سوريا: وقف النار بين التأكيد والتشكيك

 

موقع العهد الاخباري ـ
رفعت البدوي: 
كثر الحديث والتحليل عما يسمى بعملية وقف النار في سوريا فور الاعلان عن التوصل لاتفاق وقف النار في سوريا بين روسيا وواشنطن. تحمل تصريحات كلٍّ من واشنطن وروسيا دلالات على دخول الازمة السورية منعطفا جديدا ولا يمكننا الا التوقف عندها مليا.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال ان اتفاقنا مع واشنطن حول وقف النار في سوريا شبيه بما تم التوافق عليه بأزمة ملف الكيماوي في سوريا. بمعنى آخر أن الامر ليس وقفًا للنار فقط انما هو مسار سياسي باشراف وقيادة الرئيس بشار الاسد يبدأ بتثبيت وقف النار بالتوازي مع ضبط الأمور العسكرية تمهيداً للولوج في ترتيب ملفات مفصلية جديدة ترسم معالم المرحلة القادمة في سوريا والمنطقة جغرافيا وعسكريا وسياسيا.

ما يعزز هذا الامر ما جرى من اتصالات عدة تمت بين زعماء الدول للتفاهم على ضرورة انجاح الخطة الروسية المقبولة الى حد ما من قبل واشنطن وهي:

اتصالات ومواقف

– الاتصال الذي تم بين الرئيسين الروسي بوتين والسوري بشار الاسد لمناقشة البيان الروسي الامريكي بشأن وقف النار وابداء القيادة السورية الاستعداد للالتزام بوقف النار على ان لا يشمل التنظيمات الارهابية ومواصلة الحرب على داعش والنصرة واخواتها، هذا الامر له دلالة خاصة يشير الى تفاهم استراتيجي تام بين الرجلين ليس لجهة الالتزام بوقف النار ومحاربة الارهاب فقط انما للمرحلة التي ستلي وقف النار سياسيا وعسكريا.

– الاتصال الذي تم بين الرئيس بوتين والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وترحيب الاخير بالاتفاق على وقف النار بسوريا واعدا  الرئيس الروسي بالعمل على انجاح هذا الامر بناء على نصيحة امريكية وجهت للسعودية.

الحرب في سوريا

-الاتصال الذي تم بين الرئيسين الروسي والايراني والتوصل الى تفاهم حول ضرورة وقف النار والبحث عن حل سياسي في سوريا (مع الاعتراف ببروز بعض الخلافات في وجهات النظر). إضافة الى تبادل الزيارات السريعة بين موسكو وطهران والتي شملت وزيري الدفاع في البلدين شويغو وشمخاني يعني ان ضغوطا مورست على طهران للقبول بما تم التوصل اليه بين واشنطن وروسيا.

واشنطن بدورها قامت باتصالات سريعة مع حلفائها بدأتها باجتماع (كونفيرانس) عبر الشاشة بين كل من الرئيس الامريكي اوباما والمستشارة الالمانية ميركل ورئيس وزراء بريطانيا كاميرون والرئيس الفرنسي هولاند، وبعد الانتهاء تم الاتصال بين اوباما والرئيس التركي اردوغان ادى الى تغيير واضح في اللهجة لكل من زعماء اوروبا وتركيا.

رصد للمواقف

تراجع وزير الخارجية السعودية عادل الجبير عن تصريحات كان قد ادلى بها الى مجلة ديرشبيغل الالمانية عن نية السعودية تزويد المعارضة بصوراريخ مضادة للطائرات وإلقاء التهمة على وكالات الانباء بتحريف نص التصريح ليقول بأن الرياض (تؤيد) تزويد المعارضة لكن المملكة لا تتدخل الا بقرار من الامم المتحدة.

هذا الكلام هو مؤشر واضح على تراجع المملكة لصالح الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين بوتين واوباما وقف اطلاق النار في سوريا.

أردوغان: تغيرت نبرته، فبعد الاعلان عن نيته بالتدخل المباشر في سوريا عاد وتراجع على لسان نائب رئيس الوزراء التركي جاويش اوغلو بالاعلان عن عدم وجود خطط للتدخل المباشر في سوريا وان اي كلام بهذا المعنى هو من نسج الخيال.

اردوغان ايضا يصف ما تم الاتفاق عليه بين اميركا وروسيا والاتحاد الاوروبي بانه عمل مخزٍ وطلب اضافة حزب الاتحاد الديمقراطي السوري إلى النصرة وداعش على لائحة الارهاب التي تم الاتفاق عليها بين بوتين واوباما.

هذا الطلب لاردوغان ان دل على شيء فهو يقودنا الى استنتاج ان حكومة اردوغان تريد عرقلة اتفاق وقف النار في سوريا وفتح الباب امام استمرار القصف التركي لمواقع حزب الاتحاد الديمقراطي داخل سوريا ومنعه من تثبيت مواقعه او التقدم والسيطرة على مناطق حدودية مع تركيا تمهيدا لاقامة ادارة كردية ذاتية وهذا الامر يؤشر الى ان اردوغان بات يدرك انه اصبح خارج لعبة الكبار وان امكانية انتقال المشهد السوري المعقَّد الى الداخل التركي اصبح امرا لا مفر منه.

الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “الناتو” ينس ستولتنبرغ، اكد المخاوف التركية عندما قال أن تركيا أصبحت هدفًا للهجمات الإرهابية الم يثبت تحليل الـ”دي أن إي” ان منفذ عملية انقرة الاخيرة هو تركي.

في هذه الاثناء برز تصريح لافت لوزير الخارجية الامريكية جون كيري قال فيه: من الصعب الحفاظ على سوريا موحدة اذا طال امد الحرب ولم نتمكن من ايجاد السبل الآيلة لوقف الحرب هناك واننا سننتظر شهرين لنرى مدى نجاح وقف النار في سوريا والا فاننا سنلجأ للخطه (ب).

روسيا وعلى لسان وزير خارجيتها سيرغي لاڤروڤ رد سريعا على كلام كيري موضحاً ان لا علم لموسكو بوجود خطه (ب) ولن يكون هناك خطة بديلة.

طبخة في الأفق

على الرغم من تشكيك الرئيس الامريكي اوباما بنجاح وقف النار في سوريا الا انه بات من الواضح ان اتفاقا بين واشنطن وموسكو لانجاز طبخة معينة تحفظ مصالح الطرفين قد تم لكن – مع استمرار البحث عن مكونات الطبخة – ضمن وعاء القرار 2254 ليبقى ما سمي باتفاق وقف النار بين التأكيد والتشكيك.

فهل امريكا جادة في التعاون مع موسكو لإنجاح الخطة التي تم الاتفاق عليها بين الجبارين ام ان لواشنطن حسابات اخرى تهدف الى ايجاد محاور وخطوط تماس وانشاء حدود جغرافية جديدة في سوريا؟؟ هذا ما ستكشفه لنا الأيام القادمة..

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.