سورية ومعركة البقاء…فمن ينتصر؟!

 

 

 

صحيفة المنار الصادرة في فلسطين المحتلة عام 1948 ـ
الدكتور خيام الزعبي:

سورية تكتب التاريخ بسواعد أبنائها، ليس تاريخ سورية فحسب، بل تاريخ المنطقة بأكملها، في ميدان القتال في حلب، دير الزور و…., ولا تنتهي إلا بتطهير كل شبر من الأرض السورية من رجس داعش والقوى المتطرفة الأخرى، فهي معركة تقرر مصير الوطن ووحدته الجغرافية والوطنية، معركة سطرت ملحمة وطنية بطولية رافعة شعار كلنا فداء سورية، ليصل الى حدود تثبيت الهوية الوطنية وضرب مخطط تقسيم سورية وجعلها نموذجاً يُحتذى به على مستوى المنطقة برمتها. اليوم دخلت سورية أتون الحرب المشتعلة في المنطقة، تقف وراءها قوى إقليمية ودولية، بما يخدم الأجندات المرسومة مسبقًاً والمعدة في مطابخ السياسة الغربية وبعض الدول العربية التي ترى في سورية أرض خصبة لتحقيق أهدافها، في إطار ذلك أصبحت منطقتنا العربية ملعباً لكل القوى، خاصة بعد موجة ما سمي بالربيع العربي الذي جاء لتنفيذ الرؤية الأمريكية الجديدة لإنتاج شرق أوسط جديد، لأن الأمريكان على قناعة تامة إن ما يقومون به من السيطرة والهيمنة على دول منطقة الشرق الأوسط هو إستحقاق مكتسب لهم ويجب ان يقوموا به وذلك لفرض السيطرة وإنشاء محور ممانعة لحماية إسرائيل، وأمريكا تعرف جيداً أن تحقيق هذه الرؤية تبدأ من السيطرة على المنطقة العربية، والسيطرة لن تأتي إلا بخلق الفتن بين الشعوب وتدمير الدول، وهو فعلاً ما بدأت به من خلال تدخلها في سورية ودعمها لكل التنظيمات الإرهابية من التحريض والتمويل والتدريب وبإشراف الحكومة الإسرائيلية، فضلاً عن الدعم اللوجستي للدواعش من خلال تزويدهم بمعلومات عن تحرك القوات السورية وإرشادهم إلى المناطق الرخوة التي يمكنهم التسلل من خلالها لضرب قطعاتنا العسكرية، بالإضافة الى دعمهم بالمعدات والسلاح والعتاد وبشكل متكرر في أكثر من جبهة من جبهات الصراع، والهدف الأساسي هو إسقاط النظام السوري، بالتالي فإن أمريكا تستغل ما يجري حالياً من إنشغال كل بلد بأموره الداخلية وتعمل بكل قوتها على تأجيج تلك الصراعات، متفقة في ذلك مع حلفاؤها من دول الغرب، فكل منهما يريد تحقيق مصالحه عبر الآخر، وهكذا فإن السياسة الأمريكية في المنطقة مسيرها الفشل حتماً على إعتبار أن سورية تعي جيداً أهداف أمريكا التوسعية. الجيش السوري يتحمل مسؤولياته اليوم لحماية بلدنا، ويحصن سورية في مواجهة التكفيريين, ويقوم بكل ما من شأنه أن يجعل بلدنا قوياً وعزيزاً وعصياً على كل التهديدات والأخطار التي تواجهه، إن المحاولات الخائبة التي تقوم بها أمريكا وعملاؤها المحليون والدواعش وأعوانهم وأعداء الدولة السورية لن تنجح في ثني قوات الجيش السوري عن أداء واجباته لغاية تحرير آخر شبر من أرض سورية، وأن الشعب السوري المؤمن مستعد لأن يوفر للجيش كل مقومات إستمراره، كونه هو خيارنا الأوحد وأملنا في تحقيق الأمن للوطن والمواطن. بالمقابل فإن إنجازات الجيش العربي السوري في الميدان، وتصاعد وتيرة المقاومة الشعبية في أكثر من منطقة، وإتساع رقعة المصالحة، كان لهم الدور الأساس في فضح المخطط الأمريكي وإفشاله، وبالتالي يمكنني القول إن صمود سورية جنّب الأمة مخاطر الغرق في حروب طائفية ومذهبية لسنوات قادمة، وهي في الوقت ذاته بعض الملامح لإنتصار سورية على الحرب التي تُشن ضدها، وهناك إتصالات مكثفة مع عدد من العواصم العربية، هدفها إعادة العلاقات مع دمشق، فالموقف العربي المعادي لنظام الأسد بدأ يتراجع خطوات للخلف فى الآونة الأخيرة، فيما يؤشر إلى وجود علاقات خلف الستار قد تظهر إلى السطح فى الأيام المقبلة، إلا أن ظهور الإرهاب، دفع عدد من الدول العربية باتجاه تشجيع التسوية في سورية حتى تتمكّن مجتمعة من مواجهة هذا الخطر العابر لكل الحدود والذي يطال المنطقة بأكملها، والى مراجعة حساباتها تجاه مقاطعتها للنظام السوري، هذا مما عجل التقارب السوري الكويتي، ولا نستبعد إقدام دول خليجية أخرى على الخطوة نفسها، وهنا لا بد من القول بأن تونس أعادت العلاقات الدبلوماسية مع سورية، من خلال فتح مكتب في العاصمة السورية تحت ذريعة رعاية شؤون اكثر من 3000 مواطن تونسي إنضموا الى الجماعات الإسلامية المتشددة، ولم يتوقف تردد الدبلوماسيين ورجال الأمن في دول أوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا على دمشق وبعضهم أعاد فتح مكاتبه فيها، وهنا نجد إن هذه الخطوة هي إعتراف بقدرة الدولة السورية على تجاوز أزمتها وبنفس الوقت إعتراف بأن الرهان على المجموعات المسلحة كان خاطئاً وإن هذه المجموعات قد فشلت في إسقاط الدولة السورية. في سياق متصل إن المشهد الذي تشهده دول المنطقة تؤكد بما لا يدع مجال للشك بأن المشروع الأمريكي “الشرق أوسط الجديد” يواجه سقوطاً وفشلاً ذريعاً على أبواب دمشق، وأدلة الفشل على ذلك كثيرة، بدءاً بسقوط وفشل جميع العمليات الإرهابية التي جرت وتجرى داخل سورية في تحقيق أي أهداف أو مكاسب سياسية، وأن مشروع تقسيم سورية تحت وهم إرساء الديمقراطية قد إنهار بعد أن إنكشفت كل خيوط اللعبة ورأى العالم ما يجري في العراق وليبيا واليمن من مجازر ودمار. مجملاً…إن الإدارة الأمريكية وبعدما إستنفدت كل ما لديها من أساليب لإسقاط سورية، وباءت جميع محاولاتها بالفشل، بدأت بلملمة أوراقها والآن تمارس الضغط على الدول لوقف تمويل ودعم الإرهاب، حيث رفضت مؤخراً المطلب السعودي التركي بإنشاء ما يُسمى مناطق حظر جوي في الشمال السوري، وكما تؤكد على أنه لا بديل عن الحل السياسي للأزمة، وتمرر بين الفترة والأخرى تصريحات تؤكد على ضرورة التعاون مع الدولة السورية للقضاء على داعش، ما يعني أن واشنطن في مرحلة التغير، وبإختصار شديد إن إنتصار سورية في حربها ضد الإرهاب سيرسم معالم “التسوية السياسية” القادمة ، كون سورية أفشلت من إستخدم الفتنة كسبيل لتفجير الأوضاع وإحداث وقائع سياسية جديدة في المنطقة، وأن التجربة أثبتت بأن دمشق هي قلاع العروبة المحافظة على الهوية والمبادئ والحقوق العربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.