خيارات محور الممانعة في مواجهة خفايا أهداف ” تحالف الأربعين “

hassan-choukeir-moumanaa

موقع إنباء الإخباري ـ
بقلم حسن شقير *:
يكثر في هذه الأيام التي أعقبت مؤتمري ويلز وجدة الأخيرين ، الحديث حول سبل المواجهة التي يمكن لروسيا ومعها إيران ومحور الممانعة برمته ، لمواجهة الأهداف الحقيقية – لما يعتقده هؤلاء – لذاك الإئتلاف الدولي الجديد ، والذي اتخذ من مواجه الإرهاب واجهةً له ، والتي شكك بها الكثيرون – ونحن منهم – ، وذلك لإعتقادهم الراسخ ، بأن أمريكا ( رائدة الإئتلاف ) ، ليس من أهدافها الأساسية القضاء على الإرهاب واجتثاثه … إنما القضية لديها ، لا تتخطى تشذيبه ، وإعادة توجيه بوصلته ، هذا فضلا ً عن بقائه كرافعة حقيقية للأهداف الكبرى للإستراتيجية الصهيوأمريكية في المنطقة برمتها … هذا فضلا ً عما ذكرناه في مقالتنا السابقة ، حول الخلفيات والأبعاد الحقيقية ” لصحوة الناتو ” المتأخرة ، في مكافحة الإرهاب ، وحول خطة هذا الحلف الفاقد لهويته والعاجز عن تحقيق ما كان يرمي إليه فيما ذكرناه سابقاً من خطة بريجنسكي ( تشرين أول ٢٠٠٩) ، ورؤية ميركل لدوره الأمني الأرحب في أذار من العام نفسه ..حيث فصّلنا في مقالتي السابقة ” تحالف الأربعين واستراتيجية التخيير وأحجار الدومينو ” ، تلك الخطة ، التي نُرجّح أن هذا الإئتلاف قد نسج خيوطها الرئيسية ، لمحاصرة روسيا وإيران ومعهما العراق وسوريا وحزب الله ، تمهيداً لتساقطهم كأحجار الدومينو.. والغطاء على الدوام ، هو مكافحة الإرهاب واجتثاثه !
التصريحات الروسية ، وكذا الإيرانية والسورية ، دللت وبشكل قاطع عما ذهبنا إليه أعلاه ، بحيث أن هؤلاء جميعاً لم يُخفوا توجسهم من الأهداف الحقيقة لذاك الإئتلاف .. مما جعلهم ينأون بأنفسهم عن الدخول في صلب تكوينه .. وهذا ما كشفه مؤخراً مصدر رسمي إيراني ، لإحدى القنوات التلفزيونية حول الإلحاح الأمريكي على إيران لتعديل موقفها ..
بالعودة إلى تلك الإشكالية التي طرحناها في مقدمة هذه العجالة ، لا بد أن تكون روسيا ومحور الممانعة معها ، قد وضعوهاعلى مشرحة البحث ، للبحث عن اعتماد الإستراتيجيات والسُبل الفضلى ، لمواجهة ما خططت له أمريكا في جدة، مع مراعاة أكيدة ، بأنهم بذلك ، لن يظهروا- ضمن تلك الأليات المعتمدة – بمظهر من يضع يده بيد الإرهاب ( وهذا ما بدأت أمريكا وبعض دول الإئتلاف تُروج له ) ، ودون أن يترك هؤلاء – أي روسيا ومحور الممانعة – الساحة للإئتلاف ، لتحقيق أهدافه الخفية في حربه تلك .
إذا، بين هذين المحذورين الرئيسيين أعلاهما، ستسير الخطة المقابلة لمحور الممانعة في مواجهتها الفعلية للإرهاب ، والذي شكلته وغذته ودعمته الكثير الكثير من ” الدول الثائرة ” في إئتلاف المواجهة معه !!!
فما هي تلك الخيارات المتاحة أمام روسيا ومحور الممانعة ، والتي لا بد لها أن تركن لأحدٍ منها ، في إطار خطة المواجهة الموضوعة على طاولة البحث أمامهم في هذه الأيام ؟
– الخيار الأول : إقامة حلفٍ موازٍ للتكامل :
يأتي هذا الخيار ، تحت ستار القرار الدولي ٢١٧٠ ، والذي يدعو إلى مواجهة إرهاب داعش والنصرة ، عبر تجفيف منابع دعمهم ، كمقدمة لخنق مشروعهما في المنطقة ..
ضمن هذا الخيار ، يدعو البعض إلى إقامة حلفٍ بين روسيا وإيران ومحور الممانعة ، يكون موازياً لحلف الإئتلاف ، حيث يكون من أهدافه التكامل مع هذا الأخير ، بغية الهجوم والقضاء على الدواعش في الجغرافيا السورية …
هل يمكن أن يحدث ذلك واقعاً في الفترة القادمة ؟ أم أن لهذه الرؤية محاذير ينبغي التنبه إليها ؟
لعل إقامة الحلف الموازي ، يؤدي في بعض جوانبه الميدانية ، إلى حصول ما لا يُحمد عقباه ، إن في الجغرافيا السورية أو حتى العراقية ، فضلا ً عن اللبنانية ، وذلك بسبب ، أن تكثيف الضربات في الضفتين السورية والعراقية في أن معاً ،
قد يعتقده البعض تكاملا ً في الإطباق على الإرهاب … إلا ّ أن ذلك ليس مضموناً ، فماذا لو تسرّب الإرهاب ، وتشتت في كامل الجغرافيا العراقية ، أو حتى السورية ( أوامر رئيس الوزراء العراقي بالتوقف عن ضرب المدن التي يحتلها داعش ) ، فمن الذي يضمن بأن الموجات المنزاحة والمراد حشوها أمريكياً في الجغرافيا السورية ، ونظيرتها الموجودة أصلا ً في سوريا – والتي ستتعرض للهجوم من الحلف الموازي – ، بألا ّ تنزاح نحو باقي الجغرافيا السوريا ، وتحت مسميات النزوح ، ومن ثم تشكيل ورفد الخلايا النائمة بموجاتٍ إرهابية جديدة ، تستخدم لاحقاً استراتيجية الإنغماس والإشغال والإنهاك ، وعدم الإرتكاز … تكون من نتائجها أكثر سلبية من حشرها في مكان واحد .. وبالتالي ، يكون العراق وسوريا وحتى لبنان قد دخلوا بأرجلهم في مشروع أمريكا في تشتيت داعش وتشظيتها في الإقليم ..فتأتي الرياح بما تشتهيه سفن أمريكا ، لا كما يريدها ريح الممانعة .
– الخيار الثاني : الإنكفاء والمراقبة :
هذه الإستراتيجية التي ينادي بها البعض في المحور الممانع ، تقوم على مبدأ النأي بالنفس ، عما سيجري من أحداث وتطورات ، في خضم بدء إئتلاف جدة في حربه المزعومة على الإرهاب … بحيث يُراهن أصحاب هذه الرؤية على استنزاف دول هذا الأخير في حربهم المديدة على داعش …والتي لن تستطيع حسمها على أية حال من الأحوال ، ولإعتباراتٍ مختلفة …
ربما لا يلتفت أصحاب هذه النظرة ، أنها تنطوي على محاذير متعددة ، ليس أقلّها تنفيذ الأجندة الخفية للإئتلاف في المنطقة ، والمتمثلة في إبقاء إيران والعراق وسوريا وحتى لبنان تحت سيف الإبتزاز والإستنزاف ، ولاحقاً ” إنفجار برميل البارود في المنطقة ” ( حديث لاريجاني مؤخراً ) ، مما يجعلها تتشظى في كيانات مذهبية وطائفية قابلة ومهيئة للصدام فيما بينها … ولعقود إلى الأمام ، وذلك كله يبقى تحت ستار محاربة الإرهاب بمعناه الأمريكي الفضفاض … والذي لا بد له ، من أن يُفرّخ إرهابيات جديدة ومتناثرة ، وما تجربة أمريكا مع القاعدة ، إلا ّ خيرُ مثالٍ على ذلك .
– الخيار الثالث : الإنغماس المدروس :
لعل هذه الإستراتيجية – حسب رأينا- ستكون الأكثر ترجيحاً لدى محور الممانعة ، في مواجهة الموجة الجديدة من الهجمات الأمريكية على المنطقة ، وذلك لأنها ، قد تكون الأفضل في تحرير المحور الممانع من شرور وأنساق الخيارات السابقة ، بحيث أن الإنغماس ، لا بد له من أن يُعيق ما يُخطط له الإئتلاف في حال تبني الخيارين أعلاهما …
فانغماس إيران ، يتم – وكما صرّح بعض مصادرها الرسمية بالأمس – سيكون بزيادة الدعم العسكري والإستخباري للعراق بمكوناته الثلاث ( الجيش والكرد والعشائر ) ومحاولتها الإلتفاف على الإئتلاف واستمالة هذه المكونات لعدم وقوعها في الشرك الأمريكي ، وخاصة ً العشائر منها … وتعزيز ما بدأت به البيشمركة والجيش العراقي في إقامة ما سُمي بخطوط الصد ، لمنع انزياح الدواعش نحو مناطق عراقية خلفية ، وذلك لتقليص خطر الخلايا النائمة فيها .
أما في الجهة السورية ، فاستراتيجية خطوط الصد يجب أن تُفعّل في منطقة الحدود مع العراق ، وذلك عبر تكثيف الضربات الجوية ، وذلك لإجهاض الخطة الأمريكية في تكديس الدواعش في سوريا ، بعد انزياحهم عن العراق بفعل الضربات الأمريكية ، وأيضاً إقامة خطوطٍ للصد في باقي المحافظات السورية الخالية من الدواعش ( وما يجري منذ أيام في أرياف أدلب والقامشلي ، فضلا ً عن منطقة القلمون يعزز ما نذهب إليه ) ، والإسراع في بناء تحالفات مع عشائر سورية ، متضررة من الارهاب ، وذلك عبر تقديم المغريات لها ، بغية إشغال الإرهاب واستنزافه في أماكن تواجده .. والإرتكاز على خططٍ دفاعية فاعلة ومحكمة للمناطق الخالية من الدواعش ، ومسارعة إنهاء البؤر المتوترة في هذه المناطق ، عبر تعزيز وتسريع المصالحات فيها .
أما لبنانياً ، فإن ما يجري من عملٍ استخباري جبّار لأجهزة أمن المقاومة ومعها الدولة اللبنانية ، في دهم أماكن النزوح وتنقيتها من الدواعش ، لهي الوسيلة الفضلى ، وذلك بُغية إفشال مخطط انغماسهم في الجغرافيا اللبنانية ، بعد تضييق الخناق عليهم في منطقة الجرود والحدود مع سوريا .
أعتقد أن هذا الخيار الثالث ، هو الأكثر ترجيحاً في اعتماده لدى محور الممانعة ، في الفترة اللاحقة ، والمدى الزمني المنظور، اللهم إذا ما حدثت تطورات دراماتيكية ، قد تقلب الصورة رأساً على عقب في المنطقة برمتها .
باحث وكاتب سياسي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.