سيول جدة والأزمة المستمرة

jedda5.png

صحيفة الوطن السعودية ـ
برجس حمود البرجس:

رئاسة البلديات والمياه والتصريف يجب أن تسبقها برامج تطويرية تنفيذية موجودة لدى الجامعات العالمية، ويسبقها أيضا انتداب تعاوني تدريبي تنفيذي مع بلديات ومياه اليابان وأستراليا

غرقت جدة وستغرق مرات أخرى طالما أننا لم نوفر الكوادر المؤهلة ولم نعمل على تطوير الكوادر المستمر، وطالما أننا نتعامل مع الهندسة دون هندسة. جدة كبرت وتعقدت وبحاجة إلى كفاءات.

لم يتضرر شرق جدة كما حدث سابقاً نظراً للمشروعات التي تم تنفيذها، وهذا مطمئن ولكن لنحذر من أمطار بكميات أكبر. ما حدث في “وسط جدة” منتصف هذا الأسبوع ليس بغريب نظراً لعدم توفير مقومات النجاح، ولا نعني جدة فقط، بل إن بقية المدن تعاني من نفس المشكلات في مخرجات المنظومة التنموية. يجب أن نعي أهمية المقومات والعوامل فتطوير الكوادر البشرية وتعيين الكفاءات وآليات صناعة القرار وإدارة المشروعات أساسيات مقومات النجاح. هكذا تعمل المنظومات المتقدمة على بناء العوامل الأساسية لنجاح الأعمال، بل إن إيجاد عوامل النجاح هي الضمان الوحيد لنجاحها واستمراريتها.

كثير من أعمالنا يعمل على مسؤوليتها أشخاص بدؤوا حياتهم المهنية قبل عشرين سنة أو أكثر، وكانت معظم مهامهم إدارية وإشراف، وربما هندسة بسيطة جداً، ومع التدرج خلال تلك السنوات ترأسوا البلديات والمياه والتصريف وغيرها. المشكلة العظمى هي الاعتقاد أن عوامل النجاح متوفرة وقائمة ومستخدمة، ومع تكرر التعثر والفشل، تستمر المشكلة طالما أن الاعتقاد قائم، لذا يلزم توفير العوامل والمقومات متى ما أرادت المنظومات القيام بالأعمال والمضي قدمًا للتطوير.

إن المقومات والعوامل الأساسية للنجاح تتلخص في:

– التخطيط: ويعتمد التخطيط السليم على إحصاءات دقيقة ورؤية واضحة، ورسالة ترسم الطريق لتحديد الرؤية، وأهداف متعددة للسير على طريق الرسالة مبنية على قيم وضرورات، ومبادرات لتحقيق كل هدف. أيضًا، يتضح للكل غياب ربط الأعمال ببعضها، فأعمال المنظومات مازالت (كل واحدة منها تعمل على حدة) ولا يوجد ترابط بين الأعمال.

– صناعة القرارات: يجب أن يكون صنع القرارات من مراكز تطوير وبحوث ودراسات، فلن تقوم قائمة لمنظومة أعمال لا تستفيد من جامعاتها ومراكز التطوير والدراسات، فنحن من (خدّر) الجامعات ونحن من استعان بالشركات الأجنبية لبناء خطط استراتيجية محددة مسبقاً من قِبلنا، بل إن بعض القرارات تصدر من اجتماع أو ورشة عمل صغيرة يناقش فيها موضوع مهم.

– تعيين الكفاءات: ما زال تعيين الكفاءات مبنيا على التوصيات، ولا تستخدم معايير أساسية لذلك، بل إن أشخاصا خدموا في أعمال لعشرات السنين وآثارهم فاشلة عند قياس المؤشرات الأساسية، ومع ذلك تجدهم يرّقون إلى مناصب عليا. هناك معايير تستخدمها الدول المتقدمة لتعيين الكفاءات للمناصب العليا، وهذه المعايير أثبتت نجاحها في كثير من التجارب.

– تطوير المهارات الإدارية المستمر: تخلو المملكة وتخلو المنظومات القائمة من برامج التطوير المستمر للمسؤول، فلا تجد مسؤولاً كوكيل وزارة أو مدير عام يلتحق ببرامج التدريب التنفيذية والمتوفرة في أفضل الجامعات العالمية، هذه البرامج مدتها من ثلاثة أشهر إلى تسعة أشهر، ولكنها مكثفة وتركز على تطوير الأعمال وإدارة المخاطر وبناء الفكر الاستراتيجي وغيرها من المهارات. أيضًا، لا تجد مسؤولاً يلتحق بانتداب بالعمل في دول أخرى، فمثلاً لا نجد مسؤولي البلديات يعملون -كانتداب- مع بلديات اليابان وأستراليا وغيرها في برنامج تطويري لمدة سنتين للشخص فيرجعون بفكر مختلف ومتطور واطلاع على آليات الأعمال.

– الأنظمة وإدارة المشروعات: تطوير الأنظمة يضمن الانضباط والاستمرارية، ويستطيع الشخص غير المتخصص استنتاج غياب الأنظمة بمجرد النظر لصور غرق شوارع جدة وتحول أنفاقها إلى برك سباحة. إدارة المشروعات تشمل الهندسة والمعايير والسلامة وإدارة الجودة وإدارة العقود.

– الحوكمة والنزاهة: أخيرًا الفساد لا يمكن أن يتكاثر في منظومة ناجحة تجد فيها بعض المؤتمنين يمارسون الفساد بأنواعه، ففساد مسؤول بلدية أو كاتب عدل ومن هم بمستويات عالية يعكس علامات فساد كبير جدًا، فالفساد لا يوجد في أي منظومة ناجحة.

جدة بحاجة ماسة وسريعة إلى شركات عملاقة (أجنبية) استشارية وهندسية وتنفيذية، وهيئة “مراقبة فساد” (أجنبية) تراقب الأعمال، جدة كبرت وتعّقدت وبحاجة إلى دراسة تفصيلية عميقة تخرج منها توصيات دون وصاية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.