صراع أمريكا – إيران … في الزمن وعليه

hassan-choukeir-usa-iran

موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير:  
يمكن لنا، وبكل جرأة، أن نصف الصراع الدائر اليوم بين محور الممانعة والمقاومة وعلى رأسه إيران، مع بعض ٍمن دول تحالف العدوان على سوريا، وعلى رأسهم أمريكا ، بأنه صراع في الزمن وعليه في أنٍ معاً ..
هو صراعٌ في الزمن، كون هذا الأخير يضغط في الإتجاهين، ففي حين أن إيران، ومعها أطراف الممانعة قد دخلوا، ومنذ انطلاق ما سمي بربيع العرب، في زمنٍ يناقض تماماً لما كانوا يأملونه من ذاك الزمان الذي انبثق عن نصر المقاومة في آب من العام ٢٠٠٦ على الكيان الصهيوني، مضافاً إلى تباشير الإنتصار – والتي كانت قد بدأت تلوح في الأفق في نهايات عهد بوش الإبن وبدايات عهد أوباما – على الإحتلال الأمريكي في العراق، والذي اراده المحور الممانع  تراكمياً في نتائجه على صعد متعددة، إن سياسياً أو إقتصادياً، أو حتى ثقافياً وتعبوياً، وذلك على صعيد المنطقة العربية والإسلامية بأسرها ..إلا ّ أنه – ومع الأسف – قد تحول بعدها هذا الزمن، مع ربيع العرب الموعود، إلى زمنٍ يعاكس كل ما كان مأمولاً لديه …
هذا في زمن الإتجاه الأول – أي لدى محور الممانعة – أما فيما يتعلق بزمن أمريكا ومعها الكيان الصهيوني، ومعهما بعضٌ من دول وأطراف تحالف العدوان على سوريا، فهو أيضاً لم يكن وردياً تماماً عليهم – و كما يتصور البعض – وذلك على الرغم من أن سمته الظاهرية، تبدو وكأنها تلعب لصالحهم، إلا أن التحديق في هذا الزمن اللاحق لكلا الحدثين  –  نتائج حرب العام ٢٠٠٦ وتباشير الهزيمة الأمريكية في العراق – يُدلل على أن هذا الزمن هو أيضاً كان وبالاً عليهم، وعلى مجمل الأصعدة…
فعلى الصعيد السياسي، بدأت أمريكا تتخفف رويداً رويداً من التزاماتها المباشرة تجاه حلفائها في المنطقة، وهذا برز بشكل جلي، حول الآليات الجديدة التي بدأت تروج لها  هذه الإمبراطورية في كيفية الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني، وذلك باستراتيجيات بعيدة عن الحماية المباشرة له، الأمر الذي  سبب أزمة حقيقية معه، وذلك تحت عنوان نووي في ظاهره، وكذا الأمر بالنسبة لبعض من حلفائها في الخليج.. وهذا بحد ذاته كان مؤشراً على بدايات التراجع الأمريكي في المنطقة، والذي عزّز هذا الاعتقاد أيضاً وأيضاً، انطلاق المفاوضات النووية، ما بين أمريكا وإيران، وذلك ضمن منظومة الخمسة زائد واحد، مع إصرار أمريكي على الوصول إلى نتائج تراكمية لهذه المفاوضات، على الرغم من جملة الإعتراضات الصهيونية وبعض الخليجية عليها ، وذلك دون أن نغفل – كما غفل البعض – عن ذاك  الإنتصار الإيراني الأولي في  بدايات التفاوض ، وذلك تمثل بفصل الملف النووي الإيراني التفاوضي عن أي التزام آخر حول دور إيران الإقليمي، أو على صعيد موقع الكيان الصهيوني وأمنه المنشود،  والمطالب دوماً،  بأن يتربع في قلب أية صفقة أو أي اتفاق محتمل…
لم يكن ثقل الزمن على المقلبين، مقتصراً على هذا الميدان السياسي فقط، إنما تبلور بشكل أساسي في ميدان الرهانات المتقابلة، ففي حين أن إيران كانت تأمل في الزمن اللاحق للحدثين المفصليين والمذكورين أعلاه، بأن يستقر العراق الواحد الموحد،  بوجهه الممانع الصرف، وذلك دون أية انقسامات داخلية، عامودية كانت أو أفقية، وراهنت أيضا ً على تعزيز محور الممانعة، إنطلاقاً من عراق ما بعد الإنتصار، وصولاً حتى سوريا فلبنان، حتى فلسطين بوجهها المقاوم، مدعومة بتكاتف حقيقي من تركيا – المنتفضة في حينه، والمتكاتفة مع محور الممانعة بوجه المشروع الصهيوني، الأمر الذي كاد يُشكل – لو اكتمل – فرصة حقيقية لإضفاء الصبغة الإسلامية الجامعة حول قضايا الصراع العربي الصهيوني، وفرصة حقيقية لوأد مشروع الفتنة المذهبية في المنطقة، وذلك في مهدها، هذا إضافة إلى أن هذين الحدثين العظيمين أيضاً، كان المأمول الإستراتيجي منهما أن يساهما بجد في  وأد ما يُسمى بعملية السلام مع الكيان الصهيوني نهائياً… ولكن ما حدث بعدها كان عكس ذلك تماماً …
هذا لا يعني بالتأكيد  أن أمريكا ومعها تحالف العدوان على المنطقة، قد أحل الزمن المعاكس لمحور الممانعة، زمناً  منعماً عليهم، وذلك إذا تخطينا الجانب الإستنزافي، الذي يعول عليه كل هؤلاء. والسبب في  ذلك يُظهر بأن العراق المدمى بالإرهاب ، هو لغاية اليوم لا يزال مدموغاً بدمغة الممانعة، ومشروع أمريكا في أقلمته يعيش مأزقاً حقيقياً ، وذلك بفعل الإستراتيجية المعاكسة التي تسير بها إيران وقوى الممانعة في كيفية مواجهتهم للدواعش، ولمخططات أمريكا التفتيتية فيه، بحيث أننا فصلنا في ذلك سابقاً، وبشكلٍ مطول .. وبالتالي فإن زمن العراق اليوم، هو زمن الحسرة لدى أمريكا وحلفائها، والتي يعبر عنها جنرالات وسياسيو أمريكا من التطورات الأخيرة والمرتقبة فيه …
في سوريا، لا يختلف زمن الخيبة الأمريكي عما سبقه في العراق، فمع بداية العام الخامس للحرب عليها، ها هو جون كيري بالأمس يعود مجدداً  للحديث حول ضرورة التفاوض مع الرئيس الأسد – وإن ربط ذلك بممارسة الضغوط عليه للوصول إلى ذلك – وهذا الكلام، وإن كنّا لا نعول عليه كثيراً، إلا أنه يُدلل على مدى اليأس الأمريكي وبعض العربي ومعه الإرهابي من إحداث أي اختراق في سوريا، لا بل أن مسار التطورات فيها  يشي بأن القرار المتخذ لدى محور الممانعة فيها، بالتكافل والتضامن مع الميدان العراقي الحالي، والميدان اللبناني اللاحق، وبعد تيئيس الإستنزاف فيها، وتحويل التهديد فيها إلى فرصة لصالح الممانعة، وعلى الصعد كافة … كل ذلك وأكثر يشي بأن زمن سوريا الموعود لدى أمريكا وتحالف العدوان معها  قد أصبح هباءً منثوراً …
أما في لبنان، فلقد اعتقدت امريكا، ومعها الكيان الصهيوني، أن الإرهاب الذي وُضع أمام المقاومة، وذلك كرافعة للإستراتيجيات الصهيوأمريكية الفاشلة في إضعاف المقاومة، والتي بيّنا الكثير من استراتيجياتها في تلك الفترة التي تلت الحرب – الفيصل في العام ٢٠٠٦، وما كان يخشاه الكيان الصهيوني من كسر للتوازن العسكري، قد أصبح شيئاً من الماضي في زمن الفكاك من قواعد الإشتباك وفتح الجبهات بعضها على بعض..
أما في الساحة الفلسطينية، فلقد أثبتت التطورات، ابتداءً من حربي الكيان الصهيوني على قطاع غزة، في العامين ٢٠١٢ و٢٠١٤، وما رافقهما ولحقهما من مفاجآت عسكرية وسياسية للمقاومة  أيضاً.. لا بل أن الندوبات التي حصلت ما بين رأس الممانعة وبعض من أطياف المقاومة الفلسطينية، لهي اليوم في طريقها إلى المداواة، الأمر الذي  أسقط معها مجدداً زمن دق الأسافين الأمريكوصهيونية بينهما… هذا كله دون أن نغفل عما حل ويحل اليوم في زمن التفاوض الفلسطيني – الصهيوني، والمتعثر على كافة الأصعدة.
خلاصة القول، يبدو أن الزمن المصاحب لبداية العام الخامس للحرب الكونية على سوريا والمنطقة، قد دخل في زمن التسابق عليه، ففي حين أن أمريكا ومعها الكيان الصهيوني وباقي دول تحالف العدوان على المنطقة يسابقون تسريع الزمن الذي تديره إيران وأطراف الممانعة في ميدان الساحات الثلاث (العراق، سوريا، لبنان) دون أن نغفل تسريع الزمن اليمني أيضاً، وذلك كله بغير ما يشتهيه كل أولئك في التحالف المقابل، والذي يرفع الرأس الأمريكي فيه هذه الأيام، شعاراً يسميه “الصبر الإستراتيجي”، وما يعنيه ذلك مما أسميته يوما ً، بأنه مطلبٌ لجعل الحرب على داعش “حربٌ مديدة”، وذلك  في سبيل خدمة الإستراتيجيات الكبرى والصغرى لأمريكا والكيان الصهيوني على حد سواء…
لا يتسع المقام هنا للتفصيل في شرح الدواعي الإضافية لإبطاء الزمن الأمريكي في ما تدعيه أمريكا من محاربة الإرهاب، والذي يجاريها في المقلب الإرهابي، بنشر مكثف لثقافة الدعشنة في المناطق المسيطر عليها لدى الكثير من الشرائح المجتمعية هناك.. ولكن تكفي الإشارة هنا إلى تصريحات سابقة لأوباما، حول “وجوب منع قيام نماذج حزب الله في المنطقة” والتي سبقها أيضاً، تصريحات لموشيه يعلون حول ضرورة “قتل الأعداء بأيدي الأعداء” معطوفة على تصريحات لبني غانتس مؤخراً ، والتي أشار فيها إلى “ضرورة إبقاء الحرب على داعش ضمن المربع الأول” وذلك لضمان عدم انتقالها إلى المربع الثاني مع الكيان الصهيوني …. فإن ذلك كله يُسهّل علينا الفهم الحقيقي لذاك السباق الزمني الحاصل اليوم ..
بكلمة واحدة، يبدو أننا في الربع الساعة الأخير من المعركة، فأي زمنٍ سيسابق الذي سيليه؟
إنه بإختصار الوجه المخفي للصراع ما بين إيران وأمريكا، وبغض النظر عما تحمله الأيام النووية القادمة معها من مفاجأت.
باحث وكاتب سياسي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.