فيلتمان طلب من خامنئي لقاءً لروحاني مع أوباما

feltman-tehran

صحيفة الجمهورية اللبنانية ـ
طارق ترشيشي:

فيما تحتدم الاشتباكات بين أجنحة المعارضة السورية المسلّحة في الشمال السوري ويجري التكفير المتبادل بين المتقاتلين، تعكس التحوّلات الدولية والإقليمية إشارات إيجابية، سواءٌ على مستوى إعادة الروح إلى «جنيف – 2»، أو في ما يتعلق بالعلاقات الإيرانية – الغربية والإيرانية – الخليجية، حيث ستشهد نيويورك لقاءات بين الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني ورؤساء أوروبّيين وصولاً إلى الرئيس الأميركي باراك اوباما نفسه.
وفي معلومات لـ”الجمهورية” أنّ الأمين العام المساعد للأمم المتحدة جيفري فيلتمان الذي زار طهران قبل اسبوعين طلب من المرشد الأعلى السيّد علي خامنئي ان يسمح بعقد اجتماع بين روحاني والرئيس الاميركي، في وقت يعلم الجميع انّ المسؤولين الايرانيين على اختلاف مراتبهم كانوا يرفضون الاجتماعات الثنائية مع المسؤولين الاميركيين على هامش الاجتماعات التي انعقدت للبحث في الملف النووي الإيراني. ويعتقد مراقبون أنّ مرحلة من الانفراج ستطلّ على علاقات ايران بالخارج يتوّجها تطبيع في العلاقات الايرانية ـ الاميركية كما في العلاقات الايرانية ـ الخليجية، ولا سيّما السعودية منها. فلقد أثبتت أزمة “حافة الهاوية” بين دمشق وواشنطن مطلع الشهر الجاري أنّ فكرة شنّ حرب على سوريا ليست صائبة، فكيف بحرب على إيران، وأنّ ما تحدّث عنه اوباما من أولويات اميركية، أي أمن اسرائيل، وأمن تدفّق النفط، هما الحجّتان الرئيسيتان اللتان اعتُمِدتا لإقناع صقور الإدارة الاميركية بالإقلاع عن ضرب سوريا بسبب عواقبه الوخيمة.

وما يؤكّد ايضاً هذا الاتجاه الانفراجي، هو القراءة المتجرّدة للوقائع الميدانية في سوريا، حيث تشهد ثلاثة انواع من الحروب على الأقل، أوّلها بين النظام ومعارضيه من جهة، وثانيها بين “جبهة النصرة” و”الجيش السوري الحر” من جهة ثانية، وثالثها بين المعارضة السورية المسلّحة المدعومة تركيّاً وبين لجان الحماية الكردية. وهو أمر يؤدّي بالضرورة الى تحوّل ميزان القوى لمصلحة النظام السوري الذي كان كثيرون يعتقدون أنّ الاشهر الثلاثة الماضية، خصوصاً بعد معركة القصير، ستشهد دعماً نوعيّاً للمعارضة المسلّحة يسمح لها باستعادة التوازن مع النظام. لا بل يلاحظ متتبعو وسائل الإعلام الغربية اتّساع الانتقادات في حق المعارضة، الى درجةٍ قال معها بعض المحلّلين الاستراتيجيين للشؤون الاميركية “إنّ الغرب انتقل من شيطنة النظام الى شيطنة المعارضة بعد اكتشافه هُزال ما كان يسمّيه “المسلحين المعتدلين” أمام مسلّحي تنظيم “القاعدة”.

وإزاء هذه التطورات الميدانية السورية التي تترافق مع نجاح المبادرة الروسية في إيجاد حلّ للسلاح الكيماوي السوري يحفظ ماء وجه واشنطن، وينتزع منها قراراً بالتهدئة مع سوريا وإيران معاً، يبقى السؤال: هل ستكون واشنطن قادرة على إلزام حلفائها الاقليميين في المنطقة، ولا سيّما منهم تركيا ودول الخليج بالانضواء تحت سياسة الانفراج هذه؟ أم أنّ هذه القوى تتمرّد، ولو إلى حين، على رغبة الإدارة الاميركية في تبريد أجواء المنطقة؟

لا يستبعد البعض أن يكون النزاع المسلّح بين “داعش” (الدولة الإسلامية في العراق والشام) وبين ألوية تابعة لـ”الجيش الحر” غير بعيد عن تشجيع تركي وخليجي للتنصّل من دعم المعارضة السورية. غير أنّ تطوّرات الميدان في شمال سوريا ستقرّر، وجهة هذه القوى الإقليمية، فإذا انتصرت “القاعدة” وأخواتها بات وضع هذه القوى الإقليمية ومعها واشنطن والغرب مُحرجاً في استمرار دعم مسلّحين ينتمون الى “القاعدة”. أمّا إذا نجح “المسلّحون المعتدلون” في تصفية كتائب “النصرة” و”داعش” يصبح آنذاك ممكناً لهذه القوى الاقليمية الدفع بالجهة المنتصرة على “القاعدة” الى المفاوضات.

غير انّ قريبين من دمشق يقولون “انّ القيادة السورية تنتظر نتائج هذه المعركة الداخلية لكي تتقدّم الى المناطق الشمالية الخارجة عن سيطرتها وتقضي على الفريق المنتصر، أيّاً كان، فإذا كان “القاعديون” هم الرابحين يقف المجتمع الدولي الى جانب النظام السوري، أمّا إذا كان “الجيش الحر” هو المنتصر فإنّ الجيش السوري قادر على التغلّب عليه بسهولة لأنّ هذا الجيش لا يملك البأس والشدّة اللذين تتميّز بهما التنظيمات “القاعدية”.

وفي ضوء هذه القراءة تبدو الأمور متجهة نحو “تفاهم الضرورة” بين واشنطن وحلفائها من جهة، وبين موسكو وحلفائها من جهة أُخرى. وسيشهد الخريف المقبل، مبادرات سلام تقلب الصورة الحالية رأساً على عقب. فمثلما فاجأت المبادرة الروسية والتجاوب السوري معها كثيرين ممّن كانوا يؤكدون حصول عمل عسكري اميركي ضد سوريا، فربما تحمل الايام المقبلة مفاجآت لهؤلاء الذين باتوا يجهلون قراءة التطورات الفعلية للأحداث أو يصرّون على قراءتها رغبوياً. أحد الساسة المخضرمين الذي كان منذ بداية الأحداث يتوقع بقاء النظام ومعارضيه المسلّحين فترة طويلة بات يعتقد اليوم انّ سوريا بدأت تخرج من محنتها، وأنّ اتفاقاً يعكس موازين القوى الحقيقية سيبصر النور، فينضمّ اليه من أُصيب بالخيبة من المعارضين للنظام من سوريين وغير سوريين، فيما يتم القضاء على من يرفضه وسط اجماع دولي على ذلك. ويذكّر هذا السياسي بأنّ ملامح الخروج اللبناني من الأزمة قد بدأت بحروب دارت داخل كل جماعة من الجماعات اللبنانية وانتهت بـ”اتفاق الطائف”.

فهل تكون النزاعات الدموية الدائرة اليوم على الأرض السورية تباشير خروج سوريا من محنتها؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.