عندما يصبح الرئيس الأسد مفتاح الحل في سوريا

موقع الوقت التحليلي:

أكثر من أربع سنوات من الصمود في وجه أعتى حربٍ كونيةٍ لتدمير سوريا وإخضاعها، خضع وأقّر العالم بأنّه لا يمكن حلّ الأزمة السورية إلا بالإتفاق مع الرئيس السوري بشارالأسد. فالمسألة باتت واضحة والجميع أيقن أنّ شرط تنحّي الرئيس الأسد للوصول إلى تسوية أصبح من الماضي، وبعد أن كان “وجوده يعرقل التسوية” أصبح حضوره أساساً في تحقيقها. فعندما نسمع التصريحات الغربية المتتالية يوماً بعد يوم ندرك ماذا تعني عبارة التحول الإستراتيجي في المنطقة. فما كان ثمن الوصول إلى هذه النتيجة وما المتغيرات التي طرأت على الدول الغربية وأدواتها في المنطقة حتى تسارع للتسوية مع بقاء الرئيس الأسد؟ وهل أنّ المناخ الإقليمي والدولي يؤشّر إلى قرب الحل السياسي أم إحتدام المواجهة العسكرية؟

 نعم نحن في زمن التحولات الكبرى، زمن الإنكسار والتراجع الأمريكي الذي أصبح أمراً واقعياً إقتنعت أمريكا بالتأقلم معه وتغيير إستراتجيتها في الشرق الأوسط، وبدأت بما سمّاه وزير خارجيتها جّون كيري بالإستدارة في مواقفها التي سترسم معها معادلات جديدة كانت أبرز إرهاصاتها التدخل العسكري الروسي في سوريا دون أن تحرك أمريكا وأدواتها ساكناً.

 عندما نصل إلى الزمان الذي يعترف فيه أعداء سوريا والمتآمرون عليها أنّ الحلّ في سوريا سيكون ببقاء الرئيس بشار الأسد، فهذا يدلّ على الإفلاس والطريق المسدود الذي وصلت إليه هذه الدول بعد سنوات على إشعالها حرباً أهليةً تدميرية في سوريا وتصدير الإرهاب بكل أشكاله إليها. 

 وبالرغم من التوافق الغربي والعربي الجديد على الإستدارة في المواقف كما فعلت الإدارة الأمريكية، فإنّ بعض الأصوات الشاذة كالكيان الإسرائيلي والسعودية وقطر، التي تستشرف خسارتها الكبرى إذا حصلت التسوية مع الرئيس الأسد، ما زالت تعارض هذا التوافق وتسعى لضرب أي حلّ سياسي للأزمة السورية بل تسعى جاهدة لتدمير سوريا وتصدير الإرهاب إليها.  وفي ظل مشهد معقّد جاء التدخل الروسي ليغيّر الوضع السياسي والعسكري في سوريا والدفع بإتجاه خطوات جديدة للإتفاق مع أمريكا حيث تتّجه الأنظار إلى اللقاء الذي سيجمع اليوم الإثنين في نيويورك الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، في قمة يُتوقّع أن تحسم إلى حدٍ كبير مسار تطورات الأزمة السورية، وإمكانات إيجاد حلول سياسية لها ودور الرئيس بشار الأسد في المرحلة الانتقالية.

 وفي هذا السياق أعرب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري السبت 26 أيلول عن اعتقاده بأن هناك فرصة لتحقيق تقدم هذا الأسبوع في إطار اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لإنهاء الصراع في سوريا، في إشارة إلى لقاء أوباما بوتين. وقال كيري بعد اجتماعه مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة: “نحتاج إلى تحقيق السلام وسبيل للمضي قدماً في سوريا واليمن. أعتقد أن هناك فرصاً هذا الأسبوع عبر هذه المناقشات لتحقيق بعض التقدم”.

 وكشفت مصادر غربية أن كيري يريد طرح مبادرة جديدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في محاولة للتوصل إلى حل سياسي للصراع السوري الذي أصبح أكثر إلحاحاً في الفترة الأخيرة وتمخض عن أزمة لاجئين طالت دول الاتحاد الأوروبي.

  ومن جانب آخر كشفت هيئة الإذاعة البريطانية ، “بي بي سي” عن نية رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، طرح إتفاق دبلوماسي في الأمم المتحدة بنيويورك، يهدف الى حل الأزمة السورية، ونقلت الهيئة أن كاميرون سيطالب بطرح اتفاق دبلوماسي أمام الأمم المتحدة، تتنازل فيه بعض الدول عن شرط رحيل الرئيس السوري بشار الأسد كمرحلة انتقالية، إلا أنه سيصرّ على أن يتخلى عن منصبه بعد ذلك لتسوية الخلافات. ويأتي هذه الطرح البريطاني الجديد بعد أيام من تراجع أمريكا والدول الأوروبية عن شرط رحيل الرئيس السوري بشار الأسد قبل أي حل سياسي ينهي الحرب في سوريا، هذا التراجع لم يكن معزولاً عن مروحة واسعة من المشاورات والاتصالات بين الدول المعنية بهدف التوصل لصياغة مشروع مبادرة سياسية لإنهاء الحرب في سوريا.    

 وقد اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تبدّل ملفت في موافقه بأن الرئيس السوري بشار الأسد يمكن أن يشكل جزءاً من مرحلة انتقالية في إطار حل للأزمة السورية بعدما كانت إدارته المشارك الأكبر في تصدير المجموعات التكفيرية الإرهابية عبر الحدود السورية،  بينما دعت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل لبدء بمحادثات شاملة لحل الأزمة المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات في سوريا وبمشاركة الرئيس السوري بشار الأسد. كما دعا رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى مؤتمر مصالحة عربي بتونس ورحب بالنظام السوري معتبراً أنه لا عداوة شخصية له معه، بعدما كان موقفه مطابقاً مع المواقف الخليجية والتركية والغربية لجهة الدعوة لرحيل الرئيس السوري بشار الأسد.  

 ومن جهته قال الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني لقناة “بي بي سي” على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة:” أرى قبولاً واسعاً بين القوى الكبرى على أنّ الرئيس الأسد يجب أن يبقى في منصبه”. إذا الرهان إذاً اليوم على الوقت وعلى سرعة أمريكا وحلفائها في الإستدارة بعد ذهابها بعيداً في رفع سقف مطالبها وشروطها التي ما لبثت أن بدأت تنحدر إلى أن وصل بها الأمر لإستعجال الحلول والإتفاق على التسوية. كما كان لصمود محور المقاومة ميدانياً ودبلوماسياً الأثر الأكبر في دفع الأمور بإتجاه إعتراف أمريكا وحلفائها بعدم قدرتها على إتخاذ الحلول لقضايا المنطقة منفردةً، فبعد رفض استمر طيلة سنوات الأزمة السورية عادت أمريكا إلى الإقرار بدور ايران في حل الأزْمة السورية واليمينة وبادرت إلى طرح أفكار تداولها وزير الخارجية جون كيري مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في نيويورك.  

 لم يكن التبدّل في المواقف الغربية ليحصل لولا أن شعر هؤلاء أنّ مشروعهم في المنطقة بدأ بالأفول، وأنّ وعي شعوب أمتنا ما زال حاضراً ينبض بالرفض للتبعية والخضوع لمشاريع الإستعمار الجديدة. ومع كل المستجدات السياسية والميدانية التي تُظهر نتائج التحّول الجديد للوصول إلى حلول للأزمة السورية، فإنّ المكر والشيطنة الأمريكية علمتنا على مدى عقود أنّ لا ثقة بأمريكا وحلفائها، بالرغم من المعطيات الجديدة حول تراجع المشروع الأمريكي في المنطقة وإجباره على الإستدارة من جديد. فعندما نصل إلى المرحلة التي أصبح فيها الرئيس الأسد محور أي حلّ في سوريا، ندرك أنّ الشيطان الأكبر لم يعد كما كان فزمن الإنكسار الأمريكي و زمن التحولات قد بدأ…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.