فلسطين أقوى وأسمى… «متحدون ضدّ التطبيع»

تأمّل أن تطلب منك قوّة فاشية الخروج من بيتك، أنت، وعائلتك ووالديك المسنيْن، وتأمرك بالشروع، تحت طائلة دكّ البيت على رؤوس أصحابه، في هدم منزلك ومنزل أجدادك ومستقرّ أولادك وشاهد ذكرياتك، وكلّ ذلك تنفيذاً لقرار هيئة تسمّي نفسها محكمة، تعتبر صاحب الأرض مخلوقاً مزعجاً لا تنطبق عليه القوانين الوضعية أو عهود الأمم المتحدة أو حقوق الإنسان. فلا بأس، بالنسبة لهذه المحكمة إذا قام هذا الإنسان المصلوب على خشبة الأمم المتحدة، والمعلّق على صفيح الأنظمة العربية بتدمير بيته بيده، البيت الذي يُعتبر عند العرب رمزاً للوجود والإنجاز والكرامة. فالمهمّ لدى الكيان الصهيوني هدم البيت لتوسيع رقعة الاستيطان الهمجي، والمهمّ هدم البيت لكسر معنويات الشعب الذي يقاوم منذ مئة عام… يقاوم أشرس قوة فاشية على الأرض وأحقر منظومة استعمارية اختارت أن تسدّد ديونها لليهودية العالمية من حساب شعب تركه أخوته كما ترك أخوة يوسف أخاهم.
ويوسف يشقى كلّ يوم سواء كان في الضفة أو القدس أو غزة أو الجليل أو الناصرة. لا حدود لشقائه ولا حدود للتخلي الذي أربك الخجل نفسه وجعله يبحث عن مكان يتوارى فيه.
ذلك لا يحدث في زمن الجاهلية أو في القرون الوسطى، إنما يحدث في زمن تتصدّر فيه العراضات السياسية وجمعيات حقوق الإنسان المشهد. وما يحدث ليس عفواً أو صدفة وليس من فعل جماعة أميّة جاهلة، وإنما من فعل جماعة يتطلع إليها بعض شعبنا بانبهار وإعجاب لإنجازات لا تنكر، حققتها هذه الجماعة في مجالات الطب والعلوم والتكنولوجيا لتعود فتصهرها في آتون لا يتعرّف لهيبه على حق الحياة وقيم الحياة، ولا تتعرّف نيرانه على حرمة الآخر وحق الملكية والسكن والتعلم والتجوّل بحرية في وطن مستقلّ يتكلم العربية منذ عصور ويؤم «الأقصى» منذ عصور ويخشع في «القيامة» منذ عصور.
آلة الاستيطان والتهويد لا تعرف سوى الإطاحة برؤوس الأطفال وتدمير الحدائق وذرّ البيوت في الهواء وتزييف كلّ ما حاكته أيدي النساء. فالحقيقة التي بنت عبر مئات السنين، صروحاً وعمراناً وثقافة، يجب أن تزول وتعطي ذاتها للأطماع والأوهام والأوغاد. أما فلسطين فمَن يسمح لإخوتها، لا بل من يحرّضهم، أن يضيفوا على آلام الاقتلاع والغربة والمرارة ألماً أشدّ مضاضة من وقع الحسام المهند… ألم التخلي وإدارة الظهر ونقض المواثيق؟!
كيف يسمح العربي لنفسه – باسم العصر والحداثة – أن يطعن أخاه بأحلامه، بذاكرته، بعاطفته وحزمة آماله؟
ماذا يقول لنمر طوقان وغسان كنفاني ومحمود درويش وسميح القاسم ومريد البرغوتي ومحمد الدرة؟
ماذا يقول للأقصى والخليل والجليل ودرب الجلجلة؟
ماذا يفعل إذا حضر زيت القدس الى مائدته؟
ماذا يفعل إذا زاره برتقال يافا في صحن داره؟
ماذا يفعل إذا ارتقى غصن الزيتون جيد ابنته؟
حقاً ماذا يفعل هذا، أمام عظمة فلسطين، سوى أن يطأطئ رأسه خجلاً.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.