سيناء توجع مصر.. والحل بالتضحيات والاستيعاب

egypt-sinaee
مشاريع عربية وغربية مشبوهة تضغط على مصر عبر سيناء

موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:

مصر تعاني.. ومن سيناء تأتي المعاناة الأكبر والأكثر مباشرة وراهنية.

في سيناء الشاسعة، الصحراوية، المفتوحة على الكثير من الخطوط والاحتمالات، يأتي الوجع الأكبر للقيادة المصرية، دون أن يعني ذلك عدم وجود مشاكل أخرى ضخمة وكبيرة على مختلف المستويات تحاصر هذه القيادة وتضعها في مواقف صعبة على المستويات كافة.

وسيناء فيها بعد آخر، هو بعد التطرف والإرهاب الذي يستهدف كل يوم خيرة شباب مصر، من أبناء الجيش والشرطة، موقعاً عدداً كبيراً من الضحايا في صفوفهم، دون أن يبدو لهذا النزيف نهاية، في المدى المنظور على الأقل.
تتعدد المبررات التي تُعطى خلال الحديث عمّا يحصل في سيناء، وتختلف الآراء التي ترسم خريطة المواجهات، من ماضيها الدامي، إلى الحاضر الملبّد، إلى المستقبل الذي يبدو مظلماً أكثر من الواقع الحالي.

يرى الكثيرون أن ما يحصل في أرض سيناء هو ردة فعل على الفقر، والجهل، وعلى غياب التنمية، وعلى الإهمال الذي يعاني منه أبناء تلك المناطق الصحراوية، بتركيبة سكانها القبلية والبدوية، ما دفع الكثير من أبناء تلك المناطق إلى التحول إلى طعم سهل للجماعات التكفيرية التي تعِد بامتيازات على الأرض، وبأحلام تفوق الخيال في السماء.

قد يكون في هذا بعض واقع، فالحال في سيناء لا تسرّ صديقاً بالفعل، والناس لم يشهدوا الكثير من آثار التطور التي شهدتها مناطق مصرية أخرى، وإن كان هناك من يقول إن الكلّ في الهمّ سواء، على مساحة الأراضي المصرية كلها، وإن المشاكل التي يعاني منها أبناء سيناء، بشمالها وجنوبها، ليست أكبر بكثير مما يعاني منه أبناء المدن الكبرى أو المحافظات الأخرى.

ولكن هذا لا يكفي لشرح الأسباب التي جعلت من سيناء بؤرة متأزمة أكثر من غيرها من المناطق المصرية، فهناك عوامل أخرى لا بد من إيرادها.
فسيناء تقع على “خط زلازل” إقليمي، جعلها دائماً في واجهة الصدامات على أكثر من محور، وإن كان التوتر القادم من شرقها هو أبرز الأخطار وأكثرها حماوةً.

ففي شرق سيناء تقع غزة، وفي شرق سيناء أيضاً يقع الكيان الصهيوني الذي يحتل أرض فلسطين.

البعض يجعل من طفرة المنظمات الإرهابية التكفيرية التي تتخذ من مناطق عديدة في سيناء معقلاً لها نتيجة للتواصل بين شبه الجزيرة وقطاع غزة. ويرى هؤلاء أن ما تشهده المنطقة من سعار تكفيري ناتج بصراحة عن وجود حركة حماس في القطاع ودعمها لفصائل معينة من المتمردين المصريين، ما أعطاهم قوة كبيرة جعلتهم يفرضون وجودهم في أكثر من مدينة وجِهة على حساب وجود الحكومة المصرية وسلطتها.

لا يمكن إنكار وجود تأثير كبير لحركة حماس في الجانب الآخر من الحدود، ولا حتى وجود تدخل ما على الصعيد السياسي والإعلامي للحركة بما يجري في مصر، ولا سيما بعد التغيير الذي حصل على قمة السلطة، والإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، مع ما عناه ذلك من خسارة لحماس على مستوى التمازج الفكري والتنظيمي القائم بين الحركة وتنظيم الإخوان المسلمين الذي كان مرسي يمثّله على رأس السلطة.
إلا أن وضع المسؤولية فيما يحصل على حماس وإغفال الجوانب الأخرى يُعتبر إجحافاً بحق الحركة، وتعظيماً لدورها، بما يحجب أدواراً أكثر خطورة وأقوى إيذاءً لمصر وشعبها وجيشها في سيناء.

تخريب

شبه الجزيرة بقيت محتلة لسنوات طويلة من الكيان الصهيوني الذي نسج مع العديد من سكانها علاقات قوية، قبل أن ينسحب الجيش الإسرائيلي دون أن يسحب تأثيره وعلاقاته والمقرّبين منه. ولم تستطع الدولة المصرية استيعاب هؤلاء أو إيجاد وسيلة للتعامل معهم بطريقة تنقلهم من ضفة الاحتلال إلى ضفة الدولة، فظلّوا يداً ضاربة للعدو في قلب ساحة سيناء.

هذه اليد تتحرك بقوة لإقلاق راحة القيادة المصرية.

لا تحتاج العلاقة بين التنظيمات التكفيرية ـ “الداعشية” و”النصرتية” وغيرها من المسميات والأشكال ـ وبين “إسرائيل” وأجهزة مخابراتها إلى الكثير من الجهد لإثباتها، ولا علاقة هذه التنظيمات السوداء بأجهزة المخابرات الغربية، الأميركية منها وغيرها.

وعلى مدى السنوات الماضية كان هناك أكثر من دليل على أن هذه التنظيمات ـ بإجرامها وفظائعها واستهدافاتها ـ تنفذ مخططاً معادياً لأمتنا وشعوبنا، تحت غطاء الدين والشرع والمعتقدات، وتحت شعارات “الله أكبر” و”الدولة الإسلامية” و”الخلافة”، وغيرها من المسمّيات.

وتعمل هذه التنظيمات دائماً على البحث عن “النقاط الرخوة” في جسد أمتنا لممارسة شعوذاتها وللعمل على تطبيق “أفكارها”، وكانت سيناء واحدة من هذه النقاط الرخوة التي حط وباء التكفير الأسود في ساحتها.

ولا يمكن من جهة أخرى نسيان دور بعض الدول العربية التي كانت تأمل بأن تفرض سيطرتها على إرادة الشعب المصري، من خلال دعمها لأفكار وتيارات معينة، أو من خلال الإغراء بالمليارات من الدولارات. ولما تعثرت هذه المشاريع، كانت التنظيمات التكفيرية ـ التي تشكل ألعوبة بأيدي هذه الأنظمة العربية الضخمة والقزمة على حد سواء ـ هي الوسيلة الأفضل لإزعاج مصر وأهلها ولتدفيعها ثمن عدم الانصياع للمشاريع السياسية والعسكرية لهذه الدول.

من هنا يمكن فهم ما حصل وما يحصل على ساحة سيناء خاصةً، وعلى ساحة مصر بشكل عام. ومن هنا أيضاً يمكن توقع حدوث المزيد من المواجهات بين مصر الدولة والجيش والشعب، وبين التنظيمات التكفيرية ومن يدعمها من أجهزة مخابرات إقليمية ودولية.

أما النصر في النهاية، فهو محسوم للشعب الذي يقدم تضحيات كبيرة من أجل منع رفع رايات الداعشية والنصرتية على الأراضي المصرية.
ويبقى على أن القيادة في مصر مدعوة إلى بذل الكثير من الجهود في هذه المعركة.

وليست الجهود المطلوبة عسكرية فحسب، وإنما هي جهود استيعابية لأبناء المنطقة، كي لا يصبحوا وقوداً لمشاريع مشبوهة تغريهم بالمال والشعارات، فيما هي تخدم أعداء مصر وشعبها، وأعداء العرب بشكل عام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.