خروج الجيش الحر من تركيا: تمويه من أنقرة أم إفلاس سياسي؟

صحيفة السفير اللبنانية ـ
محمد نور الدين:

لا تزال خطوة الإعلان عن نقل قيادة «الجيش السوري الحر» من تركيا إلى الداخل السوري تثير تساؤلات وتحليلات مختلفة في الداخل التركي.
وتفاوتت هذه التحليلات بين قائل إنها خطوة استعراضية وتمويهية شكلية، تهدف إلى تحسين صورة تركيا المتورطة حتى العظم بشأن داخلي لبلد آخر، ولا سيما عشية انعقاد المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية الأحد المقبل، وقائل إنها بداية انعطافة في السياسة الخارجية تجاه سوريا، بعد الانتقادات الواسعة لها من جانب المعارضة التركية ومن داخل حزب العدالة والتنمية نفسه، ولتلافي الأضرار المتزايدة على الأمن والاقتصاد التركيين، وتراجع الدور التركي في المنطقة.
وإذا كان لا بد من انتظار بعض الوقت لتلمس البوصلة الفعلية لهذا الإعلان، فإن التجارب السابقة كانت تدل على أن حكومة رجب طيب اردوغان كانت تلجأ إلى الهدوء الموقت بعد كل جولة تصعيد ضد دمشق، ما كان يوحي بتراجع ما في سياساتها، لكنها كانت ما تلبث أن تغادر هدنتها إلى جولة أكثر تشدداً وعنفاً وتوتراً من سابقتها، بحيث استمر الخط الأساسي للموقف التركي من ضرورة إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد والعمل على تأليب العالم ضده، فضلا عن الدعم المباشر للمجموعات المسلحة والسياسية المعارضة للنظام.
لذلك من المبكر جداً الحديث عن تعديل أو تراجع في الموقف التركي من سوريا قبل مرور وقت ليس بالقصير، ومراقبة الخطوات العملانية كما التصريحات الرسمية بهذا الشأن. ذلك انه يترتب على مثل هذا التغيير نتائج داخلية تركية تسائل الحزب وتحمله مسؤوليات. كما أن لذلك مترتبات في العلاقة مع خصوم النظام في سوريا، ولا سيما الدول الخليجية. فهل حزب العدالة والتنمية على استعداد لتحمل هذه الخسائر أم انه يريد النفاذ بجلده قبل أن ينهار السقف كله على واضعي تلك السياسات؟ أم أنها مجرد خطوات تمويهية استعداداً لجولة مقبلة من التصعيد؟.
يقول محمد علي بيراند، المحلل السياسي المعروف في صحيفة «حرييت»، إنه «بالفعل ومقارنة مع السابق فإن حزب العدالة والتنمية لا يرفع الصوت كثيراً هذه الأيام ضد سوريا. ويبدو أن النبرة تنخفض. وهذا إذا ثبت خطوة في الاتجاه الصحيح».
ويوضح أن تركيا وضعت نفسها في المجموعة ذاتها بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا وتحريض من قطر والسعودية، وباسم الإنسانية دعت تركيا الى إنهاء حكم الأسد وإقامة منطقة عازلة لحظر الطيران ما يفضي إلى خنق الأسد، و«في هذه المعمعة كان صوت تركيا الأكثر هدراً. وصرخنا واستغثنا وضربنا رجلنا بالأرض وقلنا للأسد إرحل، وأعطيناه مهلة 5-6 أشهر. وكلما لم نصل إلى نتيجة كان الصراخ يزداد علواً. وظننا أن الأسد سيرحل خلال أشهر ولم يحصل ذلك. مددنا المهلة إلى سنة ونصف السنة ولم يذهب الأسد. فتحنا أبوابنا للاجئين. قلنا إننا نتحمل خمسين ألفاً، لكنهم وصلوا الى مئة ألف وتكلفنا عليهم 400 مليون دولار. ولم يدخل أحد يده في جيبه ليقول لنا خذوا هذا المبلغ. ووفرنا للمعارضة السورية موطئ قدم في أراضينا. ورأينا بعد ذلك أنهم لا يمتلكون القوة اللازمة. بل اتهمَنا البعض بأننا نسلح المعارضة ونقدم لهم قاعدة للانطلاق».
ويتابع بيراند «بصراحة فقد رمينا بأنفسنا في التهلكة في البحر على رأس الدول التي ظننا أنها سترمي بنفسها معنا، فإذا بنا وحدنا في التهلكة ولم نر خلفنا أحداً. وبقينا وحدنا. بل لا تزال واشنطن تمسك بيدنا حتى الآن محذرة من أن نتحرك. وكل تصريحاتها كانت في عدم التدخل العسكري».
ويتساءل الكاتب «لماذا لم تصح توقعاتنا؟ أولاً الانتخابات الرئاسية الأميركية وعدم رغبة الرئيس الأميركي باراك أوباما في القيام بأي مغامرة قبل الانتخابات. كما أن الوضع بعد الانتخابات الرئاسية غير واضح، إذ كائناً من يكون الرئيس المقبل فالجميع لا يريدون تدخلاً عسكرياً في سوريا، والشعب الأميركي لا يريد إرسال أولاده إلى حروب في صحارى الشرق الأوسط ولا أن يصرفوا تريليونات الدولارات. ولا يريدون تكرار التجربة العراقية والأفغانية التي لا تزال تحرق الأرواح».
ويقول الكاتب إن سبباً آخر لعدم التدخل العسكري هو وضع المسيحيين في سوريا ومخاوف إسرائيل في من سيكون في السلطة بعد رحيل الأسد. وأضاف «كلما كان يُسأل السؤال وماذا لو جاء المتدينون إلى السلطة وانتهى النظام العلماني فماذا سيكون عليه الوضع؟ كانت أميركا وأوروبا تضغط على الكوابح، فيما لم يكن يصغي أحد إلى صراخ تركيا ونداءاتها».
وتابع «لقد بقي نظام البعث في السلطة لأنه حظي بدعم استثنائي من إيران. أما تركيا فكانت تخرج في كل أسبوع بتصريحات حادة. وإذ رأت الأمور على هذا المنوال توقفت عن الكلام. قالت إنها لن تستطيع استقبال المزيد من اللاجئين، وأعلنت أن قيادة المعارضة السورية المسلحة ستنتقل من تركيا إلى المناطق المحررة من سوريا. اليوم نسير «بفيتاس» بطيء، وبسبب أننا انطلقنا بسرعة كبيرة كنا مضطرين لهذه الفرملة».
وفي صحيفة «ميللييت» يقول قدري غورسيل إن «حزب العدالة والتنمية استخدم لغة متوترة في سياسة خارجية مفلسة لكي يكسب أصوات الناخبين، وقد نجح في ذلك. لكن الحزب يرى الآن انه لا يمكنه الاستمرار في هذه السياسة المفلسة ولا سيما تجاه سوريا».
وأضاف إن «السياسات السنّية تجاه سوريا لحزب العدالة والتنمية هي التي جعلت حزب الشعب الجمهوري المعارض يبدو كما لو انه حزب علوي ونصيري وبعثي»، موضحاً أن مهمة حزب الشعب الجمهوري ضرورية في أن يتبع سياسات تخرجه من هذا الاتهام، وفي هذه الحال يساعد حزب العدالة والتنمية على الخروج من سياساته المذهبية.
ويرفض غورسيل رأي حزب الشعب الجمهوري بأن حزب العدالة والتنمية أداة غربية، فيقول إنه «بين أعضاء حلف شمال الأطلسي وحدها تركيا تريد خلع نظام البعث في سوريا وإحلال الإخوان المسلمين بدلاً منه. تركيا هنا لها سياستها الخاصة، والولايات المتحدة تقدم لها الدعم فقط». ورأى أن «أولوية واشنطن لم تعد الشرق الأوسط بل المحيط الهادئ، وتركيا تعرف انه لا يمكن تغيير النظام في سوريا من دون دعم الولايات المتحدة والتحالف الغربي لأي عملية عسكرية».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.