سيارة الناعمة: قصّة الرأس المدبّر والشيخ المحرّض وخليّة الموت

رويس 660

صحيفة الأخبار اللبنانية ـ

رضوان مرتضى:

أطبق «الأمن العام» على خلية إرهابية في منطقة الناعمة. أوقف ثلاثة من المشتبه فيهم بالتخطيط لتفجير سيارات مفخخة. ضُبط الشيخ المحرّض ومساعده وشخص ثالث، لكنّ الرأس المدبّر، محمد أ، تمكن من الفرار. هنا القصّة الكاملة لعمليات الرصد والمراقبة، وصولاً إلى اكتشاف مخطط التفجير.

لم يكن المطلوب محمد أ. متديّناً عادياً. كان سلفياً متطرّفاً إلى حد التكفير. أراد الجهاد، فاختار إعداد السيارات المفخخة سبيلاً. أفشى رغبته بشراء المتفجرات أمام أحد مخبري الأمن العام، فوُضع الرجل تحت مجهر الرصد والمراقبة. كان ذلك قبل نحو شهر ونصف، لكنّ محمد كان شديد الحذر. لم يكن يحمل سلاحاً حتّى. بذل أفراد الأمن العام جُهداً استثنائياً للإيقاع به، لكنّهم لم يتمكنوا من ضبطه متلبّساً.

فضوعفت الجهود، ولا سيّما أن رصد حركة الاتصالات أوجد اقتناعاً لدى ضبّاط المديرية بأنه يُعدُّ لتفجير ما. وبالتوازي، توافرت معلومات بأنه يدير شبكة متطرفة قوامها سبعة أشخاص تعتزم تفخيخ سيارات وتفجيرها وتنفيذ عمليات اغتيال. ومنذ ستة أيام، خرج محمد للتجوّل بسيارته من نوع أودي. ركنها في أحد مواقف الناعمة (الموقف الذي ضُبطت فيه)، ثمّ استقلّها مغادراً. تكرّر الأمر قبل ثلاثة أيام.
أعاد ركنها في الموقف نفسه، ثم غادر. محمد لم يعد بعدها، توارى عن الأنظار. وهنا تكشف المصادر لـ«الأخبار» أن «الصدفة فضحت أمر سيارة الناعمة المفخخة، فاضطرّت الأجهزة الأمنية إلى التحرّك». وتشير المعلومات إلى أن وجود السيارة في الموقف لثلاثة أيام متتالية أثار ريبة أحد الجيران الذي اقترب منها محاولاً فتحها، لكنّه لم ينجح. سارع الرجل إلى إبلاغ القوى الأمنية، فحضرت دورية من قوى الأمن الداخلي. هنا تدخّل الأمن العام كاشفاً أن السيارة تخضع لمراقبته منذ مدة، ملمحاً إلى احتمال احتوائها على متفجرات. لم ينجح هؤلاء في فتحها، فاستعانوا بكلاب اقتفاء أثر المتفجرات، إلّا أن النتيجة جاءت سلبية. لم تكتشف الكلاب المتفجّرات. كان هناك إصرار على فتح السيارة، فاستُخدمت متفجّرة صغيرة جداً لفتحها. عندها عُثر في جوانب الأبواب وأماكن أخرى داخلها على الصواعق والمتفجرات. كما عُثر داخلها على أربع رايات لـ«حزب الله». كل ذلك كان يجري بناء على إشارة القضاء العسكري ممثلاً بمفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي داني الزعني، الذي حضر شخصياً إلى الناعمة لمواكبة التحقيقات الجارية. في هذه الأثناء، كانت تجري عمليات دهم لتوقيف أعضاء الخلية الإرهابية، لكن محمد تمكن من الفرار. دوهم منزله وصودرت سيارته، لكن لم يُعثر له على أثر. كذلك الأمر، توارى فؤاد غ. (لبناني) وسعيد ب. (فلسطيني) عن الأنظار، قبل أن تتمكن الأجهزة الأمنية من توقيف فؤاد غ. في حارة الناعمة. وقد سبق ذلك توقيف عناصر الأمن العام المشتبه فيهما خالد س. وطارق ط، كونهما أفراداً في خلية محمد الإرهابية. ولدى التحقيق مع الموقوفين، عُثر في هاتف أحدهما الخلوي على رسالة من الشيخ أحمد س. (فلسطيني) يدعوه فيها إلى الجهاد. فجرى توقيف الشيخ الذي تبيّن أنه سلفيّ متطرف يُعطي دروساً في فقه الجهاد في أحد مساجد منطقة الناعمة. وكان يلعب دور المحرّض لهؤلاء للقيام بأعمال إرهابية. وكشفت المعلومات أن علاقة وثيقة تربط الشيخ الموقوف بأمجد الأسير، شقيق الشيخ الفار أحمد الأسير، علماً بأن الموقوف يُعد أحد مناصريه وداعميه في الناعمة.

وقد اكتُشف خلال التحقيقات أن لا قيود للسيارة المشبوهة في سجلات مصلحة تسجيل السيارات. أما رقم اللوحة الموجود عليها فهو مزوّر. كما تبيّن أنه جرى تغيير لونها من أسود إلى فضي. أما وجهة تفجير السيارة فلم يتمكن المحققون من تحديدها بعد. إذ لم يتبين إن كان سيتم تفجيرها في المكان نفسه أو كانت ستُنقل الى مكان آخر لتفجيرها. وذكرت المعلومات أن طارق الطيّارة يلعب دور المنسّق بين أفراد المجموعة، بحكم أنه دائم التنقل بين المخيمات. أما خالد س، فكان بمثابة الساعد الأيمن للشيخ الموقوف. وكشفت المعلومات أن فؤاد غ. الذي أوقف لاحقاً كان يتولى توفير المبالغ المالية لشراء المتفجرات، علماً بأنه يعمل في مجال التجارة. أما المطلوب سعيد ب. (فلسطيني)، فكان دوره يقتصر على تأمين المتفجرات من المخيمات. وعلمت «الأخبار» أنه جرى دهم عدد من الشقق والمحال في منطقة الطريق الجديدة بحثاً عن مُشتبه فيه سوري الجنسية يُعتقد أنّه على علاقة بملف السيارة المفخخة في الناعمة. يشار إلى أن الأجهزة الأمنية الثلاثة، الأمن العام واستخبارات الجيش وفرع المعلومات، تُنفّذ عمليات الدهم والتحقيق ورصد الاتصالات.

يُذكر أنه ضُبطت داخل السيارة المفخخة خمسة صناديق من مادة «تي ان تي» وخمسون كلغ من النيترات التي تُستخدم لمضاعفة عصف التفجير، علماً بأنها سهلة الشراء حالها كحال السماد الكيميائي الذي يُستعمل في الزراعة. كما عُثر في السيارة على جهاز لاسلكي وفتائل وصواعق ومفاتيح كهربائية تُستخدم للتفجير عن بُعد. وقد قُدّرت زنة المواد التي عثر عليها بحوالى 250 كيلوغراماً، لكنها كانت غير معدّة للتفجير. في موازاة ذلك، أصدرت شعبة العلاقات العامة في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بلاغاً حول سيارة الناعمة المفخخة تفيد فيه أنّه «ضمن إطار التنسيق القائم بين الأجهزة الأمنية، وردت معلومات من المديرية العامة للأمن العام عن قيام مجموعة أشخاص بنقل كمية من المتفجرات داخل سيارة من نوع أودي لون رصاصي تحمل لوحة مزورة»، لافتة إلى أنه «بعدما عممت غرفة عمليات قوى الأمن الداخلي مواصفات السيارة المذكورة على الدوريات والحواجز والقطعات الاستعلامية التابعة لها، ونتيجة للتحريات والاستقصاءات المكثفة، تمكنت دورية من مفرزة استقصاء درك جبل لبنان من العثور على السيارة عند الساعة 18:00 من تاريخ 17/8/2013، مركونة داخل مرأب أحد المباني في بلدة الناعمة بالقرب من مبنى البلدية، وضبطت بداخلها كمية من المتفجرات غير معدة للتفجير، وهي عبارة عن: خمسة صناديق من مادة الديناميت، زنة كل صندوق 25 كلغ، كمية من مادة النيترات زنة حوالى 50 كلغ، صاعقين شهابين، أجهزة تفجير كهربائية مع عدة التفجير، إضافة الى حوالى 5 كلغ من مادة متفجرة مجهولة النوع، يجري العمل على تحليلها»، مؤكدة أن «التحقيقات جارية بإشراف القضاء المختص».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.