حزب الله وجيوش الممانعة .. ” شكراً لكم ” !

 

 

huzbullah 2

في اليوم الثاني الذي أعقب توقف العمليات العسكرية في الرابع عشر من آب في العام 2006 , انكبت مراكز الدراسات الصهيونية والامريكية على تحليل نتائج تلك الحرب – الخيبة , والتي كانت من اهدافها – فيما تكشف لاحقاً – بحدها الأدنى سحق المقاومة , وتغيير وجه المنطقة والعالم من خلفها لصالح مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت بقرب ولادته في حينه, كونداليسا رايس في قلب تلك المعركة , وعند أعتاب الكيان الصهيوني.

افردت منذ ذلك الحين , عشرات الدراسات والكتب التي عُنيت بكيفية إيجاد ألياتٍ جديدة , في التعامل مع المقاومة , بعيداً عن المواجهة العسكرية الخشنة معها , لأن نتائجها كانت مخيبة للأمال الصهيوأمريكية , باعتراف لجنة فينوغراد الصهيونية , التي أصدرت تقييمها السوداوي من الألف حتى ياء تلك المعركة.

أوصى الباحثون الصهاينة في دراساتهم التي أعقبت تلك الحرب , بضرورة تفعيل الحرب الناعمة , مدفوعةً ومرفوعة بالعمل الإستخباري النشط في جغرافيات الممانعة …ففي كتابه الذي صدر في العام 2009 ” هل يمكن قطع رؤوس الهيدرا , معركة إضعاف حزب الله ” أفرد مؤلفه الباحث في مركز دراسات الأمن الصهيوني داني بركوفيتش فصولاً كاملة حول الإسترتيجيات الجديدة للقضاء على المقاومة … لاقاه من نفس المركز الصهيوني فيما بعد في العام 2010 , الباحث الصهيوني مايكل ملشتاين في دراسة مشابهة لكيفية التعامل مع المقاومة في ضرورة ضرب ” المراكز التي تتبلور فيها فكرة المقاومة “.

لقد فصلّنا فيما مضى , وضمن أكثر من دراسة وورقة بحثية حول تلك الحرب الجديدة التي اعتمدها الصهاينة بعد العام 2006 … والتي لم يكتب النجاح لمعظمها – كما شهدت السنوات السابقة – , مع أن تلك الإستراتيجيات الناعمة , رافقها الكثير الكثير من العمل الإستخباري .
جاءت أحداث سوريا , فيما سُمي بربيع العرب , لتشكل طوق نجاة للإستراتيجيات الخشنة والناعمة على حد سواء في النيل من المقاومة ومن خلفها الجيوش المماتعة قاطبة ..حيث طبَّلت أمريكا ومن خلفها الكيان الصهيوني ومن أمامهم بعض العرب , بأن هذه فرصةٌ نادرة لابد من اقتناصها للنيل من الذراع العسكرية لمحور الممانعة .. وخصوصاً عندما يغرق كل أولئك في حرب استنزاف طويلة الأمد , يتفرّع منها استنزاف طائفي وايديولوجي بغيض , يُشكِّل وقوداً دائماً لشعلة الإستنزاف بوجهه العسكري … وذلك كله يحدث , دون أن يدفع الصهاينة قطرة دمٍ واحدة .. وفي خضم ” سعادة كبرى , يقتل فيها الأعداء نفسهم بأنفسهم أو بيد إخوانهم … وذلك ضمن تشكيل مليشيات متصارعة ..فتلك هي سياستنا الجديدة ..” ( موشيه يعلون مؤخراً) .
ولكن , في اليوم الذي أعقب فشل استراتيجيات بركوفيتش , وسقوط نظريات ميلشتاين , وبدء تهاوي ميلشيات يعلون المشكلة في كل من العراق وسوريا ولبنان … استفاق هؤلاء جميعاً وعلى رأسهم الكيان الصهيوني وأمريكا , على هلعٍ من نوعٍ جديد , لم يتوقعوا الوصول إليه … إنه هلع التهديد الذي انقلب إلى فرص ! فلا المقاومة زُجت في حرب طائفية … ولا الجيش السوري ” انسحق ” كما عبرّ مؤخراً عاموس يادلين (الرئيس السابق لشعبة الإستخبارات “) (في مقالة له لمحلق صحيفة ” The post ” 12-04-2014) والتي جاءت تحت عنوان : ” التهديد العسكري فقط يكبح نظام الأسد , وهذه مهمة اسرائيل “.

لا نريد هنا أن نقلل من عمق الجراحات التي أصابت جيوش الممانعة والمقاومة على حد سواء , إن بفعل الإستراتيجيات الناعمة تلك , أو بفعل المليشيات الإرهابية المستحدثة اليوم … فالخسائر – بلا شك – كبيرة ومؤلمة … إلاّ أنه ومن الصحيح أيضاً أن تلك الجراحات التي نزف منها الكثير الكثير من الدماء والعتاد والطاقات … لم تؤدِ – كما كان يحلم تحالف العدوان على سوريا – إلى الفناء , ولا إلى الضعف والهزال والشيخوخة المبكرة ..بل أن الأيام أثبتت أن الإستراتيجيات المتبعة من قبل أطراف الممانعة , ساعدت على تضميد الجراحات , وتداويها .. لتنطلق في الميدان بنَفَسٍ جديد , وخبرة جديدة .. لم يكن بالإمكان تحصيلها , من دون المرور بتلك التجارب الشديدة الصعوبة.

إذاً , ما إن اندلعت الأحداث في سوريا , حتى وجد حزب الله نفسه مضطراً للولوج في تلك المعركة جنباً إلى جنب مع الجيش السوري , مع مفارقة جديدة , أن أسلوب القتال الذي فرضته هذه المعركة هو مختلف تماماً عما اعتادته هذه المقاومة في صراعها مع العدو الصهيوني , وكذا كان شأن الأسلوب الكلاسيكي الذي كان يعتمده الجيش السوري في بدايات قتاله للعصابات الإرهابية .
لقد اكتشف هذان المكونان , أن كلا الأسلوبين سالفي الذكر , غير مجديين تماماً في صراعهما المستجد , فما لبثا أن بادرا إلى تغيير مزدوج ومتزامن , يتعلق الأول بالقطاعات والفرق العسكرية لديهما , والثاني معني بالأساليب القتالية التي تفترضها ظروف المعركة الجديدة.

هذان المنحيان اللذان بقيا خارج إطار الإضاءة الإعلامية المباشرة , اعتبرا – بفعل النتائج المحققة أخيراً في الميدان لصالح الجيش والمقاومة – مدرسة جديدة في العلم العسكري , وذلك كونها أسست لمبادئ عسكرية للمقاومات في كيفية خوض صراعها ضد جماعات وعصابات إرهابية , لا تأخذ الجانب النظامي في العمل العسكري , وكما هو المعتاد سابقاً… وكذلك أسست لمبادئ عسكرية تُخرج الجيوش النظامية من نمطيتها المعتادة في كيفية مواجهة العصابات اللانظامية … كونها اعتمدت منطق المزج بين النظامي واللانظامي في ميدان المعركة , ليخوض فيها الجيش السوري حرباً , هي الأولى من نوعها منذ تأسيسه , بعيداً عن الكلاسيكية التي صبغت معاركه السابقة مع الكيان الصهيوني …
لقد حققت هذه المدرسة الجديدة في التشكيل والأساليب العسكرية لدى كل من المقاومة والجيش السوري , إنتصارات باهرة في ميادين القتال , بعد أن فُرضت عليهما حرباً جديدة لم يخوضا غمارها من قبل … مما جعلهما – وبدون أية مبالغة – من أقوى المكونات العسكرية في المنطقة , وبلا منازع , وستشهد الأيام على ذلك …. على الرغم من كثرة الألام التي أصابتهما .
لم يكن حال الجيش العراقي المُشكل حديثاً بعد الإحتلال الأمريكي , بأفضل حالٍ من غيره من الجيوش الناشئة , ذلك لأن معظم تشكيلاته الجديدة , لم تكن تمتلك خبرات المعارك النظامية , أو حتى غير النظامية , فكيف بخبرات القتال ضد عصابات تكفيرية مدرّبة ومُجهزة , وتمتلك خبرات قتالية عالية قد اكتسبتها في أكثر من بقعة في العالم .
لقد فرض الهروب الأمريكي من العراق , على الجيش العراقي , أن يأخذ زمام المبادرة بنفسه , ضد القاعدة وأخواتها . لتجعل منه تلك المعارك القاسية التي بدأ يخوضها , جيشاً ذو خبرات استراتيجية وتكتيكية , ميدانية وعملانية … مراكماً إنجازاته يوماً بعد يوم … إلى تنتهي تلك المعارك في القادم من الأيام بالقضاء على تلك العصابات … مع بزوغ فجر جيش عراقي جديد , ذو وجه ممانع , مع كفاءة عالية في مواجهة حروب الإرهاب الجديدة.

عندما تهدأ العواصف في المنطقة , سترتسم أمام ناظري أمريكا والكيان الصهيوني , لوحةٌ عسكريةٌ مرعبة , يبدأ فك شيفرتها من إيران بجيشها الذي يحتوي بين جنباته ثلاثيات ذهبية أصيلة ومطوّرة , يحاذيها في العراق الممانع , جيشٌ كفؤ في محاربة الإرهاب , يلاقيه في سوريا نظيرٌ له , يجمع ما بين النظامي واللانظامي في آنٍ معاً , على كتفه – ربما – مقاومة شعبية , تحت مُسمى ” جيش الدفاع الوطني ” , مضافاً إلى كل أولئك , مقاومةٌ لبنانيةٌ , بحلّة جديدة ,ذي صبغة تتخطى الجغرافيا والإقليم في الميدانين السياسي والعسكري على حد سواء .
خلاصة القول , لا يتسع المقام هنا للإستفاضة أكثر , حول رؤية الأقربين والأبعدين لهذه اللوحة العسكرية الجديدة , وما هي تداعيات ذلك على استراتيجيات باقي مكونات المنطقة العسكرية والسياسية أيضاً .. إلاّ أن ما لم تحسب حسابه أمريكا ومعها الكيان الصهيوني , ومن سيتبقى يدور في فلكهم من حلف الإعتدال العربي , أن يأتي زمنٌ تقول فيه المقاومة وجيوش الممانعة في المنطقة ” شكراً لكم ” على الطريقة التي يستحقها كل أولئك .
حسن شقير – باحث وكاتب سياسي – موقع قناة المنار

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.