“علويو تركيا” قد يقلبون الطاولة على أردوغان

erdogan

موقع ناو ليبانون الإخباري ـ
وهيب معلوف:
كان الملف السوري الملف الأكثر إلحاحاً الذي حمله رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الى واشنطن أثناء لقائه الرئيس الاميركي باراك أوباما  يوم الخميس من الأسبوع المنصرم. ذلك أن تركيا، وفقاً لبعض المحللين والباحثين، لم تواجه تهديداً بهذا الحجم الذي تمثله الحرب السورية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما طالب جوزيف ستالين بأراض من الأتراك.

بعد أشهر على بدء الانتفاضة السورية في آذار 2011، قررت تركيا التي استنفدت محاولاتها مع نظام بشار الأسد للتوصل إلى حل سياسي للأزمة، قطع علاقاتها بالنظام السوري، وبدأت بدعم مجموعات المعارضة السورية الساعية للإطاحة بالنظام. لكن الى الآن، فشلت هذه السياسة، كما يلاحظ الباحثان سونر كاغابتاي وجيمس جيفري، وعرّضت تركيا لمخاطر متزايدة، آخرها التفجيران في الريحانيّة في لواء الاسكندرون و”التي على الأرجح تقف وراءها قوات موالية للأسد رداً على الدعم التركي للثوار السوريين”.

في تركيا أقلية علوية عربية يصل عددها وفقاً لبعض التقديرات الى مليون شخص، حيث أبناء جلدتهم في سوريا، يدعمون بغالبيتهم نظام الأسد ضد الثوار بغالبيتهم السنّية. يهدّد هذا الصراع الطائفي بالتسرّب عبر الحدود الى تركيا، واضعاً الثوار السوريين والاتراك السنّة في مواجهة العلويين الموالين للأسد، خصوصاً في محافطة هاتاي حيث تتمركز الجماعة العلوية. وكان لافتاً ورود تقارير من تلك المنطقة عن وضع سكان سُنّة علامات بالطلاء الأحمر على أبواب منازل بعض العلويين.

كما أن الحرب في سوريا أعادت تنشيط المجموعات الماركسية المسلّحة في تركيا التي تعارض بشدة أي سياسة حكومية ترى أنها تخدم “المصالح الامبريالية للولايات المتحدة”، وهي قامت بالفعل بشنّ عدد من الهجمات، بينها هجوم على السفارة الأميركية في أنقرة في 2 شباط 2013. وتفيد تقارير إعلامية تركية بأن هذه المجموعات الماركسية، بالتعاون مع عناصر من نظام الأسد، قد تكون وراء هجوم 11 أيار في الريحانيّة والذي راح ضحيته 51 شخصاً.

كل هذا يتعارض كلياً مع خطة أردوغان لتثبيت الحكم المدني والاستقرار الداخلي وصولاً الى الانتخابات الرئاسية عام 2014، وهو أمر نجح فيه عبر دخوله في “مسار سلام” (كما يسمّونه في تركيا)  مع “حزب العمال الكردستاني” وزعيمه عبدالله أوجالان. وينطلق أردوغان من قناعته بأن عدم حصوله على مساعدة أميركية أكبر ضد نظام الأسد قد يجعل من تركيا الخاسر الأكبر في سوريا، ما سينعكس أيضاً سلباً على حظوظه في العودة الى الرئاسة في انتخابات 2014.

ثمة اعتقاد في أنقرة بأنه اذا لم يحصل الآن تعديل في ميزان القوى لصالح الثوار السوريين، فإن النزاع السوري سيتحوّل الى حرب أهلية طائفية طويلة الأمد ستُدخل محافظة هاتاي، ومعها باقي تركيا، في حالة خطيرة من الاضطراب السياسي والأمني. وقد لا يقتصر الاضطراب على الأقلية العلوية العربية، إذ قد يمتد الى الأقلية العلوية التركية التي تختلف اثنياً وعقائدياً مع الفئة الأولى. وفقاً للباحث ديفيد شانكلاند، يصل عديد الأقلية العلوية التركية إلى 10.6 ملايين، أي 15 % من اجمالي عدد السكان، وهم في غالبيتهم الساحقة معارضون لسياسة أردوغان في سوريا. وسبق أن لحظت شبكة “سي أن أن” الاخبارية الأميركية أن الحرب في سوريا، وفي حال اكتست طابعاً طائفياً بالكامل، ستصل شرارتها الى الأقليتين العلويتين داخل تركيا، رغم عدم تجانسهما عقائدياً واثنياً. إلا أنهما يتشاركان بتاريخ من اضطهاد الغالبية السُنية ووعي أقلوي لا ينفك يُترجم سياسياً.

على هذه الخلفية، يحاول أردوغان إقناع واشنطن بخطته القديمة في فرض منطقة حظر جوي في سوريا تشرّع تسليح المعارضة وتمكّنها من السيطرة الفعلية على بعض المدن في الشمال السوري، خصوصاً على حلب. وثمة أصوات داخل الرأي العام الأميركي ( مثل كاغابتاي وجيفري) تتوافق مع أفكار أردوغان وتدعو الحكومة الأميركية لمساعدته انطلاقاً من نظرة الولايات المتحدة لتركيا “كواحدة من الركائز القليلة المستقرّة للقيم الغربية في المنطقة”، وبأن “مشاركة أميركية أكثر حسماً ستنهي الشكوك حول التزام أميركا بسوريا، وفي الوقت نفسه ستنقذ تركيا من الانجرار أكثر الى النزاع السوري”.

لكن ما يبدو الى الآن هو ان التباين بين السياستين التركية والأميركية حيال الأزمة السورية ما زال كبيراً وقائماً، في ظل عدم استعداد واشنطن خوض حرب جديدة قد تغرق المنطقة بأكملها في الفوضى الأمنية، ولا تزال تفجيرات الريحانيّة ماثلة في الأذهان. لذلك، فمن المتوقع، والحال هذه، أن يزيد أردوغان من تمسّكه بموقفه ومن إنخراطه في الحرب السورية، بحيث بات مصيره السياسي (وربما مصير حزبه “العدالة والتنمية”) معلقاً، الى حد كبير، على نتائجها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.