عملية شبعا: ردّ على التهديدات الإسرائيلية

shebaa-operation-mashine

صحيفة الأخبار اللبنانية:

بعد عملية مزارع شبعا أمس، تحوّل السؤال الإسرائيلي المركزي من «هل يردّ حزب الله على اغتيال سمير القنطار» إلى «هل يكتفي حزب الله بهذه العملية؟». الأكيد أنّ حكومة العدو أيقنت مجدداً أنّ المقاومة لن تلتزم سقوفه التي يحاول تثبيتها بالتهديد
هل تُعتبر عملية مزارع شبعا أمس رداً من المقاومة على اغتيال العدو للقائد المقاوم سمير القنطار؟ أم أن ما جرى ليس سوى بداية الرد؟ مصادر العدو الأمنية نصحت بعدم الانجرار إلى اعتبار العملية إقفالاً للحساب.
فرغم أن العدو قال إن تفجير العبوة بآليتين لجيشه لم يؤدّ إلى وقوع إصابات بشرية، إلا أنه توقف ملياً أمام تنفيذ العملية بحد ذاته: توقيتها، بعد إعلان استنفار قوات الاحتلال في المنطقة إلى الحدود القصوى وخفض التحركات إلى درجة «تصفير الأهداف» (أي منع الجنود والآليات من التحول إلى أهداف محتملة للمقاومة)؛ ومكان العملية وطريقة تنفيذها، عبر اختراق أنظمة الرصد الفائقة التطور الموجودة لدى العدو، وتسلل المقاومين إلى عمق الأرض المحتلة في مزارع شبعا، وزرع عبوة ناسفة وصفتها مصادر الاحتلال بالكبيرة، ثم رصد هدف وتفجير العبوة به.
وأبعد من «اللوجستيات»، لا بد من التوقف عند التوقيت السياسي المتصل بالسجال بين المقاومة والعدو. فبعد اغتيال القنطار، رفعت قيادة العدو العسكرية من منسوب التهديد الكلامي الذي يحذّر من أي مسّ بالجيش الإسرائيلي. وصدرت هذه التهديدات عن وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس أركانه وضباط كبار. وكان العدو يراهن على أن هذه التصريحات ستردع المقاومة عن تنفيذ عملية في مزارع شبعا وفي الجولان المحتل وعلى طول الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة. لكن عملية أمس أظهرت للعدو أن المقاومة اتخذت قرار تنفيذ عمل عسكري ضده، وعدم الرضوخ لتلك التهديدات، ما يعني أن قيادة المقاومة لم تلتزم بخطوط حمراء جديدة حاولت الحكومة الإسرائيلية رسمها بعد اغتيال القنطار. فبصرف النظر عن أن العملية لم تؤد إلى إصابات، فإن صانع القرار في تل أبيب يُدرك أن أسباباً «خارجة عن الإرادة» هي التي أنقذت جنوده من القتل أمس، وأن نية مفجّر العبوة كانت إيقاع أكبر قدر ممكن من الأذى في صفوف الهدف، ما يعني أن المقاومة ليست «مردوعة» عن تنفيذ عمليات عسكرية في وضح النهار، وأن تسارع إلى تبنيها، بهدف كسر السقف الذي يحاول العدو تثبيته بالتهديد بعد جريمته. وبهذا المعنى، تكون عملية أمس، بنتيجتها، رداً على التهديدات الإسرائيلية، أكثر منها رداً نهائياً على اغتيال القيادي في المقاومة سمير القنطار. وتتعزّز هذه النتيجة بما تسرّب من الاجتماع الأمني الذي عُقِد في تل أبيب، وكانت نتيجته الاستمرار في سياسة «تصفير الأهداف» على «الجبهة الشمالية».
جلسة التقدير الرئيسية في تل أبيب، برئاسة وزير الأمن موشيه يعلون، كما تسربت للإعلام العبري بعد ساعات على انعقادها، ركّزت على «معضلة» ما إذا كانت العبوة هي بداية الرد أم نهايته، في موازاة تأكيد الخبراء والمراسلين أنه لا يمكن التعامل مع «الحادث» وكأن «انتقام حزب الله على اغتيال القنطار، بات وراءنا».
المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، سارع في بيان للإعلام العبري في أعقاب تفجير العبوة، إلى القول إن الجيش أنهى تقديراً خاصاً وأولياً للوضع، ترأسه رئيس هيئة الأركان العامة، غادي ايزنكوت، في ضوء «الحادثة» في مزارع شبعا في الجبهة الشمالية. وأضاف البيان أن «قواتنا ردت على تفجير العبوة بإطلاق قذائف مدفعية على أهداف في لبنان. ونحن ننظر بخطورة إلى الحادثة، وما زلنا في حالة من الجهوزية العالية، لمواجهة ما هو مطلوب منا».
وبعد شائعات عمّت المستوطنات المحاذية للحدود مع لبنان عن تسلل عناصر من حزب الله إلى داخل الأراضي الفلسطينية، وأدت إلى إخلاء المدارس وإقفال الطرقات والتزام المستوطنين منازلهم، عاد الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي ليؤكد أنه «لم تكن هناك محاولة خطف جنود أو إطلاق صواريخ مضادة للدروع أو حالات من التسلل إلى الأراضي الإسرائيلية، والحادثة تتعلق بآليتين مؤللتين (جرافة دي 9 وآلية مدرعة) جرى استهدافهما، وحتى الآن لا يوجد أخبار عن وقوع إصابات (لدى قواتنا)، والحادث قد انتهى» بالنسبة إلى جيش الاحتلال.
من جهته، سارع حزب الله إلى تبني عملية زرع العبوة بالجنود الإسرائيليين. وفي بيان صدر عنه، أشار إلى أنه «عند الساعة 3:10 من بعد ظهر اليوم (أمس) الاثنين، الواقع في 4-1-2016، قامت مجموعة الشهيد القائد سمير القنطار في المقاومة الإسلامية، بتفجير عبوة ناسفة كبيرة على طريق زبدين – القفوة بمزارع شبعا اللبنانية المحتلة بدورية إسرائيلية مؤللة، ما أدى إلى تدمير آلية من نوع هامر، وإصابة من بداخلها».وتوقف المراسلون الإسرائيليون عند واقعة مسارعة حزب الله إلى تبني العملية ودلالاتها، الأمر الذي يعدّ نادراً، إن لم يكن غير مسبوق، حسب تعبيراتهم. وكشفت التقارير العبرية أن إعلان حزب الله سريعاً مسؤوليته، سبّب تجاذباً في التقديرات الإسرائيلية، بين من يرى أنها إشارة إلى أن الأمر قد انتهى بالفعل، ومن يرى أنه إشارة إلى بداية الرد لا نهايته.
وكان ضابط رفيع المستوى في الجيش الإسرائيلي قد استخدم عبارة الناطق باسم الجيش، في حديث مع موقع صحيفة هآرتس على الإنترنت، مشيراً إلى أنه «في هذه المرحلة لا معلومات عن إصابات» جراء تفجير العبوة ضد آليتين مدرعتين إسرائيليتين، قال إنهما كانتا في مهمة فتح طرقات في المنطقة. وأكد أن الجيش ردّ بإطلاق قذائف و»قذائف دخانية» بالقرب من الحدود، منوهاً بأن «العبوة كانت كبيرة نسبياً».
وعن تقديرات الوضع في تل أبيب، لم تصدر عن مصادر رسمية إسرائيلية تصريحات في أعقاب جلسة طارئة دعا إليها وزير الأمن موشيه يعلون، وشارك فيها رئيس الأركان غادي ايزنكوت، إضافة إلى رئيسي شعبتي الاستخبارات والعمليات. الإعلام العبري اكتفى بالإشارة إلى الجلسة، وأنها حصلت في تل أبيب، فيما انفردت القناة الثانية العبرية بالإشارة إلى أن ما جرى تداوله على طاولة البحث لدى يعلون، يفيد بأن الحادث لا يعني أن الأمر قد بات وراءنا، كذلك يعني أن الإجراءات الاحترازية و»تصفير الأهداف»، ستتواصل على طول الحدود الشمالية.
وتبين أنّ عبوة مزارع شبعا، تضيف القناة نقلاً عن مصادر في جلسة التقدير لدى يعلون، زرعت في منطقة هي تحت السيطرة الإسرائيلية وخاضعة لرصد ومتابعة دقيقين منذ أسبوعين، بل ويعمد الجيش بين الحين والآخر إلى استهدافها بالقذائف المدفعية لمنع تسلل أي مجموعة باتجاه مناطق السيطرة الإسرائيلية في المزارع، «مع ذلك استطاع عناصر حزب الله تجاوز الحدود وكل الإجراءات وزرع العبوة، الأمر الذي تعتبره جهات أمنية إسرائيلية حادثاً خطيراً قد يؤدي إلى خطوات من قبل اسرائيل، وعلى الأقل تحذيرات ترسل إلى الجانب الثاني من الحدود».
وأشارت القناة العاشرة العبرية في تقرير نشرتها المسائية إلى أن المؤسسة الأمنية في إسرائيل تصبّ كل اهتمامها على محاولة الإجابة عن السؤال المركزي الذي يشغل تقديراتها: هل اكتفى حزب الله بما قام به كانتقام على اغتيال القنطار، أم أن الأمر توطئة لشيء آخر.
في السياق نفسه، وفي تقارير متزامنة بثت على قنوات التلفزة العبرية أمس، دلت على توجيه من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أشار مراسلو الشؤون العسكرية الى ضرورة الحذر و»عدم التراخي» في أعقاب تفجير العبوة في مزارع شبعا. وأكدوا أن من غير الممكن ومن غير الحكيم التعامل مع العملية وكأن رد حزب الله على اغتيال القنطار قد انقضى وبات وراءنا.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.