الحرب المُقسّطة جواً، ثم براً،  واستبدالها بنظرية القوة الضاربة والمدمرة (نظرية الضاحية وغيرها…) على كافة الصعد في عملية إنهاك شاملة لكافة قطاعات (العدو) ، وذلك في محاولة للقضاء على الصواريخ ومطلقيها وخازنيها وموزعيها وحماتها وصولاً إلى السيطرة على أماكن إطلاقها، ومجالها الحيوي أيضاً، فهذه  الصواريخ هي لعنة الكيان  السرمدية، والتي لا تنفك أدمغة الصهاينة، ومن خلفهم من الأمريكيين، تعمل على وضع نظام مضاد لها، وذلك لتعطيل مفاعيلها الجسيمة على الداخل الصهيوني، والتي تشكل له هاجساً  محورياً، وذلك على الصعيدين النفسي والمادي في آنٍ  معاً…
ضمن هذه الإستراتيجية – العقيدة، يهدد الكيان  بنظرية المسح الشامل للمدن والقرى والمزارع، وللبشر والحجر في كل موقعٍ يمكن  احتماله تهديداً  ضده، وذلك في عملية، يُراد منها صهيونياً أن تكون الفيصل لكل الصولات والجولات مع منظمة زرعت من جديد في الشارعين العربي والإسلامي فرضيتين أساسيتين، وهما:
– واقعية النصر العربي والاسلامي، بعد أن كانت مجرّد فرضية!
– وواقعية الهزيمة الصهيونية، بعد أن كانت وهمية!
حزب الله من جانبه، أدرك أكثر من أي وقت مضى، أن حربه الأخيرة مع الكيان في العام ٢٠٠٦  لم تكن عملية حدودٍ فقط، بل أرادها الصهاينة والأمريكيون، وبعض العرب أيضاً، أن تكون معركةً  وحرباً  على الوجود، وبالتالي فإن أية  حرب لاحقة عليه، فإنه – وبحسب ما تسرّب من استراتيجية أزينكوت – لن يكون شعارها أقل من الإطاحة برأسه، ونهائياً  هذه المرة… وبناءً  عليه لا بد له من أن يتحضر لها،  وبطريقة مختلفة ومتناسبة مع حجم الأعباء الملقاة على عاتقه، فضلا ً عن تلك التحديات الآتية إليه، وذلك على حدٍ سواء.
فكما حاكى الكيان الصهيوني  نقاط ضعفه، عمل حزب الله أيضاً  على المستوى نفسه، وذلك من خلال “فينوغراد” داخلية غير معلنة ، وخصوصاً عند وضعه لخططٍ، تعمل في حدها الأدنى لإفشال خطط العدو في أخذ العبر وسد الثغرات لحربه السابقة، وفي حدها الأقصى، تكمن في وأد استراتيجية أزينكوت في مهدها، تمهيداً لهزيمة استراتيجية للكيان الصهيوني… وذلك يكمن – بما أعتقده – في تبنيه الإستراتيجيات المفترضة التالية:
ـ إستراتيجية أنا ونفسه عليه.
من اللحظات الأولى لاشتعال الجبهات، سيعمل حزب الله على اختراق  أنظمة الاتصالات الصهيونية العسكرية، وذلك  وفق تقنية عالية لإحداث عملية تضليلٍ  واسعة بين مختلف القطاعات العسكرية، ليصل إلى مرحلة في حربه الإلكترونية تلك، إلى أن يصبح حزب الله ،  هو وبعضٍ من  تشكيلات  جيش العدو على العدو بحد ذاته… وذلك في عملية منسقة لإرباك الكيان  في الداخل والميدان على حدٍ سواء، ليزيد من شعور الكيان  بالاحباط واليأس من إمكانية المباغتة والنصر، فضلا ً عن تكريس وتثبيت نظرية الصهاينة في محاربة الأشباح.. إن في عقول عسكرييه، أو حتى مدنييه، في اّن معاً.
ـ استراتيجية الإكتفاء العتدية.
يعمل حزب الله منذ فترة على نظرية الاكتفاء الذاتي المناطقي وفقا للحكمة القائلة (من البابوج إلى الطربوش) تفاديا لأي نقص قد يحصل نتيجة التقطيع المحسوم لأوصال المدن والبلدات والقرى والمزارع وحتى الأحياء بعضها عن بعض ولفترات طويلة… وهذا الاكتفاء يشمل العديد والأعتدة معاً، وما يدعم ذلك أن انتقال الأفراد من قطاع إلى آخر وحتى من بلدة إلى أخرى يحتاج إلى إذن مسبق لذلك، على ما يقول بعض العارفين بذلك.
ـ استراتيجية التكامل والشمولية العديدية.
يعطف على النظرية أعلاه نظرية اكتفاء أخرى وهي نظرية الاكتفاء العسكري عند العديد، فإطلاق الصواريخ لم يعد حكراً على رجال الوحدات الصاروخية، وعمليات الاستطلاع لم تعد حكراً على فرق تقصي الاثر مثلاً، إنما الكل أضحى متخصصا في الكل وفقا لهذه النظرية، وذلك في محاولة لمنع حدوث أي نقص في مجال الخبرات العسكرية المناطقية في المعارك المقبلة… وبغض النظر عن عدد الشهداء والاختصاصيين الذين سيسقطون أثناء المعارك، ومهما امتدت فترة الحرب، فالخطة تقتضي إبقاء كافة الأسلحة قيد الاستعمال، وبنفس فعاليتها، حتى اللحظة الأخيرة من الحرب.
ـ استراتيجية الوأد والإطباق.
يصل القياديون في الحزب وواضعو الخطط الحربية فيه، إلى النقطة الأساس التي تهدد بها استراتيجية أزينكوت، وبشكلٍ مكثف هذه الأيام، وهي عمليات التدمير والمسح الشامل للمدن والبلدات والقرى اللبنانية، بحجرها وبشرها وبشكل عنيف وخاطف لتشكيل ضغط هائل على الحزب، وذلك لهول ما سيحلّ على شعبه وطائفته وعلى كل من يتعاطف معه،  من دمار وقتل شاملين! وذلك بغض النظر عن الصواريخ التي ستتساقط حينها على الكيان،  أو حتى لعدد الطائرات التي يمكن أن تسقط، وذلك بفعل إمكانية امتلاك  الحزب لدفاعاتٍ جوية متطورة.. بحيث يمكن أن تكون عندها غزارة الإغارات،  وفداحتها، أكبر بكثير من عديد المتساقطات من تلك الطائرات، بحيث أن الكيان – وبحسب ما ورد في عقيدة أزينكوت –  سينظر لهذه الحرب، على أنها يجب أن تكون “خاتمة الأحزان” لدى الصهاينة، وبالتالي لا مجال ساعتئذٍ  للحديث عن الخسائر وحجمها في تلك الموقعة المفصلية….
انطلاقاً من كل ذلك، فكيف يمكن للحزب أن يتصرّف مقابل هذه العقيدة الصهيونية “المتقدمة”؟
الكل في الكيان الصهيوني وخارجه سمع ويسمع منذ العام ٢٠١٠  الأمين العام لحزب الله يهدد بأن الحزب قد أصبح لديه عشرات الآلاف من المقاتلين المجهزين والمدربين على القتال… ملمحاً أحياناً إلى السبب في زيادة العديد هذه، مع العلم بأن ساحة الجنوب ضيقة جداً لهكذا أعداد من المقاتلين، إن لم نقل أن كثرتهم قد تعطي نتائج عكسية في منطقة جغرافية صغيرة .. والتي من المحتمل أن تكون ساحة للمواجهات المقبلة !
إذاً فالمسألة  ليست قلة خبرة عسكرية؟ بالتاكيد لا، فلم يعتد أحد على ذلك منذ نشوء الحزب إلى يومنا هذا… فأين القطبة المخفية في ذلك؟ وما علاقتها بنظرية الضاحية الأزينكوتية؟ فما هو الدور المتوقع والمحتمل إذن  لكل هذه الفرق؟ وكيف سيكون دورها المركزي في كسر نظرية الضاحية ووأدها في مهدها… فكيف سيتم ذلك؟
سيعمل الحزب، ومع الرصاصات الأولى للمعركة، على إدخال القسم الأكبر من هذه الفرق – وبطرقٍ شتى – إلى  الداخل الصهيوني، وإلى ما هو أبعد من الشمال، نحو عمق “غوش دان”  مستبقاً  أية إجراءات سريعة لعمليات إجلاء للمستوطنين، وخصوصا أهل تلك المنطقة، نحو الوحدات الاستيعابية الاستيطانية المشيّدة بكثرة، وذلك تحديداً في القدس الشرقية والضفة الغربية  – وذلك لإحراج الصواريخ المقاوِمة – ، بحيث ستكون مهمة هذه الفرق المندفعة سريعاً نحو العمق الصهيوني ، تنحصر في هدفين رئيسيين: أحدهما يتمثل في عملية وضع يدٍ جماعية لأعداد وافية من المستوطنين داخل مستوطناتهم ،  والإعلان مباشرةً ، عن طرحٍ يُفضي بتحييد المدنيين عن المعركة  لدى المقلبين، وذلك في عودة لاحياء تفاهم مشابه لتفاهم نيسان 1996 مع التهديد هذه المرة، بأن قصف المدن والبلدات اللبنانية، وقتل المدنيين، وتهجيرهم من مدنهم وقراهم – وذلك لغاية صهيونية ، تعرّضنا لها في مقالة سابقة ، والتي كانت بعنوان ” سيناريو صهيوني جديد .. الجيش يد الإرهابيين الضاربة .. والهدف ” (نشرت بتاريخ ٢٣-٠٦-٢٠١٥)  –  لن يقابله قصف ٌمماثل! إنما سيكون الرد عليه، وفقاً لمبدأ العين بالعين ، والسن بالسن والبادئ أظلم…. والتهديد بأنه لن يثني هذه الفرق عن عملها هذا، الاّ  أمرٌ واحدٌ فقط ، والذي ينحصر بتحييد المدنيين من الجانبين، وترك العسكر يتطاحن ببعضه! وهكذا – بحسب ما أعتقد – سيضمن الحزب تعطيلاً  مفترضاً  للطائرات والقنابل المتوحشة في تدميرها وفتكها بالحجر والبشر على حد سواء… هكذا، وهكذا فقط تسقط نظرية الضاحية وواضعيها بالضربة القاضية… لتنطلق عندها الحرب العسكرية والتي يعوّل حزب الله فيها كثيراً على جبن الجندي الصهيوني في المواجهات المباشرة… وهذا ما اختبرته المقاومة لسنوات طويلة في ميادين حربها مع الصهاينة ….
أما بالنسبة للهدف الآخر لهذه الفرق، فسيكون من مهماتها، وبلا شك،  بأن تُشكّل فرعاً خلفياً لكماشة المقاومة في التحامها مع القوات الصهيونية  الغازية للأراضي اللبنانية، مما سيجعل من هذه الأخيرة في حالٍ من التشتت الناري وخصوصاً مع الالتحام الميداني شبه المباشر مع الفرق المقاومة في فكي الكماشة على حد سواء…
إنها الحرب – الفيصل … إنها حرب السباق نحو النهاية ، وبدون أدنى شك…
باحث وكاتب سياسي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.