قلعة الحصن.. درة الأوابد الأثرية العالمية المسجلة على لائحة التراث العالمي

qalaat-hosn1

وكالة الأنباء السورية ـ سانا
تصنف قلعة الحصن أثريا وتاريخيا ومعماريا كإحدى أهم الأوابد الأثرية في سورية والعالم فهي أضخم قلاع القرون الوسطى وأفضلها محافظة على بنائها فضلا عن كونها أكبر قلعة عسكرية أثرية في العالم.

ويؤكد الدكتور محمود السيد نائب مدير المخابر وقارئ النقوش الكتابية القديمة مسمارية-هيروغليفية-أبجدية في المديرية العامة للآثار والمتاحف أن خصائص القلعة الهندسية العسكرية وقوة تحصيناتها الدفاعية وجدرانها وأبراجها الضخمة العالية ودهاليزها ومقاذيفها وشقوق مرامي السهام وسلسلة شرفاتها البارزة وخندقها المائي الخارجي الذي يحيط بكامل القلعة من الخارج ويشكل أول خط دفاعي عن القلعة ونمطها المعماري القوطي جعلت منها أهم نموذج كامل لقلعة أثرية محصنة في العالم.

 qalaat-hosn2 qalaat-hosn3 qalaat-hosn4 qalaat-hosn5 qalaat-hosn6 qalaat-hosn7 qalaat-hosn8 qalaat-hosn9 qalaat-hosn10 qalaat-hosn11 qalaat-hosn12 qalaat-hosn13 qalaat-hosn14 qalaat-hosn15

qalaat-hosn16

qalaat-hosn17

ولفت السيد إلى أن القلعة بنيت من حجارة كلسية محلية تمتاز بخفة وزنها و سهولة نحتها فوق هضبة بركانية مرتفعة 650 م130ر2 قدم شديدة الانحدار من جهاتها الثلاث في منطقة وادي النضارة في محافظة حمص.

وتقع القلعة في الطرف الجنوبي لجبال اللاذقية المطلة على مجرى النهر الكبير الشمالي الحد الفاصل بين سلسلة جبال اللاذقية وجبال لبنان و تبعد عن البحر نحو 35 كم.

ولفت السيد إلى أن مساحتها الإجمالية تبلغ 30 ألف م2 وترتفع عن سطح البحر 750 م و تمتد مع الخندق على مسافة 240م من جهة الشمال الى الجنوب و170م من جهة الشرق و تأخذ القلعة شكل مضلع إهليلجي غير منتظم طول قطره الكبير 200متر و طول قطره الصغير 140مترا.

وأوضح قارئ النقوش الكتابية أن الهدف من بناء القلعة التحكم بثغرة حمص التي كانت تعتبر مدخلا إلى سورية و صلة الوصل بدول البحر المتوسط ومن خلالها تمكن الصليبيون من احتلال الساحل مؤكدا أن القلعة تمتعت بموقع استراتيجي مهم يربط بين حمص وطرابلس وطرطوس أهم المحاور التي تربط بين الداخل و الساحل السوري.

وأوضح أن من أبراجها العالية يمكن مشاهدة برج صافيتا و البحر غربا و سهل عكار و سهل البقيعة في لبنان جنوبا و بحيرة قطينة وأطراف مدينة حمص شرقا.

ولعبت القلعة أيضا دورا مهما بتزويد الحجاج بالمؤن اللازمة بحكم وقوعها على طريق الحج إلى القدس واشار السيد إلى أن القلعة أصبحت فيما بعد منطلقا لتحرير قلعة المرقب على يد السلطان المملوكي قلاوون عام 1285.

وقال السيد إنه توجد عدة تسميات لقلعة الحصن وقد سميت القلعة باللغة اليونانية بيرغس وتعني الحصن أو المعقل و باللاتينية كراتوم و حصن الأكراد نسبة إلى الأكراد الذين سكنوا القلعة في عهد الإدرسيين في القرن الحادي عشر الميلادي لحماية خطوط التجارة كما سميت بـ الفرسان لكونها كانت محتلة من قبل الاسبتاريين ومن اسمائها ايضا كراك دو أوسبيتال وحصن السفح.

ولفت خبير الآثار السوري الى أن بعض المصادر التاريخية تشير إلى أن قلعة الحصن أقيمت على انقاض قلعة فرعونية تدعى شبتون أقامها رمسيس الثاني فرعون مصر أثناء غزوه لسورية في القرن الخامس عشر قبل الميلاد وربما أقيمت القلعة على أساسات تؤرخ بالعصر اليوناني لكن التنقيبات الأثرية التي جرت في القلعة لم توضح بعد دقة هذه المعلومات.

ويقول قارئ النقوش الكتابية القديمة أن أول حصون القلعة بنيت عام 1031م في عهد أمير حمص العربي شبل الدولة نصر بن صالح المرداسي في عهد الدولة المرداسية ثم تحول الحصن الى قلعة بهدف حماية طريق القوافل التجارية القادمة من سواحل بلاد الشام الى الداخل و جعلها نقطة مركزية في مراقبة القوافل العسكرية أثناء تحركها بين الساحل والداخل.

وأضاف السيد أن الصليبيين بقيادة ريموند دو سان احتلوا القلعة عام 1099م أثناء الحملة الصليبية الأولى ثم استرجعها منهم المسلمون عام 1102م ثم احتلها تنكريد كونت أنطاكية عام 1110م وقام بتحصينها وتزويدها بالمنشآت الدفاعية كما اقام فيها مستودعات للحبوب والزيوت وفرن ومعصرة وطاحونة وابار مرابط خيل بهدف الصمود ضد أي حصار قد تتعرض له القلعة و ألحقها بإمارة طرابلس ، و في عام 1112 م اصبحت ملكا لكونت طرابلس /ريموند الثاني/، وبين عام1142 – 1144م قام ريموند الثاني بتسليمها إلى فرسان القديس يوحنا المعروفين بالإسبتارية طائفة من الرهبان المقاتلين الذين أعادوا تعزيز دفاعاتها بعد زلازل أعوام 1157-1169-1170 م و قاموا بتجديدها وترميم الأجزاء المنهارة منها و انطلاقا من هذا التاريخ سميت القلعة بقلعة الفرسان.

وأشار السيد إلى انه في عام 1201-1202م تعرضت القلعة لزلزل جديد دمر اجزاء واسعة منها, أعيد ترميهما وزودت بحلقة دفاع خارجية وجدار منحدر ضخم في جهتها الجنوبية كما بني مستودع خلف الواجهة الجنوبية، وفي عام 1230م تم بناء برج القائد في الطابق العلوي وفي عام1250م تم تشيد قاعة الفرسان الكبرى والرواق الذي يتقدمها، وفي عام 1255م تم تشييد البرج الدفاعي المتقدم عند المدخل الشمالي للقلعة على يد نيقولا لورني .

ووفقا للدكتور السيد قام السلطان المملوكي الملك الظاهر بيبرس بتحرير القلعة من الصليبيين عام 1271 م ، وجدد ببيرس القلعة وأعاد بناء ما تهدم واضاف إليها أبراجا ومنشآت معمارية جديدة وخاصة في الجهة الجنوبية التي دعمت ببرج قوي سمي برج الملك الظاهر ببيرس وجعل القلعة مركزا لنائب السلطة المملوكية وفي عام 1285م اضاف السلطان المملوكي سيف الدين قلاوون برجا مربعا ضخما يتقدم الجهة الجنوبية للسور الخارجي والجهة الشرقية الشمالية للقلعة.

ويلاحظ وفقا لـ السيد وجود كتابات عربية على الواجهة الأمامية للبرج تعود إلى العصر العثماني و بقيت القلعة مستخدمة حتى اواخر العصور الوسطى و سليمة البناء حتى عام 1800م ميلادي لافتا الى ان القلعة أهملت في العصر العثماني وبنيت في داخل القلعة عدة منازل سكنية كما بنيت عدة منازل على أسطح الأبراج وقسمت القلعة لعدة حارات وفي عام 1926م فرض الانتداب الفرنسي على الحكومة السورية شراء القلعة ثم في عام 1933م تم تأجير قلعة الحصن الى حكومة الانتداب الفرنسي و في عام 1934 تم وضع خطط كاملة لترميم القلعة و اصبحت بعد انتهاء عمليات الترميم عام 1936 خلال فترة الانتداب الفرنسي أهم مواقع الجذب السياحي في بلاد الشام ثم عادت ملكا للسوريين بعد خروج المستعمر الفرنسي 1946م وقام السوريون بترميم القلعة وفي عام2006م أدرجت قلعة الحصن ضمن قائمة منظمة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي.

وبين خبير الآثار السوري أن قلعة الحصن تتألف من بوابة رئيسية كان يدخل إليها سابقا بواسطة جسر متحرك تقع في الناحية الشرقية ترتفع عن مستوى الأرض مفتوحة على ردهة مربعة معقودة السقف تقع ضمن برج مربع أعيد بناؤه في زمن الظاهر بيبرس وفقا للنص الكتابي المدون على جدرانه .

كما زينت البوابة بأسد من كل جهة يتجه وجههما نحو النقش وتتألف أيضا من حصن داخلي وحصن خارجي يوجد بينهما خندق وحولهما خندق اما القصر فهو محمي بأبراج دفاعية.

وأوضح السيد أن القلعة الداخلية الحصن الداخلي بنيت فوق قاعدة صخرية مرتفعة يعزلها عن السور الخارجي خندق عريض في الصخر كسيت جدرانه برخم نوع من الحجر يتكون من كربونات الكالسيوم المتبلورة الموجودة في الطبيعة وهو حجر متين جميل يمكن صقل سطحه بسهولة من الحجارة المنحوتة ويشرف الحصن الداخلي على السور الأول ومنشاته اشرافا تاما ويسيطر على الأرض المحيطة بالقلعة كلها ويتألف من طابقين أرضي وعلوي ومن خندق محفور في الصخر يحيط بالقلعة تزوده أقنية بمياه الأمطار يبلغ طوله قرابة 70 م و يعزل القلعة عن الجرف الممتد باتجاه الجنوب.

كما يتكون من أسوار سميكة مدعومة من الخارج بجدران مائلة أو استنادية ذات سطوح منحدرة لحماية الجدران الداخلية و الأبراج من الزلازل وأعمال التخريب والتلغيم ومن خمسة أبراج دفاعية ضخمة عالية ذات طبقات متعددة تشرف على القلعة الخارجية من فوق المنحدر الذي بنيت عليه ومن حامية للسور الداخلي ومن مجموعة من الأبنية المحفوظة بشكل جيد تحيط بصحن مستطيل الشكل ففي الناحية الجنوبية نجد المستودعات ومهاجع للجنود والقاعة الكبرى أو قاعة الفرسان الى الغرب وقد بنيت وفقا للطراز المعماري القوطي في القرن الثاني عشر الميلادي و تنفتح على الصحن برواق ذي أقواس و عقود قوطية كما يتصل الرواق بالقاعة الكبرى عبر بابين و فتحتين لهما عضاضات و تيجان مزخرفة.

كما تضم القلعة كنيسة تقع شمال الصحن يعود تاريخ بنائها إلى ما بعد زلزال عام 1170 م زينت بالرسوم الجدارية أهمها رسم جداري على الطراز البيزنطي رسم على جدران المصلى يمثل السيدة العذراء تحمل النبي المسيح بين ذراعيها ومعها القديس سمعان وتوجد كتابتان في نافذة الرواق قرب المصلى إحداهما باللغة اللاتينية تقول : “إذا منحت النعمة ومنحت الحكمة وفوقها الجمال لا تدع التعجرف يقترن بها لأنه سيذهب بها جميعا” وأخرى باللغة الفرنسية تقول : شيد هذا العمل زمن الأخ جورج أي سيد القلعة يومذاك.

وأشار السيد إلى أن الكنيسة حولت إلى مسجد بإضافة المحراب بعد فتح القلعة على يد الملك الظاهر بيبرس حيث كتب على باب الكنيسة اية قرآنية قل كل يعمل على شاكلته أي ان لكل عصر رجاله ومعتقداته وأفكاره.

وتمتاز الكنيسة بأقواس كبيرة منكسرة حروفها بارزة مزدوجة الاستدارة وهي تشبه مثيلاتها في الكنائس الرومانية وحيدة الجناح في فرنسا ككنيسة سان غابرييل وهي من مميزات النمط الروماني البروفانسي الاوربي وللكنيسة مدخلان رئيسان جنوبي متصل بكنة فسحة تنفتح على الصحن بقوسين منكسرين كبيرين ومدخل آخر يقع في الجهة الغربية.

وتشكل الجهة الشرقية من الكنيسة درجا عريضا يصل الى الطابق العلوي باتجاه الابراج الجنوبية.

وأخيرا يقع البهو الغربي الكبير خلف القاعة الكبرى ويضم حمامات وافرانا لصناعة الخبز مستديرة أو دائرية الشكل.

أما القلعة الخارجية الحصن الخارجي فهي عبارة عن سور خارجي مدعم بجدران مائلة و مزود بـ13 برجا بعضها دائري و بعضها مربع و تتألف القلعة الخارجية من عدة طوابق تتوزع فيها القاعات والاصطبلات والمستودعات وغرف الجلوس و قد أحيطت بخندق.

بدوره ذكر جبران عيسى من قسم الإرشاد السياحي في كلية السياحة بجامعة دمشق أن قلعة الحصن تعتبر أفضل نموذج معروف في العالم لقلعة عسكرية أثرية محصنة حيث زودت القلعة بإحدى وعشرين بئرا لتجميع مياه الأمطار و تم تصميم الأسطح وقنوات التصريف بشكل شبه مائل بحيث تتجه المياه إلى الآبار و بمخازن تستوعب مؤونة تكفي مدة خمس سنوات ما مكن القلعة من الصمود طويلا في وجه الحصار.

ولفت الى أن القلعة تتميز ايضا بوجود مدخل سري له باب منزلق يدعى باشور نيقولاس لورني و دعم المدخل بتحصينات دفاعية مستديرة الشكل ذات شقوق لرمي السهام وأشار إلى أن المدخل السري يقود الى قاعة صغيرة عبر دهليز مستقيم يؤدي إلى فناء بين سوري القلعة كما نجد من الغرب برج الطاحون وبوابة أخرى للقلعة تؤرخ في القرن التاسع عشر الميلادي لكن الجهة الجنوبية من القلعة كانت نقطة الضعف كون الجهات الثلاث لأخرى من القلعة قائمة على منحدرات شديدة تجعل اقتحامها من هذه الجهات عملية شبه مستحيلة لذلك ركز الظاهر بيبرس على اقتحام القلعة من الجهة الجنوبية و تمكن من اقتحامها بعد حصار دام شهرا ونصف الشهر.

يذكر أنه اكتشفت في القلعة عدة قبور منها ستة قبور تحت رواق مصلى الكنيسة و ثلاثة قبور في مسجد بني مكان كنيسة نوتردام دي بورغ.

عماد الدغلي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.