دعم دحلان لتطويق إيران.. والعين على سوريا

73df5422-4046-4a01-8955-f01742f87407
سامي كليب – صحيفة السفير

تتفق دول عربية، ومعها إسرائيل، على ان إيران هي الخطر الأول في المنطقة. تتفق أيضا على أن المقاومة المسلحة هي أحد ابرز المبررات الايرانية لما تصفه بـ: «التمدد» او «التدخل» في جزء من الوطن العربي المحيط بإسرائيل والخليج. لا بد اذاً من سحب هذه الذريعة والاتفاق على شخصية فلسطينية تمهد لإنهاء عصر المقاومة المسلحة وإنهاك «حماس» بالسياسة بعد ان دمرت إسرائيل البنى التحتية لغزة.

ثمة مؤشرات كثيرة على أن محمد دحلان قد يكون الشخص المناسب لو وصل… هل يصل؟
في المؤشرات، أولاً، شخصية دحلان:
دحلان شخصية نموذجية ومثيرة للجدل. لا يزال في مرحلة الشباب السياسي (٥٥ عاما). عرف في مخيم خان يونس حياة اللجوء. فتح عينيه على قصص استشهاد عدد من اخواله واعمامه. عرف السجن في معتقلات إسرائيل مذ كان في عشرينيات العمر. ناضل في صفوف شبيبة «فتح» وقادها في الضفة. عرف كواليس «منظمة التحرير» واسرارها من قادتها. ساهم في تنسيق الانتفاضة الاولى. ثم ترقى في مسؤوليات أمنية كبيرة في غزة حيث كان رئيس جهاز الامن الوقائي (بعد اتفاقات أوسلو) او الى جانب الرئيس الشهيد ياسر عرفات كمستشار للأمن القومي. لاحقا، نسج علاقات قوية مع إسرائيل من خلال التنسيق الأمني واحتواء «حماس» وملاحقتها او التفاوض مع الاستخبارات الإسرائيلية بشأن القضايا الأمنية. ثم وصلت علاقاته الى الاستخبارات الاميركية وباتت له في واشنطن مكانة لافتة. عاش في دول عربية عديدة ثم استقر في الامارات، بعد ان أثيرت في وجهه ملفات قضائية وجنائية وتهم بالفساد منذ العام ٢٠١١. يقال انه يلعب أدوارا إقليمية مهمة من فلسطين حتى اليمن. هذه مثلا مجلة «نيوزويك» تكشف انه قام بالتوسط بين مصر واثيوبيا والسودان بشأن مشروع سد النهضة. كما كشفت وسائل إعلام أخرى عن دور سابق له للتوسط بين العقيد القذافي وكل من اميركا وبريطانيا، وهناك معلومات عن قيادته لعمليات في تعز اليمنية، وعن دور يكبر في المخيمات الفلسطينية في لبنان.
الرجل أنيق المظهر ولا يناقض حسن طلته الا غموض دوره، يتحدث أيضا العربية والإنكليزية والعبرية بطلاقة، ويملك حاليا ثروة مالية ومؤسسات إعلامية عديدة. كل ذلك يجعله نموذجا ممتازا لرئيس مقبل… فالرئاسة ما عادت مرتبطة بمدى صراع المرشح مع العدو الإسرائيلي وانما بمدى استعداده للتعاون من تل ابيب الى واشنطن مرورا بالخليج والقاهرة وعمان. لو كان الصراع هو المقياس لما جاء محمود عباس أصلا الى الرئاسة. لا بد من التذكير هنا الى ان الثنائي عباس ـ دحلان هو من قاد عمليا حملة مناهضة عرفات في أواخر أيامه تحت شعار الإصلاح.

في المؤشرات، ثانياً، ما تقوله أميركا عن دحلان:
كان لافتا انه في أوج الاجتياح الاميركي – البريطاني للعراق في العام ٢٠٠٣، ان يذكر وزير الخارجية الاميركي كولن باول أمام الرئيس بشار الأسد، محمد دحلان ٣ مرات. جاء في محضر جلسة اللقاء ان الزائر الاميركي قال للأسد: «يجب على محمود عباس أن يظهر قدراته القيادية إلى جانب السيد محمد دحلان من أجل وضع نهاية لهذه النشاطات الإرهابية…».
كان لافتا انه بعد ذلك اللقاء بين كولن باول والأسد، تولى محمود عباس رئاسة الحكومة ودحلان وزارة الداخلية. ووفق رواية ممثل حركة «حماس» في لبنان د. أسامة حمدان في مقابلة تلفزيونية، فإن دحلان طلب مساعدة «حماس» للانقلاب على «ابي عمار» قبيل وخلال حصاره في المقاطعة. في تلك الاثناء بالضبط كان العرب يقدمون في القمة العربية في بيروت مبادرة التطبيع مقابل الأرض مع إسرائيل في العام ٢٠٠٢.
هل ننسى ان الرئيس جورج دبليو بوش قد التقى دحلان ٣ مرات على الأقل، وأشاد به وبصلابة علاقته مع واشنطن؟ وهل ننسى كذلك انه حين استقبل بوش الرئيس عباس في العام ٢٠٠٧ طلب منه إعادة الاعتبار الى الرجل وامتدحه مرارا.
واضح اذاً ان دحلان لم يكن شخصا عاديا عند الأميركيين. هو لا يزال شخصا غير عادي حتى الآن. هذا اقلق عباس مرارا، وذهب الى حد اتهام دحلان بالتآمر على قتل عرفات، وهو ما ذهب اليه أيضا الكاتب الفرنسي ايمانويل فو في كتاب بعنوان: «قضية عرفات الموت الغريب للزعيم الفلسطيني» الذي نشر التقرير الطبي الكامل حول وفاة عرفات، لكن أحدا لم يستطع الجزم بالأمر، ودحلان اعتبر مرارا ان في ذلك محاولة لتشويه صورته او لتعميق الفتنة بين الفلسطينيين.

في المؤشرات، ثالثاً، ما تقوله إسرائيل:
يقول المستشرق الإسرائيلي رؤوبين باركو: «إن مصر والسعودية والأردن تقود المصالحة الفتحاوية لمساعدة دحلان كي يصبح وريثا محتملا لعباس». هذا ما أكدته حرفيا ايضا صحيفة «إسرائيل اليوم» و «مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة» وذلك فيما ذهب المحلل العسكري في «هآرتس» عاموس هرئيل، الى حد القول: «إن دحلان شخص مقرب من وزير الدفاع الحالي أفيغدور ليبرمان، وربما يكون الورقة السرية التي يحملها الوزير حتى تنضج الظروف».
كان نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق يوسي بيلين قد توقع منذ مطلع العام الحالي ان يصبح دحلان الرئيس الفلسطيني المقبل لأنه «براغماتي وذكي ومحاور جيد لإسرائيل».
من جانبه، تساءل الكاتب الأميركي آلان هارت: «هل يتآمر السيسي مع إسرائيل لاستبدال عباس بدحلان؟».
ما علاقة الامر بإيران وسوريا؟
يقدم دحلان نفسه حتى الآن كأحد أبرز المناهضين لجماعة «الاخوان المسلمين» في المنطقة مذ كان طالبا في «الجامعة الإسلامية» بغزة. عداؤه هذا ألب عليه قطر وإعلامها. السفير القطري السابق في واشنطن ناصر آل خليفة شن هجوما عليه بعد مداخلة دحلان في مقر الاتحاد الاوروبي في بروكسيل في العام الماضي.. وقال انه يتحرك بـ «ريموت كونترول» الناتو.
ثم ان دحلان رفع لواء معاداة تركيا اكثر من مرة. ذهب موقع «ميدل ايست آي» الاستخباري البريطاني الى حد الحديث عن سعي هذا القيادي الفلسطيني الى تمويل انقلاب ضد اردوغان ومساعدة خصمه فتح الله غولن.
كل هذا مهم. لكن الأهم يبقى دور ايران. لا تزال إسرائيل والسعودية والامارات والأردن ومصر تعتبر ان ايران هي العدو الأخطر، وهي حاليا تنظر بعين القلق الى عودة التقارب بين «حماس» وطهران. لعل هذه الدول ستجد مع اميركا في المرحلة المقبلة أن تَغَيُّرَ المعادلةِ الفلسطينية الإسرائيلية من الصراع والمقاومة المسلحة الى الدخول في اتفاق نهائي، يسحب البساط من تحت أقدام هذه المقاومة في الداخل والخارج وينهي دور داعميها. قال الناشط السعودي «مجتهد» في تغريدة له في ٣٠ آب ٢٠١٣: «سيتفرغ دحلان بدعم مادي من السعودية والإمارات، ودعم عسكري واستخباراتي من مصر، ودعم بشري من عباس والأردن لتطهير بقية غزة من حماس».
القلق الإسرائيلي وبعض الخليجي والتركي والأميركي يكبر من احتمال نجاح محور المقاومة في قلب المعادلة السورية. يقول اللواء في الاحتياط الإسرائيلي عاموس يدلين رئيس «مركز أبحاث الامن القومي» والرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية: «إن مصلحة إسرائيل تكمن في: تدمير المحور الشيعي في سوريا وإبقاء إيران و «حزب الله» ضعيفين، ونريد ان تكون سوريا سنية علمانية لان غير ذلك يعني استقدام أسوأ عدو لنا من مسافة 1500 كيلومتر الى مسافة صفر على حدود الجولان».
القتال اذاً لن ينفع، لا بد من إيجاد وسائل أخرى. ثمة مراهنة على دحلان وعلى الوسائل السياسية، خصوصا أن الرجل مرتبط بعلاقات جيدة ايضا مع روسيا. شارك في مؤتمر في سانت بطرسبورغ في العام الماضي بحضور بوتين. هو القائل أيضا: «إن الحرب في سوريا لم تبدأ بعد. هي ستبدأ بعد رحيل بشار الأسد، ولا يمكن لها أن تنتهي إلا باتفاق سعودي روسي أميركي، وأعرف الكثير من خلال علاقتي الشخصية بلافروف التي لا يمر عليها شهر دون لقاء أو اتصال». دحلان كذلك ساهم في تأسيس «حزب الغد السوري» المعارض برئاسة احمد الجربا في القاهرة.
صحيح ان دحلان أثار حفيظة كتاب سعوديين من خلال انتقاده لبعض علماء السعودية، لكن الأكيد ان أميركا ومصر والأردن والامارات والسعودية وروسيا وإسرائيل تسعى جميعا لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وجميعها تعتبر انه لا بد من انهاء المقاومة المسلحة في الداخل والخارج… حتى اشعار آخر، ليس غير دحلان قادرا على وراثة عباس ورفع مستوى التنسيق أكثر…
لن يكون وصوله الى الرئاسة سهلا نظرا للعقبات الداخلية الكثيرة.. لكن ذلك ما عاد مستحيلا.. لا بل لم يعد مستحيلا أبداً. الرجل ذكي أكثر مما يتوقع كثيرون، والنظام العربي قرر انهاء الصراع مع إسرائيل.. فهل حان وقته؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.