سوريا وروسيا: زلزال إستراتيجي في المنطقة

assad-putin

صحيفة المنار الصادرة في فلسطين المنحتلة عام 1948 ـ
الدكتور خيام الزعبي:
لا يزال التنافس والصراع على سورية هو الذي يتحكم بمسار العلاقات الإقليمية والدولية وما تؤول إليه سواء من نزاعات أو توافقات بين الدول، فمنذ العام 2003، تراقب روسيا باهتمام كيف أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها يتدخلون في شؤون منطقة الشرق الأوسط، ويقومون بهجمات وضربات عسكرية، وينظمون ثورات أو يدعمونها، وبالنتيجة فقد تشكل تصور واضح لدى موسكو، عن أن الغرب لا يفكر على الإطلاق بالنتائج، ولا يدرك المخاطر المترتبة على السياسة التي ينتهجها، فلم تقم الديمقراطية المزعومة في العراق أو أفغانستان أو ليبيا، وبالمقابل، سقط عدد كبير من الضحايا وأصبحت هذه البلدان تتخبط في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار. لا شك بأن سورية تمثل نقطة ثقل مهمة في سياسة روسيا التي تسمح لها بالعودة إلى الساحة الدولية كلاعب كبير، بعد أن أعادت بناء قوتها جزئياً بالنسبة إلى ما كانت عليه إبان الحقبة السوفياتية، بفضل سياسة يقودها بوتين وهذا ما تثبته روسيا مجدداً بتمسكها بشرعية الدولة السورية، خاصة بعد ما حصل في ليبيا، والدعم الكبير الذي قدمته لدمشق منذ بداية الأزمة حتى اليوم على أكثر من صعيد، وهو ما يفسر موقفها من الحرب في سورية وعليها، ومن هنا مثّل القرار الأميركي بتوجيه ضربات جوية لتنظيم داعش في سورية تطوراً جديداً يزيد من تعقيد المشهد في المسألة السورية، خاصة لجهة إنعكاساته على الأرض وإرتباطه بالعلاقة الأميركية مع باقي الأفرقاء في إدارة الحرب السورية، وتحديداً روسيا، وفي إطار ذلك تدرج الموقف الروسي المباشر وفق خط بياني واضح، من إعتبار الضربات الجوية ضد تنظيم داعش في سورية من دون المرور بمجلس الأمن خرقاً للقانون الدولي، إلى التأكيد على ضرورة التنسيق مع دمشق وإحترام سيادتها، وصولاً إلى الإعلان عن أن مكافحة الإرهاب لا تتم إلا من خلال إشراك الدول المعنية فيها، في دلالة على محاولة موسكو إحتواء نتائج الخطوة الأميركية في سورية، خاصة أن هذه الضربات جاءت بعد الإستفادة الأميركية من تنظيم داعش في العراق كحراك سنّي لضرب النفوذ الإيراني وإعادة شيء من التوازن بنظر واشنطن إلى المسار السياسي في بلاد الرافدين، إضافة إلى منع التنظيم من المساس بإقليم كردستان، ومن هنا فإن روسيا لن تسمح للعمليات الجوية بضرب مواقع الجيش السوري بشكل يخل بالتوازن العسكري على الأرض لغير مصلحة الحكومة السورية، مع ما يترتب على ذلك من نتائج، وهو ما عبّر عنه وصول البارجة الروسية “سموم” إلى ميناء طرطوس، وهي تحمل صواريخ دفاع جوي شبيهة بمنظومة “اس 300” لحماية القاعدة العسكرية الروسية في طرطوس، إضافة إلى دمشق ومنشآتها العسكرية، كل هذا يؤكد على جدية روسيا في الدفاع عن مصالحها في سورية من خلال الدعم الذي تقدمه لحكومة دمشق، بمعنى أنّ روسيا لن تقف مكتوفة الايدي إزاء “التدخل الأميركي الجديد” الذي أثمر حتى الآن تحالفاً عريضاً يمكن الركون اليه لتأسيس خريطة سياسية جديدة في العالم العربي والخليج النفطي من دون أن يعني ذلك أنّ روسيا ستتراجع عن مشروعها في المتوسط والقائم على إعادة التوازن السياسي والإقتصادي مع إميركا من خلال تواجدها في المنطقة. وفي سياق متصل سعت موسكو لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية بعد مشاورات مع الرئيس المصري السيسي، الذي تكفل بإقناع السعوديين بضرورة إيجاد حل سوري لأن المعركة مع “داعش” أو “الإخوان المسلمين” بالنسبة إليه واحدة، إذ تفهمت الرياض طرح الرئيس المصري، لكنها أصرت على طلب إيجاد بديل عن الرئيس الأسد، لكن السيسي كان يدرك أن الأسد لن يقدم على التنحي بعدما أصبحت الأمور تميل لصالحه نسبياً، والوقت أصبح يلعب لمصلحة النظام، وهذا نابع من أساس الحفاظ على الجيش السوري والإعتماد عليه وعدم السماح للمجموعات الإسلامية بالتحكم بمصير سورية، كون ان المعركة واحدة ما بين سورية ومصر من جهة والمجموعات الإسلامية من جهة ثانية، هذا ما رأيناه بأن المسلحون في سيناء يشكلون إمتداداً لمجموعات سورية، والدليل ما أثبتته التطورات لاحقاً عن مبايعة جماعة “بيت المقدس” المتواجدة في مصر لتنظيم داع ، ورغم التباين الأميركي-الروسي حول الأزمة السورية إلإ إن موسكو أكدت أن الجيش السوري قادر على دحر الإرهاب في حال دعمه وتسليحه بشكل أكثر فعالية، وذلك تحدثت الحكومة السورية عن قرار الروس بتزويد الجيش السوري بصواريخ s300 ، وفي إطار ذلك أعدّت موسكو مشروعاً لحلّ الأزمة السورية من خلال عقد حوار سوري سوري في موسكو يحضره إضافة إلى الوفد الرسمي السوري عدد من الشخصيات المعارضة من الداخل والخارج وفي مقدمتهم معاذ الخطيب الذي زار موسكو مؤخراً تلبية لدعوة من الخارجية الروسية، وبالمقابل سحبت واشنطن بالفعل إعترافها بالائتلاف كممثل وحيد للشعب السوري، وهي لا تمانع الخطة الروسية لاستئناف الحوار السياسي إنطلاقاً من ورقة “جنيف-1” التي تتحدث عن تأسيس حكومة إنتقالية تمهد لإنتخابات تشريعية ورئاسية في سورية، وربما يكون معاذ الخطيب هو من تراهن عليه موسكو ليقود الحوار من جانب المعارضة إضافة إلى عدد من أعضاء هيئة التنسيق الموجودين داخل سورية ومعارضين مستقلين موجودين في الخارج انشقوا مؤخراً عن الائتلاف الذي بات تحت سيطرة قطرية سعودية بشكل كلي. كما لم تستطع كل محاولات أمريكا وحلفاؤها الحد من النفوذ الروسي ـ السوري المتنامي في المنطقة، على الرغم من محاولات الإعاقة التي مارسوها، سواء بإستخدام الأوراق التي بحوزتهما ومنها الورقة الإرهابية، أو العقوبات السياسية والإقتصادية، رغم ذلك فالنفوذ الروسي ـ السوري يتقدم بإضطراد، تجلى ذلك بصمود النظام السوري بوجه محاولات الإسقاط، وبتحقيق إنجازات سياسية وميدانية، وبقطع اليد الغربية عن العبث بالحديقة الأمامية لروسيا في أوكرانيا، ومنع سقوط بغداد ولبنان بيد الإرهابيين. وأخيراً أختم مقالتي بالقول إن ما تمر به سورية حالياً هي فترة قاسية ولكن مؤقتة في تاريخ هذا البلد العظيم، وإن سورية وروسيا في مرحلة بناء استراتيجية جديدة في المنطقة، وأن كلا منهما يحتاج الآخر، إذ تهتم روسيا بتحسين العلاقات مع سورية لإن دمشق لها دور كبير في المنطقة، إضافة إلى أن سياسة سورية في المجال الدولي الآن تتجاوب مع المصالح الروسية، وأن الهدف من تقوية العلاقات السورية الروسية مهم لإحداث توازن في العلاقات الدولية بين سورية وباقي الدول الأخرى خاصة وإن هناك روابط تربط الدولتين من فترات تاريخية طويلة، فضلاً عن أن قوة العلاقة بين سورية وروسيا يعطى لأمريكا رسالة قوية بأن سورية لديها علاقة متنوعة مع الدول الكبرى، على أية حال ربما يسهم إنتصار السياسة الخارجية الجديدة لروسيا في إنبثاق عالم جديد, قائم على التعددية القطبية وإنهاء نظام القطب الواحد في العلاقات الدولية، وأن المرحلة الحاسمة لا بد بأنها قادمة ويبقى الخلاف حول توقيت تلك اللحظة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.