النظام السياسي في اليمن .. الرقص على رؤوس الثعابين ـ الجزء الثاني

yemen-naserhosseini-research2

 

الفصل الثاني: مراحل تطور النظام السياسي
أ ـ ما قبل الوحدة
ب ـ ما بعد الوحدة
ـ المرحلة الانتقالية 1990 /1993
ـ مرحلة الائتلاف الثلاثي: 1993 / 1994
ـ مرحلة الائتلاف الثنائي: 1994 / 1997
ـ مرحلة حكم الحزب الواحد: ابريل/نيسان 1997
ج ـ آراء في هوية النظام السياسي
ـ رئاسي أم برلماني ؟
ـ شكل الدولة

الفصل الثاني: مراحل تطور النظام السياسي
بعد توحد اليمن في 22 مايو/أيّار عام 1990 إثر انقسام اليمن إلى شمالي استقل عن الحكم العثماني عام 1918، وجنوبي تحرر من قبضة الإحتلال البريطاني في 30 تشرين ثاني عام 1967، أرسى الإتفاق الحاصل بين الجمهورية العربية اليمنية (الشمال) وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوب)، نظاماً سياسياً لم يستطع إرضاء جميع المكونات السياسية والقبلية للبلاد، وفاقم من ذلك سعي الأطراف المكونة لاتفاق الوحدة إلى السيطرة على مقدرات الدولة، وعملت الدول الخارجية عبر امتداداتها الداخلية وأبرزهم السعودية لإبقاء الوضع اليمني تحت سيطرتها بهدف إضعاف البلاد، كون تشكيل نظام سياسي قوي في بقعة جغرافية هامة، وتعداد سكاني كبير، ووجود ثروات نفطية وغازية كبيرة غير مستثمرة، ووقوعها على مضيق حاكم على حركة تجارية عالمية، وغيرها من مقدرات، كل ذلك دفع باليمن إلى احتلال أجندات القوى الكبرى وجارته السعودية إلى العمل على احتوائه والهيمنة عليه، لاسيّما أنّه صاحب حضارة تمكنه من البروز خارجياً في الساحة الدولية، والتأثير داخلياً نحو العمق السعودي.
وفي ما يلي إضاءة على الوضع السياسي في اليمن الشمالي والجنوبي ما قبل الوحدة، وما بعد الوحدة والمراحل الأربعة التي شهدتها الدولة اليمنية الموحدة وتشكّل النظام السياسي واللاعبين فيه، يلي ذلك بعضٌ من إشكالياته كما يراها خبراء وسياسيون وصحفيون.
أ ـ ما قبل الوحدة
كان عالمنا العربي الإسلامي عموماً، واليمن خاصة، يحكم بنظام الوصاية والخلافة باسم الشرعية الدينية لآل عثمان، بوصفهم مجددي الخلافة الإسلامية وحماة الدين، بالتزامن مع قيام زعامات داخلية إمامية في مناطق متفرقة، توحد أحياناً، وتمزق أحياناً أخرى، تبعاً لتغلبها وانكسارها، تستند الى استحقاق شرعي ديني، قوامه الأحقية بالإمامة ووجوب إسنادها الى أحد أبناء آل البيت عرفت في اليمن بالإمامة الزيدية: (قاسمية- متوكلية – مهدية – منصورية حميدية.. الخ) دام فوق الف عام. ولم تكن باقي أقطار العالم العربي والإسلامي بأفضل سياسياً من اليمن، فالنظم: إما إقطاعية عشائرية بوصاية عثمانية، أو منحة استعمارية، لأسر وجماعات قبلية تدين بالولاء لولاة النعمة، وتأخذ رواتبها منهم بمقابل الحراسة وتأمين الطريق لمصالح المستعمر وتأمين وجوده في بلدانهم. وبخروج العثمانيين نهائياً من اليمن في العقد الثاني من القرن العشرين، انتهى الحكم الى أسرة آل حميد الدين ممثلاً بالإمام يحيى ابن الإمام المنصور، في شمال اليمن كله. وبمقابل قيام مشيخات وإمارات في الجزء الجنوبي من اليمن على أساس الغلبة والشهوة، ولم تستند الى حق شرعي أو سياسي نظري عقلي، سوى حق القوة، قوة القبيلة والعشيرة والمال، وبدعم ووصاية وحماية الاستعمار البريطاني الذي حكم قرابة 130 عاماً.
ولم يشهد النظام السياسي في اليمن بشقيه الامامي والاستعماري أي تطور يذكر، الأمر الذي دفع اليمنيون، وبخاصة المثقفين والعلماء والفقهاء والتجار والشباب والمشايخ الى الانخراط في جمعيات ومنظمات ذات طابع ديني وثقافي واجتماعي، ليبدؤوا النضال المبكر من ثلاثينات القرن العشرين حتى مطلع الستينات، عندما تتوج في ثورتي سبتمبر/أيلول 1962م ضد الإمامة، واكتوبر/تشرين الأول 1963م ضد الاستعمار في الجنوب وسلطناته المحمية والمدعومة منه (25).
وبنجاح فصلي الثورة الواحدة بدحر المستعمر والمستبد معاً، تغير وضع اليمن شكلاً ومضموناً بكافة جوانبه، وعلى رأس تلك المتغيرات: النظام السياسي، من نظام ثيوقراطي كهنوتي وإقطاعي، الى نظام جمهوري مرجعيته الدستور، وناضل اليمنيون جميعاً لحماية الثورة وتحقيق أهدافها وصولاً الى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية.
لكن في الفترة ما بين الجمهورية والوحدة لم يتغير النظام السياسي جذرياً. فرغم تحوله الى جمهوري وأنه ديمقراطي عادل مستمد أحكامه من الشريعة الإسلامية وفق ثاني أهداف الثورة، إلا أن شكل النظام السياسي ظل آحادياً فردانياً في شمال الوطن أو في جنوبه، وليس تعددياً ولم تكتمل أركان النظام السياسي الحديث الممثلة بالديمقراطية والحرية والمساواة والتعددية، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية والحزبية، والتداول السلمي للسلطة، بل أن الدستور الدائم الأول في مادته (73) في شمال الوطن يحرّم الحزبية، وما جاء به الميثاق الوطني 1982م من مفاهيم تتعلق بالديمقراطية وحق المعارضة البناءة لم تُحِل ما حرّمه الدستور الدائم حيث استمر النظام السياسي بعد قيام الثورة وتقلباته يراوح بين سلطة الفئة الواحدة أو الحزب الواحد والجماعة المعنية المحسوبة على تيارات قومية أو يسارية وإسلامية أو قبلية.
ولم يحقق انضواء العديد من القوى السياسية في (المؤتمر الشعبي العام 1982م) أي تغيير جوهري في النظام السياسي، ولا التعددية السياسية، وكانت جهود الحركة التعاونية منذ تشكلها مع نهاية الستينات، وانخراط بعض القوى السياسية ذات الامتداد العربي (الناصرية والبعثية)، أو ذات الامتداد الأممي (الماركسية) محصورة في التنمية الاجتماعية أكثر من التنمية السياسية، عدا الإخوان المسلمين الذين كانوا أكثر حظاً من غيرهم بدءاً من السبعينات وحتى نهاية الثمانينات، في تحديد صورة ووجهة النظام السياسي، نتيجة للدعم الكبير لهم من داخل اليمن أو خارجه.

ولعدم تساوي فرص التأثير للقوى الأخرى، فقد لجأت للتعبير عن نفسها بالدخول مع السلطات المتعاقبة في سجال سياسي أحياناً وصراع عسكري في أكثر الأحيان، والحال ذاته في الشطر الجنوبي من الوطن، فقد تنصّلت الجبهة القومية وجبهة التحرير وما تفرع عنهما من فصائل سياسية من التزاماتها تجاه الاندماج مع الشمال بعد الاستقلال، وأسست نظاماً سياسياً شمولياً ظل لمدة 11 سنة تحت حكم الجبهة القومية، وانتهى بقيام الحزب الاشتراكي موحداً للفصائل السياسية المختلفة داخله.
واستمر الحكم بنظام الحزب الواحد الى الوحدة، وظلت العلاقة بين النظامين والقوى المنضوية معهما بين مد وجزر، حوار وصراع، تجليا من خلال دعم كل نظام للجبهة المناوئة للآخر، فضلاً عن الصدام المباشر بينهما في 1972م و1979م وما لحقهما من لقاءات وحوارات، انتهت بالتقارب بين السلطتين في الشمال والجنوب مع منتصف الثمانينات وكان يوم 22 مايو 1990م هو خلاصة وتتويج للنضال الوطني المتعدد والملتحم بالشعب وفئاته المختلفة، وكانت الوحدة اليمنية النقطة الفاصلة الجديدة بين نظام سياسي فرداني وآحادي، ونظام سياسي متعدد. كانت نقطة الانتقال من نظام استند الى الشرعية الثورية، الى نظام استند الى الشرعية الدستورية، من مناخ قمع الحريات العامة والخاصة، الى مناخ إطلاق الحريات ولو في أبسط صورها، من نظام الزج بالمعارضين في الرأي في السجون الى نظام يتحاور مع المعارضين ويجلس معهم ويجلسون معه، من مناخ الاستيلاء والغلبة بالقوة وسيلة للحكم، الى نظام يعتمد الصندوق وسيلة للوصول الى سدة السلطة، بصرف النظر عن مظاهر الخلل في هذه الآلية أو غيرها (26) .

ب ـ ما بعد الوحدة
مرت الجمهورية اليمنية (اليمن الموحد) منذ قيامها في 22 مايو عام 1990 بعدة مراحل : (27)

المرحلة الانتقالية وبدأت من 22 مايو/أيّار 1990 حتى 27 ابريل/نيسان 1993
بدأت هذه المرحلة بقيام الوحدة اليمنية في الثاني والعشرين من مايو/أيّار 1990 واستمرت حتى 27 ابريل/نيسان 1993. وقد اتصفت بما يلي:
1- قيام وحدة اندماجية كاملة (دولة موحدة/بسيطة) بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ذابت فيها الشخصية الدولية للدولتين السابقتين في شخصية دولية واحدة. وقد أطلق على الدولة الجديدة “الجمهورية اليمنية.”
2- تقاسم السلطة بين شريكي الوحدة المؤتمر الشعبي العام (الذي كان يحكم ما عرف بالجمهورية العربية اليمنية أو اليمن الشمالي) والحزب الاشتراكي اليمني (الذي حكم ما كان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أو اليمن الجنوبي) وهو تقاسم لم يقتصر على عضوية المؤسسات السياسية (رئاسة الجمهورية، الحكومة، مجلس النواب) بل امتد إلى كافة مفاصل الدولة بما في ذلك مناصب نواب الوزراء ووكلاء الوزارات وحتى مدراء العموم والتي هي بطبيعتها وظائف إدارية يفترض أن تكون محايدة سياسيا. ويلاحظ أن التقاسم لم يرد صراحة في أي اتفاقية من اتفاقيات الوحدة ولكن جزءاً كبير منه كان نتاجاً لتلك الاتفاقيات.
3- تم إنشاء مجلس رئاسة ليكون بمثابة القيادة الجماعية للبلاد. وتكون مجلس الرئاسة من خمسة أشخاص؛ ثلاثة يمثلون المؤتمر (علي عبد الله صالح، عبد العزيز عبد الغني، عبد الكريم العرشي) واثنان يمثلان الحزب الاشتراكي (علي سالم البيض، سالم صالح محمد). ومع أن مجلس الرئاسة تم انتخابه من قبل اجتماع مشترك لهيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى (السلطة التشريعية في الجنوب قبل الوحدة) ومجلس الشورى (السلطة التشريعية في الشمال قبل الوحدة) وذلك تنفيذا للمادة الثانية من اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية الإ إن العملية الانتخابية لم تكن سوى إجراء شكلي لتنفيذ الاتفاقات غير المعلنة بشأن توزيع السلطة بين حزبي المؤتمر والإشتراكي. ويلاحظ أن انتخاب مجلس الرئاسة قد تم من قبل اجتماع مشترك للهيئتين الشطريتين وذلك ليضمن كل موقعه في الدولة الجديدة ولضمان عدم حدوث فراغ في السلطة. وقد قام مجلس الرئاسة في أول اجتماع له بانتخاب علي عبد الله صالح (الذي كان رئيساً للجمهورية العربية اليمنية بين عام 1978 وعام 1990) رئيساً للجمهورية اليمنية. كما انتخب المجلس علي سالم البيض الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني نائباً لرئيس المجلس. وكان دستور دولة الوحدة الذي لم يكن قد دخل حيز التنفيذ قد نص على جعل الرئاسة في هيئة جماعية مكونة من خمسة أشخاص عبارة عن رئيس وأربعة أعضاء لكن الدستور لم يذكر وجود منصب نائب الرئيس. (انظر هنا نص اول دستور للجمهورية اليمنية وهو دستور عام 1991).
4- شكل مجلس الرئاسة بموجب السلطة التي أعطيت له في المادة الخامسة من اتفاق إعلان الوحدة اليمنية أول حكومة للجمهورية اليمنية برئاسة المهندس حيدر أبوبكر العطاس (والذي كان يشغل منصب رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل الوحدة) وذلك في 24 مايو/أيّار عام 1990. وقد تكونت تلك الحكومة من 39 وزيراً. الجدير بالذكر أن آخر حكومة تشكلت في الشمال قبل الوحدة هي حكومة السيد عبد العزيز عبد الغني (تشكلت في 31 يونيو/حزيران 1988) وقد تكونت من 23 وزيراً بالإضافة إلى رئيس الحكومة. أما آخر حكومة تكونت في جنوب اليمن ( رأسها الدكتور ياسين سعيد نعمان في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1986) فقد تكونت من 18 وزيراً بالإضافة إلى رئيس الوزراء. وكان واضحاً منذ البداية أن الهدف من إنشاء حكومة بهذا الحجم هو إيجاد حقيبة وزارية لكل وزير وسواء أكان في حكومة الشمال السابقة على الوحدة أم في حكومة الجنوب. وباستثناء تعديلات طفيفة فإن الغالبية العظمى من الوزراء في آخر حكومة شكلت سواء في الشمال او في الجنوب وجدوا لأنفسهم حقائب وزارية في الحكومة الجديدة التي شكلت بعد يومين من قيام الوحدة. وكانت النتيجة هي قيام حكومة للجمهورية اليمنية تفوق في حجمها حكومات كل من الصين واليابان والولايات المتحدة ويتقاسم مقاعدها كل من المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني (19 للاشتراكي، 20 للمؤتمر). وقد نص إعلان اتفاق قيام الجمهورية اليمنية على أن تمارس تلك الحكومة الجديدة الاختصاصات الموضحة في دستور الجمهورية اليمنية والذي لم يكن قد تم الاستفتاء عليه من قبل الشعب بعد.
5- تكون مجلس النواب (السلطة التشريعية للجمهورية اليمنية) من 301 عضو؛ وذلك على النحو التالي:
أ- أعضاء مجلس الشورى في الشمال وعددهم 159 عضواً 128 تم اختيارهم من قبل المواطنين في انتخابات عامة عقدت في عام 1988 و31 منهم تمّ تعينهم من قبل رئيس الجمهورية.
ب- أعضاء مجلس الشعب الأعلى في الجنوب وكان عددهم 111 عضواً وتمّ انتخابهم في عام 1989.
ج- 31 عضواً تم تعيينهم في المجلس بقرار من مجلس الرئاسة يوم 24 مايو 1990. ويلاحظ أن رئيس وزراء الجمهورية اليمنية السابق الأستاذ عبد القادر باجمال كان من ضمن الأعضاء الذين عينهم مجلس الرئاسة في مجلس النواب في 24 مايو/أيّار 1990.
6- شهدت الفترة الانتقالية وضع الأسس الدستورية والقانونية لدولة الوحدة، حيث تم الاستفتاء على دستور الوحدة في منتصف مايو/أيّار 1991 ليصبح نافذاً بعد ذلك بعد أن كانت السلطات المختلفة تستمد شرعيتها من اتفاقية إعلان قيام الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية. كما صدرت خلال الفترة عدة قوانين بقرارات جمهورية والتي اقتضت الضرورة إصدارها. وقد وافق مجلس النواب على بعضها ولم يوافق على البعض الآخر.
7- شهدت الفترة الانتقالية ظهور الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والصحافة الحزبية والأهلية. بالنسبة للأحزاب التي وجدت بشكل أو بآخر في الشطرين قبل قيام الوحدة رغم المنع والقمع الذي مورس ضدّها فقد سمح لها مع قيام الوحدة بالخروج إلى العلن والعمل تحت ضوء الشمس. وبرز العشرات منها إلى ارض الواقع. وكان أبرز الأحزاب التي تأسست خلال الفترة ثم لعبت فيما بعد أدواراً سياسية هامة هو التجمع اليمني للإصلاح الذي أعلن عن قيامه في سبتمبر/أيلول 1990.
أمّا بالنسبة للصحف فقد تأسس عدد منها خلال الفترة الانتقالية. ففي عام 1991 مثلاً تمّ تأسيس عدد من أبرز الصحف اليمنية التي تحتل موقعاً هاماً اليوم وفي مقدمتها صحيفة اليمن تايمز الناطقة باللغة الانجليزية والتي أسسها في فبراير/شباط 1991 الأستاذ الدكتور عبد العزيز السقّاف وصحيفة الشورى الناطقة باسم اتحاد القوى الشعبية التي ظهر أول عدد منها في 2 مايو/أيّار، وصحيفة الأمة الناطقة بلسان حزب الحق التي بدأت النشر في 12 سبتمبر/أيلول عام 1991 .
8- عمل كل من المؤتمر والاشتراكي خلال الفترة الانتقالية على توظيف الموارد العامة للدولة بما في ذلك الوظيفة العامة وذلك بغرض تعزيز المواقع وتحقيق مكاسب في الانتخابات البرلمانية، فظهرت أحزاب وصحف وجمعيات ترتبط بهذا الحزب أو ذاك. كما تمّ إثقال كاهل الخزينة العامة بعشرات (إن لم يكن مئات) الآلاف من الموظفين الوهميين. وترجع كثير من مشاكل اليمن القائمة اليوم في الجانب الإداري إلى السياسات التي اتبعها المؤتمر والاشتراكي خلال الفترة الانتقالية.
9- اتّصفت العلاقة بين المؤتمر والاشتراكي خلال الفترة الانتقالية بالتوتر الشديد في معظم الأوقات. ويمكن رد ذلك التوتر إلى الصراع الشديد بين الحزبين على السلطة والى سعي كل طرف إلى تهميش الآخر وإلى قرابة عقدين من الصراع بين القوى الحاكمة في الشطرين. ويلاحظ أنّ الحزبين رغم إعلاناتهما المتكررة بإتمام توحيد جميع المؤسسات بما في ذلك القوات المسلحة قد أبقيا على الجيش والأجهزة الأمنية والإعلامية مشطرة.
10- ساهم في تأجيج الصراع بين الطرفين عدد من العوامل أبرزها:
أ‌- تقاسم السلطة بين الحزبين بالتساوي برغم الفجوة الموجودة بين عدد السكان في الشمال وعدهم في الجنوب. ففي الوقت الذي لم يكن فيه سكان المحافظات الجنوبية يمثلون سوى حوالي الخمس من سكان الشمال فأنهم نالوا نصف السلطة في حين ترك لـ 80% من سكان اليمن النصف الآخر. ب‌- ظهور موجة من الاغتيالات والتفجيرات استهدفت أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني وهو ما أدى إلى تعميق الفجوة بين شريكي الوحدة. فالاشتراكيون اتهموا المؤتمر بالوقوف وراء تلك الحوادث.
ج‌- وقوع أحداث شغب في أواخر عام 1992 في مدن الشمال فقط ودون الجنوب وبالتزامن مع أزمة في العلاقة بين الحزبين وهو ما دفع بالمؤتمر إلى اتهام الاشتراكي بالوقوف خلف تلك الأحداث.
11- اعتبرت الفترة الانتقالية من قبل معظم الباحثين في السياسات اليمنية أزهى فترات الديمقراطية (الإنفتاح السياسي) في اليمن. ومن وجهة نظر أولئك الباحثين فانه بالرغم من أن الحزبين الحاكمين لم يسمحا للمواطنين والقوى السياسية الأخرى بامتلاك وسائل الإعلام الجماهيري وهي الأكثر فعالية فان الصراع بين القوتين قد أتاح للقوى السياسية الأخرى على الساحة لعب أدواراً أكثر فعالية وأهمية وذلك عن طريق الاستفادة من الموارد التي يسيطر عليها هذا الطرف أو ذاك.
12- برغم أن “اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية” قد نص في مادته الثالثة على تحديد فترة انتقالية مدتها سنتين ونصف ابتداء من تاريخ قيام الوحدة يتم خلالها التحضير لانتخابات برلمانية ديمقراطية يتم على أساسها بناء مؤسسات دولة الوحدة على نحو يعكس تفضيلات الناخبين اليمنيين إلا أنّ المماحكات بين الحزبين الحاكمين قد قادت إلى تمديد الفترة الانتقالية لمدة ستة أشهر أخرى. وبدلاً من أن تعقد الانتخابات التي تمّ الاتفاق عليها في نهاية عام 1992 تمّ عقدها في ابريل/نيسان عام 1993 .
13- انتهت الفترة الانتقالية بعقد أول انتخابات في تاريخ اليمن تقوم على قاعدة التعددية الحزبية وذلك في 27 ابريل/نيسان عام 1993. وقد أشرف على تلك الانتخابات لجنة مكونة من 17 عضواً يمثلون 11 حزباً بالإضافة إلى المستقلين والنساء الذين تمّ تمثيلهم بعضوين إحداهما امرأة. وقد أسفرت الانتخابات التي يعدها الباحثون المحايدون الأكثر نزاهة وديمقراطية في تاريخ اليمن عن ظهور ثلاث قوى سياسية على الساحة هي بالترتيب: المؤتمر الشعبي العام وقد حاز على 123 مقعداً، التجمع اليمني للإصلاح وقد حصل على 62 مقعداً، ثم الحزب الاشتراكي وقد حصل على 56 مقعداً. وإذا كان فوز المؤتمر والاشتراكي قد مثل تحصيل حاصل فان ظهور الإصلاح كقوة سياسية جديدة قد مثل ابرز إفرازات تلك المرحلة.

مرحلة الائتلاف الثلاثي: ابريل/نيسان 1993 إلى ابريل/نيسان 1994
اتسمت المرحلة التالية لانتخابات ابريل/نيسان عام 1993 بالخصائص التالية:
1- تشكيل حكومة ائتلافية من ثلاثة أحزاب هي المؤتمر والإصلاح والاشتراكي. وقد نتج عن ذلك سعي الأحزاب الثلاثة كلّ على حدة أو في تحالف مع حزب آخر إلى تعزيز مواقعها في أجهزة الدولة وفي منظمات المجتمع المدني وهو ما شكل تعزيزاً لما بدأه الاشتراكي والمؤتمر خلال الفترة الانتقالية من تسييس للوظيفة العامة.
2- إلغاء مبدأ القسمة على اثنين بالتساوي والذي كان معمولاً به خلال الفترة الانتقالية. وقد تمّ الإلغاء لسببين: الأول، هو دخول شريك جديد في السلطة، والثاني هو النتائج المتواضعة التي حققها الحزب الاشتراكي في الانتخابات والتي اقتصرت بشكل عام على دوائر الجنوب الذي كان ما يزال تحت سيطرة الحزب إلى حدٍّ كبير. وبرغم أنّ الحزب الاشتراكي ظل محتفظاً بنصيب معقول من السلطة تفوق تمثيله في مجلس النواب إلا أنّ الصراع ما لبث أن تمحور حول نصيب الشريكين في السلطة. فالمؤتمر، ويسانده الإصلاح في ذلك، سعى، ربما بأسرع مما ينبغي، إلى تقليص سلطات الاشتراكي ومواقعه في الدولة رافعاً شعار الشرعية الديمقراطية (نتائج انتخابات ابريل/نيسان 1993). أما الاشتراكي فقد قاوم بشدة مثل ذلك التوجه مستنداً في ذلك إلى شرعية الوحدة. ويتضح من الصراع الذي نشأ أنّ الحزبين اللذين كان لهما الفضل في توحيد البلاد لم يؤمنا بالديمقراطية ولم ينظرا إليها كحل للصراع حول السلطة وان كل منهما كان يراهن على الانتخابات في جهوده لإقصاء الآخر.
3- كان هناك عدة عوامل محلية وإقليمية ساعدت على تصعيد الصراع بين المؤتمر والاشتراكي، أهمها:
أ- التدهور الاقتصادي الذي ترتب على طرد ما يقارب المليون يمني من السعودية وعلى قطع المساعدات التي كانت تتدفق على اليمن.
ب- سعي بعض الدول إلى تصفية الحسابات مع اليمن بسبب موقف الحكومة اليمنية من الغزو العراقي للكويت
ج- الإبقاء على القوات المسلحة وأجهزة الأمن والإعلام مشطرة.
د- الموقف الدولي من الأزمة والذي اتسم باللامبالاة إلى حد كبير.
ه- استهداف قادة الحزب الاشتراكي بحملة من الحوادث الإرهابية.
و- الشلل الذي أصاب مؤسسات الدولة وخصوصاً مجلس الرئاسة والحكومة.
ز- ضعف القوى الأخرى وعدم قدرتها على أن تشكل عاملاً مستقلاً في معالجة الأزمة.
4- برغم الجهود المحلية والإقليمية فقد تصعدت الأزمة حتى وصلت إلى مرحلة الحرب الشاملة في مايو/أيّار 1994. وقد أعلن الحزب الاشتراكي الانفصال في 21 مايو/أيّار 1994 لكن ذلك الإعلان لم يحظ سوى باعتراف جمهورية أرض الصومال والتي لم يكن أحداً قد اعترف بها أصلاً. بالنسبة للدول المجاورة الداعمة للاشتراكي فقد لاقت حرجاً كبيراً في الاعتراف بالدولة الانفصالية. وبدلاً من الاعتراف بالدولة الجديدة سعت إلى حشد التأييد والدعم الدولي لها. لكن المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة كان له وجهة نظر مختلفة. فالأمريكيون وإن كانوا قد شجعوا فكرة طرح الموضوع على مجلس الأمن الدولي الإ إنهم لم يحبذوا فكرة الانفصال. وقد رأوا أنّ الاعتراف بالدولة الانفصالية سيؤدي إلى تطويل الحرب مع ما يمكن أن تجلبه تلك الحرب من مخاطر على الاستقرار في الخليج العربي الذي يعتبر أكبر بحيرة نفطية في العالم. كما أنّ الأمريكيين لم يكونوا يثقوا بقادة الاشتراكي الذين كان لهم مع الولايات المتحدة عداوة تاريخية. ومع أنّ الحرب لم تدم سوى سبعين يوماً الا أنها أدت إلى خسائر فادحة تكبدها اليمنيون في الأموال والأرواح. ولعل أبرز الخسائر بعد الأرواح تمثلت في الدمار الذي لحق بالتسلّح اليمني والذي يجعل بعض المحللين يذهبون إلى القول بأن تلك الحرب الأهلية الخاطفة قد حققت أهداف القوى الإقليمية والدولية في القضاء على ترسانة الأسلحة اليمنية التي كانت تقلق تلك القوى كثيراً.
5- انتهت الحرب الأهلية بهزيمة الحزب الاشتراكي وانتصار المؤتمر والقوى الدائرة في فلكه وفي مقدمتها الإصلاح. وتمّ الحفاظ على الوحدة اليمنية وإن بثمن باهظ قدمه الكثير من اليمنيين. وقد أدت الحرب وما تبعها من أعمال نهب وسلب للمرافق والممتلكات العامة والحزبية إلى القضاء التام على بنية الدولة الجنوبية. وتمّ نهب مقرات وممتلكات الحزب الاشتراكي. وفر قادة الاشتراكي المدنيين منهم والعسكريين إلى الدول المجاورة.

مرحلة الائتلاف الثنائي: 1994 وحتى 1997
اتسمت الفترة التالية لحرب عام 1994 بالاتي:
1- تم إخراج الحزب الاشتراكي من السلطة وتشكيل حكومة ائتلافية (في 6 أكتوبر/تشرين أول 1994) من كل من حزب المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح وذلك برئاسة الأستاذ عبد العزيز عبد الغني. وقد أعطي للإصلاح بالإضافة إلى منصب نائب رئيس وزراء، وزارات الكهرباء، العدل، الثروة السمكية، الصحة، والإدارة المحلية، ثم أعطي التموين في تعديل وزاري في عام 1995. ثم سحبت التموين من الإصلاح وأعطي بدلاً عنها التربية والتعليم. وقد تمّ تمثيل المحافظات الجنوبية ببعض الشخصيات السياسية التي تنتمي إما إلى التجمع اليمني للإصلاح أو إلى ما عرف بجناح علي ناصر محمد وهو الجناح الذي خرج من عدن بعد أحداث عام 1986 الدموية. وكان جناح علي ناصر بمن في ذلك عبدربه منصور هادي قد حارب مع المؤتمر ضد الاشتراكي واندمج في المؤتمر الشعبي العام.
2- تمّ إجراء تعديلات واسعة على الدستور بحيث تمّ استبدال نظام الرئاسة الجماعية (مجلس الرئاسة) بنظام الرئاسة الفردية (رئيس الجمهورية) وتركيز السلطة في يد رئيس الجمهورية وعلى نحو، من وجهة نظر البعض، أضعف السلطتين التشريعية والقضائية. كما تمّ أيضاّ إجراء تعديلات على الدستور تلبي المطالب التي كان التجمع اليمني للإصلاح قد طرحها بقوة قبل الاستفتاء على الدستور في عام 1991 والمتصلة بتغيير المواد التي رأى التجمع اليمني للإصلاح أنها تتعارض مع الشريعة الإسلامية. ففي حين نصت المادة الثالثة من الدستور المُسْتَفْتى عليه في عام 1991 على “الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع” وهو ما عارضه الإصلاحيون بشدة تمّ تعديل المادة بعد الحرب بحيث تقرأ “الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات”.
3- تدهور العلاقة بين المؤتمر والإصلاح. ففي حين رأى الإصلاح نفسه الوريث الشرعي لحصة الاشتراكي في السلطة، رأى المؤتمر في زيادة قوة الإصلاح خطراً ينبغي العمل على تجنبه. وقد تمثلت نقاط الاختلاف بين الحزبين في موضوعات الإصلاح الاقتصادي، قيام وزراء الإصلاح في الحكومة بالعمل على تغيير موظفي الجهات التي يديرها الإصلاح بغيرهم من أعضاء التجمع اليمني للإصلاح.
4- سعي المؤتمر الشعبي العام إلى إضعاف الإصلاح والأحزاب السياسية الأخرى والتراجع التدريجي عن العملية الديمقراطية وآلياتها وهو التراجع الذي أدى إلى مقاطعة بعض الأحزاب ومنها الحزب الاشتراكي اليمني وحزب رابطة أبناء اليمن لانتخابات عام 1997 البرلمانية.

5- تزايد الضغوط السعودية على اليمن بشأن قضية الحدود.
6- البدء ببرنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع المؤسسات المالية الدولية.

مرحلة حكم الحزب الواحد: ابريل/نيسان 1997
أستمر التحالف الثنائي، وان على مضض، بين المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح حتى انتخابات 1997 والتي تمكن فيها المؤتمر الشعبي العام من الحصول على أغلبية كبيرة (227 مقعداً من أصل 301) ثم ارتفعت إلى (229) في انتخابات 2003. و حصل الإصلاح على 63 مقعداً في انتخابات 1997. وقد تمكن المؤتمر بفضل الأغلبية الكبيرة التي حصل عليها وبفضل عوامل أخرى من الانفراد بالحكم حيث شكل كافة الحكومات المتعاقبة منذ 1997 ودون شراكة من أي حزب آخر.
والمقصود بحكم الحزب الواحد هنا هو أنّ النظام الحزبي الذي تبلور في اليمن بعد عام 1997 يتصف بالاتي: أ- هناك عدة أحزاب موجودة على الساحة اليمنية، ب- هناك حزب واحد فقط يشكل الحكومة كل مرة. ويختلف نظام الحزب الواحد عن نظام الحزب الوحيد. ففي الحالة الثانية هناك حزب واحد فقط في البلاد كما هو الحال في دول مثل الصين وكوبا. أما الأحزاب الأخرى فغير مسموح لها بالتنظيم.
وقد تميزت المرحلة بالاتي:
1- تشكيل المؤتمر الشعبي العام لخمس حكومات برئاسة فرج بن غانم، عبد الكريم الإرياني، عبد القادر باجمال، ثم الدكتور علي محمد مجور. وقد حظي الدكتور فرج بن غانم (تولى الوزارة في منتصف مايو/أيّار 1997) وهو اقتصادي يمني حضرمي المولد بشعبية واسعة وخصوصاً بعد أن استقال من رئاسة الحكومة قبل أن يكمل السنة في رئاستها. وكان سبب الاستقالة هو مطالبة بن غانم بإقالة بعض الوزراء من العيار الثقيل قبل المضي قدماً في تنفيذ بعض السياسات الاقتصادية الصعبة وهو الأمر الذي رفضته الرئاسة حينها. ثم تولى رئاسة الحكومة بعد ذلك الدكتور عبد الكريم الإرياني الذي كان مهندس مشروع الأغلبية المؤتمرية الكبيرة. لكن حكومة الإرياني واجهت صعوبات بالغة في تنفيذ الإصلاحات السّعرية. وتولى رئاسة الحكومة بعد ذلك عبد القادر باجمال في ابريل/نيسان 2001. ثم أسندت الحكومة الى الدكتور مجور في عام 2007.
2- سعي المؤتمر الشعبي العام إلى خلق قاعدة سياسية واسعة تمكنه من الحصول على أغلبية كبيرة ومستقرة في الانتخابات بأنواعها. وتشكو أحزاب المعارضة من أنّ المؤتمر حقق ذلك عن طريق استغلال الموارد العامة بما في ذلك الوظيفة العامة والمال العام والقوات المسلحة والأمن وعن طريق سيطرته على اللجنة العليا للانتخابات. وهناك شكاوى متكررة من أن الحزب الحاكم قد قام بتكريس وتوسيع عملية التسييس للوظيفة العامة بحيث أصبحت عضوية المؤتمر الشعبي العام وليس الكفاءة أو الأقدمية أو الحفاظ على المال العام هي الشرط الأساسي لتولي الوظائف في كافة القطاعات بما في ذلك إدارات المدارس والمستوصفات والمستفشيات والجامعات والكليات وحتى رؤساء الأقسام في الجامعات. وفي الوقت الذي وسع فيه المؤتمر نفوذه في أجهزة الدولة فانه عمل على تصفية نفوذ الأحزاب الأخرى وفي مقدمتها الإصلاح والاشتراكي.
3- شهدت الفترة الاهتمام بمشاريع البنية الأساسية وخصوصاً الطرقات إلا أنّ التطور في هذا القطاع قد تأثّر كثيراً بسبب الفساد وضعف التنفيذ ولم ينعكس التحسن المحدود الذي شهده القطاع على حركة الاقتصاد اليمني وعلى تحسن مستوى المعيشة لليمنيين.
4- استمرار تدهور العلاقة بين المؤتمر والإصلاح حيث قام المؤتمر الشعبي العام بدمج المعاهد العلمية التي كان يسيطر عليها الإصلاح في التعليم العام.
5- انتظام الانتخابات حيث شهدت الفترة انتخابات رئاسية في عام 1999 ثم انتخابات المجالس المحلية في عام 2001 ثم الانتخابات التشريعية (النيابية) الثالثة في عام 2003 .
6- تعديل الدستور في عام 2001 بحيث مددت فترة الخدمة لرئيس الجمهورية إلى 7 سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط. كما مددت الفترة لمجلس النواب إلى ست سنوات. وتمّ استحداث مجلس شورى معين. وترى المعارضة أن تلك الإجراءات صبت في مصلحة الحزب الحاكم.
7- ظهور مجلس التنسيق المشترك كتكتل لأحزاب المعارضة حيث يضم في الوقت الحالي أحزاب الإصلاح، الاشتراكي، التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، الحق، القوى الشعبية، والبعث العربي الاشتراكي. وقد مر المجلس منذ عام 1997 بمراحل انقسام ثم التائم
8- الهجوم على المدمرة الأمريكية يو اس اس كول في خليج عدن في عام 2001، والهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة في عام 2001، والهجوم على ناقلة النفط الفرنسية ليمبرج في عام 2002 ودخول اليمن شريكاً للولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب بعد أحداث سبتمبر/أيلول.
9- حدوث المصادمات بين القوات الحكومية وأتباع الحوثي عام 2004 ثم تجددها في عام 2005 ثم في عام 2006، ثم في عامي 2007 و 2008 مع ما ترتب على تلك المصادمات من مضاعفات.
10- ظهور الضغوط الدولية على اليمن والتي تطالبها القيام بإصلاحات وبالذات في جانب محاربة الفساد
11- قيام اول انتخابات تنافسية رئاسية في سبتمبر 2006، وظهور اللقاء المشترك كتجمع لعدد من احزاب المعارضة اليمنية ونزوله بمنافس للرئيس صالح.
12. ظهور الحراك في المحافظات الجنوبية والشرقية خلال عامي 2007-2008

ج ـ آراء في هوية النظام السياسي
انقسمت الآراء في هوية النظام السياسي على مستوى شكل السلطة الدستوري والتقسيم الإداري الذي يحكم اليمن بعد الوحدة، خاصّة وأنّه قام على تقاسم السلطة بين طرفي الوحدة (المؤتمر والحزب الإشتراكي) بداية التوحد، ولاحقاً مع الطرف الثالث الذي انتجته الإنتخابات النيابية الأولى عام 1993 وهو حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين).

رئاسي أم برلماني ؟
يقول أستاذ العلوم السياسية وعضو مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بجامعة صنعاء والمحاضر بالأكاديمية العسكرية الدكتور علي مطهر العثربي: بالنظر إلى طبيعة النظام السياسي اليمني الرئاسي المطعم بمظاهر النظام النيابي، فإن رئيس الجمهورية ينبغي أن يستمد قوته من الشعب والنصوص الدستورية، لأن النظام النيابي يجرد رئيس الجمهورية من الصلاحيات وهذا يتنافى مع جوهر النظام السياسي في الإسلام حيث أنّ الحاكم يقوم بدور هام في تصريف شؤون الدولة في أمور الدين والدنيا على حد سواء، وذلك بالتوجيه والإشراف على الحكومة أداة الدولة لتنفيذ أهدافها الإستراتيجية العليا.
ويعتقد الباحث أن أهمية رئيس الدولة تكمن في مشاركته في تكوين الإرادة الكلية العامة للمكونات البشرية في الدولة، والحفاظ على وحدة المكونات الجغرافية للدولة، وتوحيد حركة المكونات السياسية في الدولة باتجاه وحدة الصف.
وبناء على معطيات الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي الراهن لليمن، يميل الدكتور العثربي إلى الأخذ بالرأي القائل بأن النظام السياسي الأكثر ملاءمة لظروف اليمن ولتحقيق أهداف الانتقال باتجاه مستقبل مستقر وآمن ومتطور هو: نظام رئاسي مع قوة المجلس النيابي، بحيث تُعزّز في إطار هذا النظام المقترح قوة المجلس النيابي وسلطاته التشريعية والرقابية على حساب أجزاء مؤثرة من صلاحيات رئيس الجمهورية القائمة وفقاً لمعطيات النظام الحالي
ويرى العثربي أنّ هناك حاجة حقيقية لتوفير مركز سلطوي قوي منضبط دستورياً يستطيع أن يحمي مفهوم الدولة وإن في حدودها الدنيا، وذلك لن يتحقق في ظل نظام نيابي سيعطي إمكانية تأثير أقوى للقبيلة بوصول مرشحيها بقواهم التي سيكسبها القوة وفق موجبات النظام النيابي، ما قد يعني نقل آليات وقواعد القبيلة في مجال العمل السياسي إلى المكون المؤسسي للدولة، وذلك بلا شك لن يشكل إضافة ايجابية لذلك المكون، ولا يُعتقد أنّ تجريد رئيس الجمهورية من كل الصلاحيات يحقق الاستقرار الحكومي الذي يحقق التنمية المستدامة. (28)
ويرى أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة صنعاء الدكتور عدنان ياسين المقطري أنّه في الحوارات والمبادرات التي صدرت من القوى السياسية والاجتماعية خلال عقدين من الزمن كان هناك تفضيلٌ لتبنّي النظام البرلماني، ونادراً ما تتم الإشارة إلى النظام الرئاسي، أو المختلط، ولقد كان ذلك التفضيل لاختيار النظام البرلماني مبنياً بالأساس من الرغبة في تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية وتحميل السلطة للحكومة التي عادة ما يجب أن تشكل من حزب أو ائتلاف من الأحزاب تحظى بثقة البرلمان وتكون في نفس الوقت مسؤولة عن سياساتها أمامه، ويكون دور رئيس الجمهورية رمزياً.
يضيف أنّ اختيار النظام السياسي الأمثل يتوقف على شيئين أساسيين: أولهما أنّ هذه القضية متروكة لمؤتمر الحوار الوطني للبت فيها. وثانيهما، أن ذلك يعتمد في الأساس على الحسم أولاً في إشكالية شكل الدول (دولة موحدة أم اتحادية)، فإذا ما تمّ الإبقاء على شكل الدولة الحالي فإن تبني النظام البرلماني خاصة مع تبني نظام القائمة النسبية كنظام انتخابي لا يعزز وجود حكومة قوية وإنما منقسمة وبالتالي سيضعف دور رئيس الوزراء في مقابل دور رمزي لرئيس الدولة. والأمر ذاته مع وجود شكل الدولة الحالي ونظام سياسي رئاسي سيكرسان المركزية السياسية ولن يحولا دون تنامي المغالاة في مطالب الاستقلال. ويمكن أن يكون النظام المختلط أنسب من غيره مع بقاء شكل الدولة الموحدة.
وقال: في حال كانت مخرجات مؤتمر الحوار الوطني هو إقامة دولة اتحادية (فيدرالية) فإن تبني النظام السياسي الرئاسي سيمثل عامل توازن يتمثل في الحفاظ على سلطة مركزية قوية وصمام أمان في مواجهة مطالب الرغبة بالإنفصال، وبالتالي عامل نجاح للدولة الفيدرالية ذاتها، فوجود دولة فيدرالية تضمن الاستقلالية للأقاليم مقابل وجود سلطة مركزية من خلال تبني النظام الرئاسي يحققان الاستقرار والأمن ووحدة الوطن اليمني. وغاية الأمر ومنتهاه فإن البت في مسائل بناء الدولة يقع على عاتق مؤتمر الحوار الوطني والفاعلين السياسيبن في الوطن، فلابد أن يتم التوصل إلى ما يفيد البلد من خلال قرارات عقلانية وتجاوز سلبيات المرحلة الماضية التي غلبتها العاطفة والتسرع . (29)
واستكمالاً لرأي المقطري، يرى رئيس المركز اليمني للحقوق المدنية نور الدين العزعزي، أنّ النظام البرلماني هو الأنسب لليمن لأنه يعمل على نزع السلطات التي تتمركز في شخص الرئيس ويعطي صلاحيات كاملة للبرلمان باعتباره ممثلاً للشعب، كما أنه يعمل على تكامل المهام والصلاحيات ويحصل نوع من الضبط في الرقابة والمساءلة التشريعية . (30)
من جهته، يفضّل الكاتب الصحفي الدكتور يوسف الحاضري، النظام الرئاسي كسلطة تنفيذية والبرلماني كسلطة تشريعية، بمعنى مبسط ما نحن عليه حالياً: رئيس منتخب من الشعب ومجلس نواب أيضاً منتخب من الشعب، ولدى كل جهة صلاحيات معينة ومحددة وقانون يحترم ويحترمه الجميع ويحدد الحقوق والواجبات على الجميع. وأوضح الدكتور الحاضري أنّ النظام الحاكم بقمّة هرم لمجتمع كمجتمعاتنا تسهّل لنا وله المضي قدماً في الحياة ويسهل له التشريعات العامة والخاصة المناسبة واللائقة للدولة بعيداً عن موضوع حكم مجلس النواب الذي يصبح فيه هناك أكثر من حاكم، ومن فترة لأخرى يمكن أن يحصل ميلان لهؤلاء إلى هذا الجانب أو ذاك إن لم يمض الحكم في مبتغاهم وأمانيهم ونصل إلى أزمات سياسية متلاحقة نحن في غنى عنها . (31)
شكل الدولة
يقول الدكتور المقطري: في حال كانت مخرجات مؤتمر الحوار الوطني هو إقامة دولة اتحادية (فيدرالية) فإن تبني النظام السياسي الرئاسي سيمثل عامل توازن يتمثل في الحفاظ على سلطة مركزية قوية وصمام أمان في مواجهة مطالب الرغبة بالإنفصال، وبالتالي عامل نجاح للدولة الفيدرالية ذاتها، فوجود دولة فيدرالية تضمن الاستقلالية للأقاليم مقابل وجود سلطة مركزية من خلال تبني النظام الرئاسي يحققان الاستقرار والأمن ووحدة الوطن اليمني. وغاية الأمر ومنتهاه فإن البت في مسائل بناء الدولة يقع على عاتق مؤتمر الحوار الوطني والفاعلين السياسيبن في الوطن، فلابد أن يتم التوصل إلى ما يفيد البلد من خلال قرارات عقلانية وتجاوز سلبيات المرحلة الماضية التي غلبتها العاطفة والتسرع .
أمّا نائب عميد كلية الإعلام بجامعة صنعاء الدكتور علي البريهي فيرى أن يكون شكل الدولة فيدرالياً سياسياً تعددياً وبالتالي النظام البرلماني هو الأنسب لأن اليمن ليست بحاجة إلى شخصيات كارزمية تعمل على نهب الوطن بل بحاجة إلى شراكة حقيقية بين كل الأطياف السياسية الموجودة على الساحة . (32)
هوامش:
ـــــــــــ

25 ـ كانت وزارة المستعمرات البريطانية قد أعدّت في يونيو/حزيران 1936 مشروعاً للتعليمات التي ستصدر إلى حاكم مستعمرة عدن لعرضه أمام البرلمان ألحقته بمشروع حكومة الهند الذي اعتادت إصداره لعدن والمتضمن القانون المحلي لعدن. وفي 28 سبتمبر/أيلول 1936 تمّ فصل الإقليم عن الهند البريطانية، وتحولت عدن بموجب الأمر الصادر عن ملك بريطانيا جورج السادس إلى مستعمرة. وفي 18 يناير/كانون الثاني 1963 تمّ دمج مستعمرة عدن مع اتحاد الجنوب العربي. وبعد استقلال جنوب اليمن عن بريطانيا وفي 30 نوفمبر/تشرين الأول 1967 أعلنت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
26 ـ د. عبدالله محمد المخلافي أستاذ الفلسفة بجامعة إب/ تطور النظام السياسي في اليمن الجمهوري من الفردية إلى التعددية/ أسبوعية 26 سبتمبر/ الأحد 21 أكتوبر 2007 .
27 ـ دراسة من إعداد الدكتور عبد الفقيه بعنوان “التطور السياسي في الجمهورية اليمنية (1990-2009)” بتاريخ 25 آذار 2009.
28 – رؤية مقترَحة قدمها د. علي مطهر العثربي لحلقة نقاش بعنوان “الحوار الوطني وشكل النظــام السياســي فـي اليمــن”، صعدة برس الجمعة, 26-ابريل/نيسان-2013
29 ـ استطلاع بعنوان “ما هو نظام الحكم السياسي الأنسب لليمن الجديد؟” أجرته صحيفة الثورة بتاريخ 25/5/2013
30 ـ نفس المصدر.
31 ـ نفس المصدر
32 ـ نفس المصدر