كل قوم بما لديهم فرحون

lebanon-flag1

موقع إنباء الإخباري ـ
زينب عقيل:
هي عبارة “الوفاق الوطني” وتلك “العيش المشترك” التي جرّدت اللبنانيين من لبنانيتهم، لأنها ـ بكل بساطة ـ لم تكن يومًا الا كذبة، وما بني على باطل فهو حتمًا باطل.
لقد قام لبنان على تعاقدية مركزها اثنان: دستور وحدوي عام 1926 وميثاق اتحادي طوائفي عام 1943، الى أن أُتحِفنا باتفاق الطائف عام 1989، والى هذا الحين، كل ما في ذلك الدستور والميثاق والاتفاق، ما زال في تغذية مستمرة لمنهج: “الطائفة أولًا”.
ليس ولاء وتبعية كل طائفةٍ إلى خارجٍ مختلف بأمرٍ حديث على اللبنانيين، فعهد التبعية قديم منذ الدولة العثمانية، عندما تولّت الإرساليات الأوروبية والروسية أمور التعليم وشؤون الدين لمختلف الطوائف المسيحية، ووفّرت لهم حظًاً موفّقًا للثقافة والتعليم، ما أسس لديهم شعوراً بالإنتماء الى تلك الدول، توارثوها إلى يومنا هذا أباً عن جد.
وبُعَيدَ تقسيم الشرق الاوسط في بداية القرن الماضي، خرج  السنّة في لبنان من حماية الدولة المركزية الاسلامية إلى القطب المصري في عهد عبد الناصر ثم إلى المملكة العربية السعودية  التي ساهمت في تأسيس مدارسهم وتقوية زعاماتهم.
أما الشيعة، فقد وجدوا لأنفسهم ظهيراً ينسجمون معه فكريّا وعقائديّا واستراتيجياً، خاصة فيما يتعلق بالصراع مع اسرائيل في ظل تجاهل الدولة اللبنانية لهم، ولم يكن ذلك قبل أواخر القرن الماضي بعد انتصار الثورة الاسلامية الشيعية في ايران. ومن حكم جبل لبنان لعدة قرون – أي الدروز- فكانوا تحت حماية الروس في بادئ الأمر ومن بعدهم البريطانيين وذلك نكاية بالفرنسيين.
وهكذا، لم يكن اللبنانيون يوماً مواطنين إلا في حدود طوائفهم وتبعيّتهم، وبقدر ما لزعمائهم نصيب من السلطة فيما يسمى بالدولة اللبنانية.
وعلى مأزق المواطنية الطائفية تطفو مسألة التغيير، وتعلو نداءات خجولة للتحول نحو العلمانية، بل منهج ” لبنان أولًا” وليس الطائفة، ولكن بحسب العديد المتواضع الذي نلاحظه في ثورات البندورة الخجولة، فإنّ اللبنانيين يشعرون بالأمان في انتمائهم الى طوائفهم أكثر ما يشعرونه في انتمائهم الى لبنانهم، على الرغم من تمسكهم به، فيصبح لبنان ويمسي بين أسنان طوائفييه، يتناتشونه حتى أفرغوه من كيانه، وألبسوا وجهه بربارة العيش المشترك.
هي السفسطة والديماغوجية ما يُحكَم به لبنان، ولم تكن يوماً الديموقراطية، فالطائفة مقياس جميع الأشياء، وكلّ طائفة تحكم بدستورها وحكمها حق. ولما كانت أحكام الطوائف تختلف بالشيء الواحد، فما تراه هذه صواباً تجده الأخرى خطأ، فكل طائفة مخطئة ومصيبة في آن واحد، وليس للأمور في لبنان أيّ معيار موضوعي أو قاعدة ثابتة تقوم عليها، إلى أن اختلفنا حتى على العدو. وأما الخطاب السياسي فهو مفصّل تمامًا على هوى الجمهور، مع دراسة شاملة لمزاجيتهم وظروفهم لما يتناسب مع عقائدهم، بغض النظر عن صوابيتها أو خطئها. ونحن بأغلبنا شئنا أم أبينا نشبه الغنم الذي يتبع الراعي بسعادة، إما الى المرعى أو الى المذبح.
هو وطنٌ لم يشهد يومًا زعيماً وطنيًّا جامعاً، بل نسجته الطائفية من خيوطها الواهنة، فلا يحملنّه أحدٌ وزر ما نحن فيه، لأنّ وطنًا لا يغيّر ما بأبنائه حتى يغيّروا ما بأنفسهم، ولكن هيهات، فكلّ قومٍ بما لديهم فرحون، بمن فيهم أنا، من كتبت هذا المقال.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.