«غزوة» بريتال اختبار لخطة حزب الله الدفاعيّة.. «تكتيكات» أذهلت السفارات الغربيّة

lebanon-brital-map

صحيفة الديار اللبنانية ـ
ابراهيم ناصرالدين:
لم تخالف قوى 14آذار التوقعات، فمواقفها من «غزوة» جرود بريتال، لم تكن الا تعبيرا امينا عن مستوى التدني الاخلاقي والوطني الذي يطبع مواقف قياداتها في التعامل مع مخاطر وجودية بهذا الحجم بحسب اوساط قيادية رفيعة في 8 آذار، التي تؤكد ان قيادة حزب الله المشغولة بقراءة هذا الحدث من زاوية سد الثغرات المحتملة في الاستراتيجية الدفاعية المرسومة لحماية الاراضي اللبنانية، تتعامل مع كل ما قيل وفقا لاستراتيجية «القافلة تسير..» فالمرحلة المقبلة تحتاج الى الكثير من الجدية، الشهداء الذين سقطوا ليسوا مجرد ارقام، ورشة العمل انطلقت مع نهاية المعركة استعدادا لجولات مقبلة ستكون اكثر قساوة وشمولية.
هذه الخلاصات، تلاقيها في الجهة المقابلة قراءة متأنية لخبراء عسكريين يرون ان الهدف المعلن او المستتر لـ «غزوة» جرود بريتال، ليس مهما، فسواء كان الهدف التقدم الى القرى البقاعية، او فتح ممر آمن باتجاه الزبداني، الخطة فشلت، اما حزب الله فاختبر لاول مرة خطته الدفاعية على ارض الواقع لمواجهة احتمال قيام «التكفيريين» باندفاعة سريعة لاحتلال قرى ومدن آهلة بالسكان في منطقة البقاع، وهنا لا يمكن قياس النجاح والفشل في مثل هذه المواجهات عبر احتساب اعداد الشهداء او الجرحى، فهذا المعطى على اهميته يبقى في الدرجة الثانية في سلم الاولويات، وفي هذا الاطار، فان عدد شهداء الحزب المرتفع من وجهة نظر المراقبين غير المتخصصين، لا يبدو كذلك من وجهة نظر اصحاب الاختصاص العسكري، فحجم المواجهة وامتدادها الجغرافي والمدة الزمنية التي استغرقتها العملية العسكرية تشير الى ان حرفية مقاتلي الحزب قللت كثيرا مما هو مقدر وقوعه في مثل هكذا مواجهات لو وقعت مع مقاتلين غير متمرسين، او مع مقاتلين اختاروا التخلي عن مواقعهم وعدم المواجهة، لكن الوقائع تؤكد الاوساط اكدت المناقبية العالية لمقاتلي الحزب الذين لم يتخلوا عن مواقعهم، وهذا يعني فشل اسلوب «الصدمة والترويع» الذي يعتمده المسلحون، وحققوا عبره نجاحات في العراق وفي بعض المناطق السورية، وحتى في عرسال. وقد نجح مقاتلو الحزب في النقاط المتقدمة في اداء وظيفتهم الكاملة باعتبارهم «جرس» انذار مبكر للمواقع الخلفية المحاذية للقرى الآهلة بالسكان، ومجرد صمود تلك المواقع واشغال ارهابيي النصرة في موقع «عين الساعة» ومنعهم من التقدم الى نقاط اخرى، يعتبر نجاحا تكتيكيا واستراتيجيا للخطط العسكرية الموضوعة سلفا لمواجهة هكذا سيناريوهات.
وتلفت تلك الاوساط، الى ان اهم ما استرعى اهتمام الملحقين العسكريين في السفارات الغربية في لبنان، يرتبط بسرعة استيعاب مقاتلي الحزب لمجريات الاحداث ما منع تكرار الانهيارات التي حصلت على جبهات اخرى، والاهم في هذا السياق هو التوازن الذي استطاعت من خلاله قيادة حزب الله العسكرية الدمج بين خطتي الدفاع والهجوم في آن واحد، رغم اتساع مساحة المواجهات جغرافيا، وهنا يبرز النجاح في كيفية تأمين الغطاء المدفعي والصاروخي لحماية المواقع المتقدمة ومنع سقوطها بالتزامن مع تقدم قوات النخبة على الارض، وهذا يدلل على وجود تنسيق عالي المستوى بين القيادة المركزية والقيادة الميدانية التي نجحت بسرعة في استيعاب الهجوم وعملت على اشغال المهاجمين بمعارك جانبية تم فتحها على اكثر من جبهة ثانوية في المنطقة ما خفف من الضغط على المراكز الثابتة للحزب في المناطق الجبلية، كما تمت مشاغلة قوات الدعم اللوجستي للمسلحين في المناطق البعيدة نسبيا عن دائرة المواجهات، ما ترك المسلحين امام خيارات صعبة كان الافضل بينها الاسراع في الانسحاب من المواجهات والانكفاء الى نقاط انطلاقهم بعد ان بدأت ملامح تطويقهم تكتمل وبعد قطع طرق الامداد عنهم، وهذا ما ادى عمليا الى انتقال المسلحين من موقع الهجوم الى موقع الدفاع في سرعة قياسية غيرت من معالم هذه المعركة التي سيكون لها ما قبلها وما بعدها. لماذا؟
تجيب الاوساط: اولا، لانها اثبتت ان حديث حزب الله عن خطر التكفيريين على القرى والمدن اللبنانية لم يكن للاستهلاك المحلي، وما قامت به «جبهة النصرة» خلال الساعات الماضية مؤشر على وجود نوايا مبيتة لدى التنظيمات التكفيرية في تلك الجرود لتوسيع نطاق وجودها باتجاه الاراضي اللبنانية، وذلك وفقا لبرنامج عمل تضعه القيادة المركزية لهؤلاء، حيث تبين وجود ترابط بين تحركاتها والخطط التي يتم العمل عليها في سوريا والعراق، حيث تتكامل تحركاتها لتحقيق غايات واهداف مرسومة وليس مجرد ردود فعل على عمليات للجيش اللبناني او لحزب الله، وسبق لقائد الجيش العماد جان قهوجي ان تحدث عن اعترافات لقيادات «داعش» «والنصرة» المحتجزين لدى استخبارات الجيش بوجود خطط مسبقة لتنفيذ اجتياحات لمناطق لبنانية، وجاء كلام رئيس الحكومة تمام سلام عن شكوكه حول حقيقة ما يهدف اليه المسلحون من خطف الجنود اللبنانيين، ليؤكد هذه الحقيقة التي لم تعد بحاجة الى براهين بعد «غزوة» بريتال.
ثانيا، اثبتت الاحداث الاخيرة ان محاولات «جبهة النصرة» التأثير على خطوط امداد حزب الله ومحاولة فصل البقاع عن باقي المناطق اللبنانية من خلال استغلال اهالي الجنود المخطوفين لقطع الطرقات الحيوية، لم تجد نفعا، وقد تبين من المواجهات الميدانية ان الحزب لم يتأثر على المستوى اللوجستي بقطع طريق ضهرالبيدر، وتقنين قطع طريق زحلة – ترشيش، وتبين بشكل واضح وجود ثغرة امنية كبيرة لدى المجموعات التكفيرية عجزت عن فهم طبيعة عمل حزب الله لتامين طرق امداداته الى الجبهة.
ثالثا، يمكن الاستنتاج ان حزب الله نجح في الاعتماد على استراتيجية لامركزية في العمل العسكري والامني، وهو وضع في الحسبان قبل قضية الجنود المخطوفين وجود «خلايا نائمة» في الداخل اللبناني قد تتحرك تحت عناوين مختلفة لقطع الطرق الحيوية في البقاع وغيرها من المناطق اللبنانية، هذا حصل في السابق باشكال مختلفة منها وضع عبوات ناسفة على طرق يستخدمها الحزب، او من خلال تغليف قطع الطرقات باسباب سياسية واهية، ويبدو ان الحزب تجاوز هذه المعضلة بخطط مرنة تعتمد نوعا من «الاكتفاء الذاتي» للمناطق الساخنة لمدة طويلة تسمح بفك الطوق بالطرق المناسبة عندما تدعو الحاجة لذلك، دون ان يؤثر هذا الامر على قدرة وقوة المواقع «المعزولة».
رابعا، اثبت حزب الله انه يملك استراتيجية ناجحة تمت ترجمتها على ارض الواقع لمواجهة اي هجوم تكفيري من الاراضي السورية، وهو اثبت لكل المراهنين على اضعافه انه بعد نحو ثلاث سنوات من تدخله المباشر في معارك سوريا ما يزال يملك قدرات هائلة لم تتأثر بهذا المجهود الحربي الجديد، واثبتت المواجهة الاخيرة نجاحه في التأقلم بخوض قتال على اربع جبهات بشكل متزامن، فهو يملك جهوزية تامة في الجنوب، ويخوض حربا امنية شرسة ضد الهجمات الارهابية في الداخل فيما تواصل مجموعاته القتال على مختلف الجبهات السورية، وهذا لم يمنعه من ارسال «خبراء» الى العراق، وقد نجح في اثبات جهوزيته بقاعا على امتداد جبهة السلسلة الشرقية لحماية القرى البقاعية.
خامسا، ستؤدي «غزوة بريتال» الى تعديلات جوهرية في خطط كلا الطرفين في المواجهة المقبلة، فمن جهة ستعتمد القوى التكفيرية على المزج بين المعارك الحدودية وتحريك الخلايا النائمة في الداخل اللبناني بشكل متزامن، باعتبار ان هذه الوسيلة العسكرية هي الوحيدة التي لم تختبرها تلك المجموعات بعد، في المقابل لن يتوانى حزب الله عن القيام بعمليات هجومية نوعية، باعتبارها ضربات استباقية اصبحت ضرورية في عمق الجرود البقاعية على امتداد الحدود مع سوريا لتقليص قدرات المسلحين ومنعهم من المبادرة وابقائهم في حالة دفاعية.
هذه الخلاصات ليست كامل «الدروس» المستفادة، فالكثير منها تبقى ملكا لقيادة المقاومة، لكن ما هو اكيد ان «ضريبة الدماء» التي دفعت في هذه المواجهة لم تذهب هدرا والتطورات الميدانية المقبلة ستكشف اهمية الانجاز العسكري المحقق في معركة ليست الا «بروفة» صغيرة لما هو اوسع واشمل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.