على هامش اجتماع سماحة الأمين العام بالأستاذ هيكل

shaker-shubair

موقع إنباء الإخباري ـ
د. شاكر شبّير:
تصريح الأستاذ محمد حسنين هيكل بأنه يناقش مع سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مواضيع استراتيجية تدفع باتجاه سيناريوهات النقاش الذي يقوده هيكل منذ الستينات، وهو يثير بعض المخاوف! فقد ارتبط اسم هيكل باسم الرئيس جمال عبدالناصر، وهو ما يعطيه قوة أخلاقية ومعنوية في جمهور الأمة تتجاوز التقويم الموضوعي لأحكامه التي يصدرها.

لدينا في الرؤية التاريخية نرى في أن سقوط غرناطة هو نهاية الكيان العروبي والإسلامي في اوروبا. ولو لم تسقط غرناطة لتغيّر وجه التاريخ!

 

حسنین هیكل يلتقي السید نصر الله مرتین في بيروت

الأمة تقدر لحزب الله التضحيات التي يقدمها بنفس راضية من أجل منع راية المقاومة في غرناطة العصر من السقوط. المرتبطون بالمشروع الصهيوني ومرتزقتهم وأصحاب المصالح المرتبطون بالاستعمار هم فقط من يرفعون الأصوات محتجين، وعدم النظرإلى ما يقولون ناجم عن حقيقة أنهم أصلاً يعبّرون عن مشاريع مخلب قط للاستعمار والصهيونية وليست مشاريع في مصلحة الأمة! أين مصلحة قطر أو السعودية في الفتنة التي تجري على ارض الشام؟

هناك من كتب عن الفرق بين عبد الناصر رحمه الله وسماحة الأمين العام وركّز على العامل الجغرافي، واعتبر أنه نقطة قوة للرئيس جمال رحمه الله وأنه نقطة الضعف لدى سماحة الأمين العام! هذه مقارنة لم تتفحص الموقف بشموليته؛ فقوّة عبد الناصر كما قوة سماحة الأمين العام هي في موقف الجماهير منهما، فكلاهما نجحا في استقطاب كتل الجماهير الحرة، أي غير المرتبطة بمشروع ما أو مصلحة ما، حيث أن بوصلتها هو حسها لموضع مصلحة الأمة.

إن التجربة الناصرية هي تجربة ماثلة للعيان، وبالتأكيد استفاد منها حزب الله. هذه نقطة لم يتطرق لها الكاتب. وكذلك قوة وتفوق المنظومة الناعمة لحزب الله، عنها لدى الرئيس جمال عبدالناصر رحمه الله. فكان عبد الناصر يتحرك اساسا من خلال رؤيته. وقد كان هيكل ضمن المنظومة الناعمة للرئيس جمال عبدالناصر. وقد ظهرت خصائص دوره في المنظومة الناعمة. وقبل أن أدخل في هذا أود أن أميّز بين مفهوم الصحافي ومفهوم المختص في الدراسات الاستراتيجية.

إذا اعتبرنا أن الخبر هو أي معلومة تتعلق بأحداث أو ظواهر، فالصحافي هو من يوثّق الأحداث أو الظواهر. ويمكنه أن يربط هذه الأحداث معاً. لكنه يبقى ربطا بين تراكيب الطبقة الخارجية (Press deals with the Syntax of Events). الدرسات الاستراتيجية تتناول معنى هذه الأحداث ودلالاتها ( Strategist deals with the Semantics of events). لنأخذ مثالاً خارج أمتنا، حتى تسقط الحساسيات في الموضوع؛ وليكن استرداد الأرجنتين جزر الفوكلاند ثم استرجاعها من قبل بريطانيا.

يتناول الصحافي الموضوع بشرح الأحداث، وكيف قام المجلس العسكري باسترداد جزر الفوكلاند، بل ويذهب لربطها بعلّة مثل رفع شعبية المجلس العسكري لدى الشعب الأرجنتيني. وقد يتناول بالتحليل احتمالات ردة الفعل البريطانية. وعندما كانت تاتشر حازمة لاستردادها، يتناول الصحافي التحركات، والمساعدات التي قدمتها إدارة الرئيس ريجان لمساعدة بريطانيا.

أما الاستراتيجي فيتناول الموضوع من زاوية عميقة وغير منظورة صحافياً، وهو أن الطغمة العسكرية ما كانت لتقوم بالعملية برمتها دون أمر من الإدارة الأمريكية (على اعتبار أن السي آي أيه هي جزء من الإدارة الأمريكية)! وهي خطوة تأتي في السياسة الأمريكية للإحلال محل الامبراطوريات المندثرة. وما كانت الإدارة الأمريكية تتوقع ردة الفعل هذه من تاتشر. وعندما رأت ردة الفعل هذه كان أمام الإدارة الأمريكية أحد حلّين: إما أن تضحي بالحليف البريطاني أو بالطغمة العسكرية في الأرجنتين. وكان قرار الإدارة الأمريكية أن تساند تاتشر وتسجل عليها نقاطاً، فقامت بالمساعدة في الإمدادات (اللوجستيكية).

كأساس للبيانات الحقلية، لفنرجع لأحاديث هيكل نفسه التي جاءت على قناة الجزيرة قبل فترة. ذكر الأستاذ هيكل أحداثاً مثل صعوبة نزول الطائرة التي تقل الرئيس جمال عبدالناصر، ولم يعلق عليها إلا من باب الأحداث الصحفية، ولم يساوره أي شك في احتمال كونها محاولة اغتيال فاشلة، وأن الله قد سلّم الرئيس جمال عبد الناصر من الاغتيال. ولو تم تحقيق يتعلق بهذا الأمر ربما لأعطتنا خارطة لجهات متآمرة على الأمة.

وهناك حادث آخر في مطار الخرطوم ذكره هيكل؛ فبعدما وصل الرئيس عبدالناصر كان في استقباله الرئيسان الأزهري ومحجوب. وما أن نزل الرئيس عبدالناصر رحمه الله حتى قال له الأزهري أو محجوب إن طائرة الملك فيصل في الجو، وليس لدينا الوقت لتوصيلك للفندق والرجوع لاستقباله فما رأيك أن ننتظر نزول طائرة الملك فيصل ونذهب معاً. نظر عبدالناصر رحمه الله لهيكل، فلم يعطه جوابا. فوقف عبدالناصر. لكن بعد فترة أتى صحفي مصري من الخارج وأخذ يصرخ أين الرئيس لماذا لم يخرج “الحماهير منتظراه” من الأمس.

فوجدها الرئيس عبدالناصر رحمه الله فرصة ليخرج من المأزق الذي تم وضعه فيه. وبالفعل خرج عبد الناصر، وكانت الجماهير في انتظاره، وحملت سيارته وأتى بعده فيصل ليتفرج ودون أن يكون جزءاً من الموكب، يتفرج على الجماهير السودانية وهي تعبر عن عشقها لعبد الناصر! هذا الوضع في مطار الخرطوم لا يمكن أن يكون مصادفة، والسعوديون محترفون في اللعب البروتوكولي. وهذا يعطي دلالة أخرى أن الأزهري ومحجوب متواطئان في العملية. هذا التحليل الاستراتيجي يتطلب تعاملاً حذراً من قبل فريق الرئيس جمال عبد الناصر مع الأزهري ومحجوب قبل وأثناء المؤتمر الذي عقد في الخرطوم، وهو ما لم يتم لعدم إعطاء حادثة مثل حادثة المطار معناها العميق، أي البعد الاستراتيجي.

لا شك أن هيكل صحفي متميز، وكيف لا يكون صحافياً وهو مرتبط بأعلى مستويات القرار في الأمة ممثلاً بزعامة الرئيس عبدالناصر؟! لكنه كاستراتيجي لا بد من الحرص عند الأخذ منه، كما رأينا في الأمثلة التي سردها هو، والتي ذكرنا مثالين منها. وهذه نقطة هامة لا بد من وضعها على هامش الاجتماع.

كما أنه لا بد من معرفة أن مرحلتنا الحالية التي تمر بها الأمة تحتاج إلى شجاعة واندفاعة، وهيكل متردد، فقد تجر نصيحة منه الوبال على الأمة، بالطبع دون أن يقصد ضرر الأمة! في أكثر من موقف كان هذا دأبه؛ فمثلا عندما طلب القذافي عمل وحدة مع مصر عبد الناصر، أشار هيكل إلى أنه علينا أن نتأنى حتى لا تفشل الوحدة كما فشلت تجربة الوحدة الأولى، ولم يوصِ بأي خطوة تتخذ في الاتجاه الوحدوي. هذه الصفة الترددية غير الحازمة قاتلة عند وضعها في خلفية قرارات للمرحلة الحالية، خاصة مع عدم وضوح الرؤية الاستراتيجية والوقوف عند الرؤية الصحفية.

كل هذه المخاوف وأكثر، تدور في الأذهان على هامش سماع نبأ الاجتماع بالرغم من قناعتنا بقوة المنظومة الناعمة لدي خط المقاومة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.