قطر في عين العاصفة: مآلات الأزمة القطرية – السعودية

موقع إنباء الإخباري ـ
وحيد مصطفى (محلل سياسي):

تسارعت حدة الخلافات القطرية ـ السعودية، وصولاً إلى قطع العلاقات الديبلوماسية، الذي لم يقتصر على السعودية، بلْ وبشكل متزامن قطعت كل من مصر والامارات و البحرين علاقاتها الديبلوماسية مع الدوحة، ثم لحقت دول أخرى بها .
إلا أنَّ ذلك التصعيد  في المواقف السياسية لمْ يكن مجرد رد فعل على ” تصريحات ” قطرية، لا تنسجم مع سياسات مجلس التعاون الخليجي، رغم النفي القطري لتلك التصريحات، بل مُحصلة تراكم تباينات وخلافات سابقة، وهذا لا يتنافى مع وجود تقاطع مصالح سياسية واقتصادية وجيو استراتيجية، بين قطر والسعودية  بشكل خاص، وقطر وسائر الدول الخليجية و العربية بشكل عام، والذي أدى إلى وجود قطر في مجلس التعاون الخليجي، وتقارب رؤى سياسية  تُجاه العديد من القضايا الإقليمية، لا سيما الأزمة السورية.
وفي هذا السياق، ثمة أسئلة  تُطرح:
–    ما هي الأسباب التي أدت إلى إختلال المعادلة التي تضبط إيقاع العلاقات القطرية مع السعودية ومع الدول الخليجية ومصر؟.
–     لماذا في هذا الوقت وليس من قبل ؟
–      ما هي مآلات الأزمة، وما هي ” السيناريوهات ” المتوقعة، و تردداتها في منطقة الشرق الاوسط؟
1-    التحولات التي أنتجت الأزمة الراهنة:
بدأت الأزمة مع بث وسائل الإعلام القطرية كلمة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد عن الخطوط العامة للسياسة القطرية التي لا تنسجم وكونها عضو في مجلس التعاون الخليجي ولا تتسق مع الخط العام لسياسات المجلس، والتي تضمنت المواقف التالية:
–    اعتراض على تصعيد الخلافات مع ايران، واعتبارها  “تُمثل ثقلا إقليميا وإسلاميا لا يمكن تجاهله”
–    إدانة وضع حزب الله وحركة حماس على قائمة الإرهاب، واعتبارهما حركتي مقاومة.
–    الغمز من قناة السعودية بالقول “إن الدول التي تدعي محاربة الإرهاب هي الأكثر تشدداً دينياً، وتقدم ذرائع للإرهابيين”.
–     نقد ضمني للسعودية بسبب انفاق مئات المليارات من الدولارات على شراء الأسلحة بدلا من انفاق هذه الأموال على مشاريع التنمية
ورغم صدور نفي قطري رسمي لتلك التصريحات، فقد بدأت حرب إعلامية واسعة النطاق  من قبل الإعلام السعودي ضد قطر، إذ تم اتهامها بالإرهاب، واحتضان حركاته، ولجأت قناة العربية لبث تسجيل صوتي لأمير قطر الأب الشيخ حمد بن خليفة وهو يهاجم السعودية ويتوقع انهيار حكم آل سعود، في مكالمة له مع العقيد الليبي معمر القذافي، كما ذكَّرت بتصريحات قديمة للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح ، يبيّن فيها طلب أمير قطر السابق منه تدبير حملات تخريبية داخل السعودية .
سبق ذلك مؤشرات لافتة،  يُمكن ربطها بالأزمة الحالية :
•    زيارة الرئيس الاميركي ترمب للسعودية في أيار/ مايو الماضي، ومشاركته في ثلاث قمم سعودية وخليجية وعربية إسلامية، والتي تبنّت:
–    الحرب على الارهاب
–    العداء لايران
•     الاستقبال الجاف لأمير قطر خلال قمم الرياض.
•    إتهامات  أميركية  لقطر بحماية الإرهاب:
–    تقرير في مجلة “فورين بوليسي”، كتبه جون هانا، المسؤول السابق في وزارتي الدفاع والخارجية الامريكية، يتهم قطر بدعم الإرهاب في سوريا وغيرها.
–    أكد مسؤول أميركي لوكالة “رويترز” للأنباء أن “تصرفات قطر مقلقة جدا بالنسبة لجيرانها والولايات المتحدة الأميركية”.
–    في 25 أيار/ مايو الماضي ، قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي أد رويس، إن الولايات المتحدة قد تنقل قاعدتها العسكرية في قطر إلى بلد آخر إذا لم تغيّر الدوحة من تصرفاتها الداعمة لجماعات متشددة.
ثم تصاعدت المواقف السياسية إلى إتخاذ السعودية “قرار تاريخي حاسم – بقطع العلاقات –  في الوقت المناسب، خصوصاً بعد احتضانها (قطر) جماعات إرهابية وطائفية تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة، ومنها جماعة (الإخوان المسلمين) و(داعش) و(القاعدة)، ودعم نشاطات الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران في القطيف والبحرين” وفق ما ذكرته صحيفة عكاظ السعودية .
كما عللت مصر قطع العلاقات بأنَّ “قطر تصر على التدخل في الشؤون الداخلية لمصر ودول المنطقة بصورة تهدد الأمن القومي العربي وتروّج لفكر القاعدة وداعش وتدعم الإرهاب في سيناء” و”فشل كل المحاولات لإثناء قطر عن دعم التنظيمات الإرهابية وإيواء قياداتها”، وذلك وفق بيان رسمي .
في هذا الإطار، ولتفسير حدة المواقف ضد قطر، لا يمكن تجاهل العناصر التالية:
–       دعم قطر لجماعات الإخوان المسلمين. وتؤوي الدوحة عدداً من أعضاء جماعتي الإخوان والجماعة الإسلامية الفارين من مصر والمصنفين بأنهم جماعة إرهابية، كما افتتحت مكتباً لحركة طالبان بالدوحة، كما دعمت من قبل وجود حكومات تحمل هذه التوجه في عدد من الدول العربية ومنها مصر وتونس، وهو ما يتناقض تماما مع التوجهات السعودية والمصرية والإماراتية، والتي تتعامل مع  الإخوان المسلمين كجماعات إرهابية.
–    تمايز المواقف القطرية، فيما يتعلق بالعلاقات مع ايران، وهو ما لا يتناسب مع التوجهات السعودية الحاسمة في العداء مع طهران.
–    وكما لاحظت صحيفة الفيغارو، لم تتبن قطر رؤية طائفية سنية – شيعية  للأحداث في المنطقة .
مآلات الازمة، محاولة للإستشراف:
على صعيد محاولة تحديد نهايات الأزمة، ومآلاتها ، ثمة العديد من السيناريوهات، التي يصعب حسم الخيارات بينها، كون ذلك مرتبط بالتحولات الجارية، وتقلب  المواقف السياسية، لكن ثمة وقائع ومعطيات، تساهم بترجيح بعض الإحتمالات :
1-    هشاشة التحالفات البينية في منطقة الخليج .
2-    ما حصل إحدى حلقات مسلسل الإنقسامات العربية التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط.
3-    دعم دولي و إقليمي للمواقف السعودية ، فيما تفتقر قطر ـ عملياً ـ لوجود حلفاء جديين إلى جانبها، حيث أعلنت روسيا على لسان المتحدث الرسمي ديمتري بيسكوف  “أن روسيا لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى”، فيما دعت إيران لـ “حوار صريح” لحل الأزمة، ونأى العراق بنفسه عن الخلاف، في حين أبدت تركيا “استعدادها للمساعدة بتطبيع العلاقات من جديد بين دول الخليج ”
4-    يساهم  إغلاق المنافذ البرية والجوية والبحرية من قبل السعودية والامارات وغيرهما، ومنع العبور في الأراضي والأجواء والمياه الإقليمية، في توقف نحو 80 % من الإمدادات الغذائية والتموينية  الى قطر ، وهو ما يساهم في تعقيد الأوضاع الداخلية  فيها .
5-    باستثناء وجود قاعدة عسكرية ضخمة للولايات المتحدة  في قطر ـ قاعدة العديد – لا تمتلك قطر إمكانيات  عسكرية لخوض حرب فيما لو حصلت .
6-    خطورة الاتهامات الموجهة لقطر: من تهديد الأمن القومي المصري، والإستقرار الداخلي السعودي، ورعاية التنظيمات الارهابية  الخ …
7-    إنْ لم يكن هناك دعم أمريكي ، فهو على الأقل تضامن أميركي مع التوجهات السعودية، ما يعني عدم معارضة الإجراءات التي قد تُتخذ. ووفق تحليل إيلي أفيدار الذي شغل مواقع مرموقة في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” وكان ممثلا لإسرائيل في الدوحة، فإن هذه القرارات تعد “ترجمة حقيقية لتوجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي جاء للتخلص من كل إرث سلفه باراك أوباما”.
8-    فشل الوساطة الكويتية الأخيرة للتوسط بين الرياض والدوحة.
إنطلاقا مما تقدم، ثمة العديد من السيناريوهات  المُحتملة:
•    حصول إنقلاب داخل قطر، يؤدي لعزل القيادة السياسية الحالية، وثمة  تهديدات ضمنية  بذلك.
•    تغيير جذري في السياسات القطرية الخارجية، بما يقارب التماهي مع سياسات مجلس التعاون الخليجي، وهو الاحتمال الاكثر أهمية .
•    إحتمال محدود جدا : حصول حرب.
الأزمة الحالية هي الأخطر منذ 30 سنة، وهي ليست مثل الأزمة التي حصلت عام 2014، عندما  قررت السعودية والإمارات والبحرين سحب سفرائها من قطر، على خلفية اتهامها بتدخلها في الشؤون الداخلية لمجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي اعتبروه تهديداً لأمن الدول الخليحية.
إنَّ قطر في موقف سياسي معقد وخطر، وترددات الأزمة  لن تقتصر على قطر وحسب، بل تشمل كل المنطقة وتكرس واقعاً إقليمياً جديداً في الشرق الأوسط.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.