شرق أوسط جديد

middle-east

موقع إنباء الإخباري ـ
دمشق ـ سمر عبود:

سأقص عليكم حادثة، ربما ستوضح الكثير من الأمور. بالأمس طُرح اقتراح روسي على القيادة السورية التي أعلنت ارتياحها له. طبعا كان قد نوقش في موعد سابق، بكل تفاصيله الصغيرة.

أمريكا أبدت تحفظها ـ نوعاً ما ـ واليوم، الصحافة الاسرائيليه أبدت تحفظها ـ هي الأخرى ـ وامتعاضها الشديد، فهل تعرفون ما السر  وراء هذا؟ إنها حادثة صغيرة كما أسلفت.

في أواخر الثمانينات، عيّن شخص اسمه ادوارد جرجيان سفيراً لأمريكا في سوريا، وقبيل رحيله إلى سوريا، قابل “وزير الدفاع” الإسرائيلي حينها، إسحاق رابين، وأخبره بأنه قد عُين سفيراً في سوريا، فقال له: احذر فإنك ستكون عند أكثر قادة العرب ذكاء، فكلما سنحت له الفرصة وأغفلت عن ثغره، سيعرف كيف يخرج منها.

عند نهاية عمله كسفير، أخبر جرجيان الحادثة للسيد الرئيس الراحل حافظ الأسد، فابتسم حينها وقال له: هذا هو الشيء الوحيد الذي صدق به رابين.

هذا الشبل من ذاك الأسد، فعلى مر سنتين وأكثر، أثبتت القيادة أنها من أكثر القيادات حكمة، هذا فضلاً عن أن الجيش السوري أذهل العالم بقدراته، لذا فإن تخوّف العالم من الاقتراح بالأمس ينبع من الأسباب المذكورة أعلاه.

إن اللبيب من الإشارة يفهم

بعد هذه المقدمة أعود إلى ما انتهيت إليه في مقالي السابق، أنه لن يكون أي عدوان على سوريا، وقد بات جلياً اليوم ان العدوان لن يحصل.

كانت الأحداث خلال الاسبوع المنصرم سريعة جداً في ظل التصريحات المتعاقبة والكثيرة للرئيس الامريكي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري وكبار المسؤولين الأميركيين الذين حرصوا طيلة الوقت على التأكيد أنهم يريدون العدوان على سوريا.

في البداية قالوا إن العدوان سببه استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري وخلت أنهم على وشك ذرف الدموع من شدة التاثر بالحدث.

لكن فات أوباما أن يستمع للصحفيين الإيطاليين الذين كانوا قد اختطفوا على يد المسلحين وأطلق سراحهم بالأمس، فلدى عودتهم إلى إيطاليا قالوا إنهم استمعوا إلى الجماعات المسلحة وهم يعترفون باستخدام الأسلحة الكيماوية.

صحفي ايطالي: المعارضون السوريون “عاملوني مثل الحيوانات”، كان خاطفونا ينتمون إلى مجموعة تقول إنها مجموعة اسلامية، ولكن الحقيقة إنها كانت مكوّنة من مجموعة من الشباب المشوشين الذين انضموا للثورة فقط لأن الثورة أصبحت ملكاً لمثل هذه الجماعات التي يمكن أن توصف بأنها تقف على منتصف الطريق بين اللصوصية والتعصب الديني.

“انهم يتبعون كل من يعدهم بمستقبل أفضل ويزودهم بالسلاح ويغدق عليهم الأموال التي يستخدمونها في شراء الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والملابس الجديدة”.

“إن هذه هي المجموعات تحظى بثقة الغرب، ولكنها في الواقع تسترزق من الثورة” بالاستيلاء على الأراضي وخطف الناس من أجل الفدى التي يملأون بها جيوبهم”.

“الخاطفون لم يكونوا مهتمين سوى بالمال والسلاح، وكانوا يقضون أيامهم مستلقين على المرتبات يدخنون ويشاهدون الأفلام المصرية القديمة أو برامج المصارعة الامريكية على التلفاز”.

“حتى الأطفال والكهول كانوا يحاولون إيذائنا. ربما أتكلم باخلاقية مبالغ بها، ولكن الانطباع الذي كوّنته عن سوريا أنها بلد الشر.”

هذا فضلاً عن أنه نُشر بالأمس تقرير من الأمم المتحدة يقول إن المعارضة قد قامت بجرائم حرب، وهي تقتل وتذبح. وبحسب موقع روسي فقد أكدت الأمم المتحدة أن الفيديوهات التي نشرتها الإدارة الأمريكية لتأكيد استخدام الكيماوي هي مفبركة وغير حقيقية.

هذا يقول إنه لا توجد أي قرائن تدين سوريا باستخدام الكيماوي، سوى كلمة من فم من قالها في السابق فاتضح أنها كذب.

لقد بدأت الأمور تتجلى شيئاً فشيئاً، وقالها أوباما موخراً في مقابلة تلفزيونية، عندما أكد انهم أرادوا على مدار سنوات التخلص من التهديد الكيماوي الكامن في سوريا، وأن هذا السلاح هو تهديد لأمريكا ولحليفتها إسرائيل. وفي خطابه الأخير  قال جملة من العبارات المتناقضة التي أكثر ما يقال فيها إنها بائسة لا تشفي العليل من مرض ولا تعطي أي دليل على التهمة التي نسبوها لسوريا، وهي استخدام السلاح الكيماوي، سوى: نحن نعلم.

بعدها عمل أوباما جاهداً على كسب تأييد للعدوان من الدول الكبرى التي كان من الواضح أنها تعارض، فبريطانيا صوتت بـ “لا”، وفرنسا قالت إنها لن تدخل بمفردها. وبعد هذا أتى العمل الذي قال للعالم إن هنالك في سوريا شباباً واعياً قد نذر نفسه، ولو بكلمة يراها نوعاً من حربه ضد الظلم. أطلق هؤلاء الشباب حملة تعليقات على صفحات الكونجرس، وقاموا بمراسلة أعضاء الكونجرس بشكل يومي، وتباعاً مراسلة البيت  الأبيض وصفحة الرئيس الأمريكي على الفيس بوك، موجهين بهذا رسالة قوية من الشعب مفادها أن بشار الأسد ليس كما يصفه الإعلام الغربي، بل على العكس تماماً، وتحدثوا عما عانوا منه على مدار السنوات الأخيرة في ظل عصابات إرهابية مسلحة عاثث في الأرض فساداً، دمّرت وقتلت وذبحت، ولم تترك شيئاً من ذكرى الماضي. باتت الامهات في البيوت تكتب للرئيس الأمريكي، تحدثه عن خوفها على أطفالها، وأنا كنت من بين هؤلاء الذين تابعوا الإحصائيات على التصويت في الكونجرس، لمعرفة  لصالح من ستذهب الآراء وأراسل الأعضاء بشكل يومي، أكتب المقالات وأعمل على ترجمتها ونشرها ليرى العالم ما يحدث في سوريا. وانطلقت حملة “على أجسادنا” التي حازت على اهتمام عالمي، وهي حركة غير حزبية ترمي إلى حماية المنشآت العسكرية بواسطة دروع بشرية.

في بطرسبورغ حاول الرئيس الأميركي تمرير مشروع العدوان وحشد التأييد له، ولكن المفاجأة أتت كضربة قاصمة لظهر أوباما، فبعد سعي مستميت ليحصل على الدعم الكافي للبدء بالعدوان، فاجأت روسيا العالم وقالت إن هنالك مقترحاً مفاده أن سوريا ستضع قسماً من الأسلحة الكيماوية تحت الرقابة الدولية، بشروط ستناقش لاحقاً طبعاً.

لم يعرف أوباما كيف يواجه اقتراحاً كهذا، فها قد انهارت كل الأسباب التي بني عليها مشروع العدوان على سوريا، فبدى مشككاً بنيّة سوريا وضع كل الأسلحة تحت الرقابة، ولكنه قال إنه سيعطي للمفاوضات حقها، وأرجأ التصويت في الكونجرس.

وهنا أعود إلى ما ابتدأت به: نحن نستطيع أن نغرق بالتفاصيل لحد أننا قد تنسى ما أردنا وننسى على ماذا نبحث. نحن نجيد الرقص على الهاوية، ولا نسقط إلا فوق جثث أعدائنا.
تذكروا هذا لتعرفوا من تواجهون. إنها جولة فازت فيها السياسة السورية. لم تكن يوما سوريا دولة عظمى، لم يعطَ لها الحق بتقرير مصير شعوب ولا حق الفيتو، ولا تمتلك قواعد عسكرية في كل بقاع الأرض، لكنها بلا شك نجحت في أن تخط اسمها في سجل العظماء ونجحت في بداية رسم شرق أوسط جديد يخلو من السيطرة الأمريكية والعنجهية التي كانت على سائدة على مر العصور.

فهنا تقف دولة في العالم الثالث، تواجه بوارج وسفن وتهديدات، وعلى شفتي الرئيس ابتسامة النصر واضحة، فماذا قال الرئيس حين سأله المذيع: ولكنكم خرقتم الخط الأحمر؟
قال له الرئيس: لم اعرف عن أي خط تتحدث؟
فعاد المذيع ليقول له: الخط الأحمر.
فاستطرد الرئيس السوري قائلاً: هذا خط رسمه أوباما وهو يستطيع أن يرسم خطوطا كما يشاء في بلده.

وحين استفز المذيع الرئيس بقوله لقد استبشر العالم بك كونك كنت شاباً متعلماً، والآن يقال عنك إنك جزار، فكان الجواب: من تقصد بالعالم، هل تقصد الدول الأجنبية أمثال أمريكا، فإن كان هذا قصدك، فهم أرادوني منسلخاً عن عروبتي، وأنا اخترت العكس، أنا لست جزاراً، أنا كالجراح الذي يعالج المرض.

كونوا على ثقة أن الأمور لم تنتهِ بعد، لكن سوريا استطاعت أن تنتصر دون حرب انتصاراً استراتيجياً يحسب له، وهذا تستطيع أن تراه من ردة فعل العدو الإسرائيلي والإرهابيين الذين علّقوا آمالهم على أمريكا والعالم بأسره.

رأيي أن سوريا هي التي وضعت النقاط على الحروف، والأيام القادمة أو السنين القادمة سوف تثبت لكم جميعاً أن سوريا هي من خرجت منتصرة من هذه الجولة، وأنه ابتدأ عصر جديد مع شعب عظيم وجيش عظيم وقائد عظيم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.