كيف أذلّت كوريا الشمالية أميركا عسكريا؟

 

 

بعد مرحلة من تسارع التطورات في شبه الجزيرة الكورية، وبعد أن كان العالم يترقب الهجوم الأمريكي (المؤكد) على بيونغ يانغ، والتهديد غير المسبوق للإدارة الأمريكية وعلى أعلى المستويات لكوريا الشمالية، يبدو أن الاستعراض قد انتهى، وقد ربحت بيونغ يانغ الجولة، وأذلت حكام البيت الأبيض. حيث خفت قرع طبول واشنطن ليعلو مكانه أصوات الدعوة للتهدئة وضبط النفس من داخل المكتب البيضاوي الذي يحتضن دونالد ترامب منذ أشهر.

بداية الأمر كان بعد سلسلة تجارب صاروخية بالستية أجرتها كوريا الشمالية وحديث عن نية تجربة نووية سادسة، وما أعقب ذلك من تهديد ووعيد أمريكي. وصل إلى حد توعد فيه دونالد ترامب باستجرار أسطول عرمرم إلى السواحل الكورية الشمالية وذلك لتوجيه ضربة منفردة إلى بيونغ يانغ في حال لم تتمكن الصين من ضبط جارها المشاكس الذي يقض مضجع واشنطن بسبب نشاطاته النووية.

وبالفعل قام البنتاغون بتحريك أسطول بحري على رأسه حاملة الطائرات “يو اس اس كارل فينسن” ترافقها سفن قاذفة للصواريخ. وكارل فينسن هي من أعظم حاملات الطائرات الأمريكية تعمل بالطاقة النووية، وعلى متنها أكثر من 70 مقاتلة ومروحية إضافة إلى آلاف جنود المارينز الأمريكيين.

كذلك وفي سياق التصعيد الأمريكي قام نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس بجولة آسيوية شملت كوريا الجنوبية، اليابان، إندونيسيا وأستراليا تفقد خلالها استعدادات الجنود الأمريكيين وأطلق كماً من التهديدات، معلنا انتهاء “عهد الصبر الاستراتيجي” مع بيونغ يانغ. متوعدا برد ساحق وأن كل “الخيارات مطروحة على الطاولة”.

من جهتها بيونغ يانغ، اعتمدت سياسة الهجوم والتقدم خطوة إلى الأمام، فلم يصدر أي خطاب من جانبهم يدعو إلى التهدئة أو ضبط النفس على عكس بعض الخطابات الأمريكية واليابانية وغيرها. بل أكد قادة البلاد على الاستعداد لإغراق حاملة الطائرات الأمريكية في حال اقترابها من السواحل الكورية، وذلك لإظهار مدى البأس الذي تكنه بيونغ يانغ اتجاه أمريكا.

ولم تكتفي بيونغ يانغ بذلك، بل وجهت تحذيرات نووية لحلفاء واشنطن ومن ضمنهم أستراليا، التي هددتها بتوجيه ضربة نووية، ردا على تصريحات وزيرة خارجيتها جولي بيشوب، التي قالت أن البرنامج النووي الكوري الشمالي خطير جدا على بلادها. وقد انتقد متحدث باسم الخارجية الكورية الشمالية التأييد الأعمى لأمريكا، مطالبا إياهم بالتحدث بعقلانية عن جوهر الموضوع والانتباه إلى الألفاظ التي تستخدمها وزيرة الخارجية الأسترالية.

ومن الأمور التي تقض مضجع أمريكا هو سيناريو قصف الأراضي الأمريكية عبر أسطول الغواصات الكوري الشمالي، خاصة أن بيونغ يانغ كانت قد عرضت صواريخ بالستية جديدة يمكن إطلاقها من على متن غواصات. وفي هذا السياق وخلال ارتفاع مستوى التوتر بين البلدين، كشفت  وكالات أنباء أن واشنطن تمكنت من رصد 50 غواصة تابعة لبيونغ كانت قد اختفت قبل سنتين لتعود وتظهر على الرادارات الكورية الجنوبية. وأكدت هذه التقارير أن الغواصات الكورية الشمالية قد جُهزت بشكل يُنذر باستعدادها لتنفيذ هجوم خاصة أن شباك التمويه قد أُزيلت من على الأسلحة الموجودة.

كما أكد مسؤول كوري شمالي لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن بيونغ يانغ ستواصل تجاربها بانتظام وأن أي خطوة من قبل أمريكا ستواجه بحرب شاملة، وهذا ما أكدته أيضا وزارة  الخارجية الكورية الشمالية التي أكدت أنها سترد على إرسال حاملة الطائرات كارل فينسون بأي شكل من الأشكال.

بعد كل هذه الاستعراضات الأمريكية، والتهويل وجولة نائب الرئيس الأمريكي إلى تلك المنطقة، صدرت تصريحات خلال اليومين الماضيين عن الرئيس الأمريكي نفسه يأمل فيها أن يكون الزعيم الكوري الشمالي مريدا للسلام. في تراجع واضح أمام الإرادة الكورية، كما أعلنت مصادر عسكرية أمريكية عن تراجع أمريكي عن فكرة ضرب كوريا الشمالية. وفي اتصال هاتفي جرى الاثنين بين دونالد ترامب والرئيس الصيني شين جين بينغ، أكدا خلاله على ضرورة ضبط النفس والامتناع عن توتير الأمور في شبه الجزيرة الكورية.

وفي سياق التراجع الأمريكي نشير إلى ما نقلته ناشنل اينترست الأمريكية عن عضو في مركز الدراسات للقوات البحرية الأمريكية  قوله، بعد تدمير كوريا الشمالية خلال الهجوم الأمريكي مساعدة لكوريا الجنوبية بين 1950 و 1953 ونظرا لما حصل في حينها، قامت كوريا الشمالية بتطوير منظومات عسكرية متطورة لتجنب هذه المأساة، وتعتمد هذه المنظومة على أمرين الأول تكنولوجي دفاعي والثاني شبكة مخابئ وأنفاق مقاومة للهجمات العسكرية، وهذا الأمر أضعف قدرة الردع الأمريكية وجعلها تعيد التفكير مئة مرة قبل أي هجوم متهور على بيونغ يانغ.

إن ما حصل من تطورات أخيرة بين أمريكا وكوريا الشمالية يؤكد أن أمريكا قد خسرت هيبتها وتم إذلالها من قبل الكوريين الشماليين. وأثبت كيم جونغ اون أنه زعيم جدير بقيادة الشعب الكوري، في مقابل أن دونالد ترامب ليس سوى مقامر ورجل أعمال يُثبت يوما بعد  آخر أنه أضعف من أن يتمكن من استعادة هيبة أمريكا الضائعة. خلاصة الأمر إن التراجع الأمريكي أمام قرار المواجهة الكوري جعل من الأمريكيين عاجزين عن الخوض في أي حرب حقيقية في المستقبل، ولو خاضوها فإن مصيرها الفشل الأكيد بسبب انكسار هيبتهم أمام حلفائهم قبل الأعداء.

المصدر: الوقت

،،،

Source link

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.