لبنان وطناً نهائياً.. هل يؤمن حزب الله بالشراكة؟

lebanon-flag1

موقع العهد الإخباري ـ
هادي قبيسي:

نشأ حزب الله في ظروف انسداد الأمل واحتجاب الرؤية، لبنان الدولة الضعيفة كان قد أصبح في ظل الثكنة الإسرائيلية، والعرب خارج التاريخ، يتأملون سرديات النكبة والنكسة والهزيمة، مستغرقين في أسباب الفشل، غير قادرين على تخيل فرجة أمل في نهاية النفق.

أحد ما في لبنان امتلك رؤية حالمة خارجة عن المألوف آنذاك، رؤية تؤمن بضرورة التحدي وإمكان تحقيق اختراق في جدار اليأس. رؤية مدفوعة بزخم ثوري وأيديولوجيا دينية ضاربة عمقاً في الجذور أعطت ثماراً على الأرض : تحدي القوة الإسرائيلية المتفوقة بآلاف الأضعاف.

حزب الله حالة مختلفة لبنانياً وعربياً وتحت الضوء عالمياً، تحمل فكراً تجاوزياً يؤمن بالغيب ويمارس بمهنية عالية في الواقع الميداني، الفكرة الكربلائية الموروثة من تجربة الإمام الحسين عليه السلام تحمل روحاً مختلفة عن الأفكار المادية والوضعية المتنوعة، كما أنها تختلف عن فكرة التكفير في نظرتها الأخلاقية التسامحية إلى الآخر والزاهدة الترفعية عن السلطة. سواءً كنا من مؤيدي أو معادي الحزب، نحن مرغمون على قبول الواقع: لم يسيطر حزب الله على السلطة في لبنان رغم قدرته على ذلك.

تفسير هذا الموقف من السلطة وفق منظور أخلاقي حصراً يقع في سياق المقارنة مع الفكر التكفيري الذي تتموضع السلطة في رأس أولوياته لتحدد موقفه الإقصائي من الآخر، أما الأبعاد السياسية فهي بحاجة إلى دائرة تحليلية متكاملة.

حزب الله يرتكز إلى الفكر الإسلامي الشيعي، وهي نقطة تمايز فكري ومذهبي أعطته خصوصية ثورية واستراتيجية، من خلال المثال الكربلائي في المخيال الشيعي والوعي الجماعي، كثقافة حية وباقية. شيعية الحزب تحتم عليه تفادي الذوبان في بيئة واسعة ومتنوعة وغارقة في الصراعات والفوضى. في لبنان الصغير يشكل الحزب نصف الكتلة السياسية، في البحر المحيط يشكل أقلية محدودة جداً. النقطة الأولى إذن، نهائية الكيان اللبناني كمصحلة استراتيجية للحزب.

كمشروع لمواجهة الكيان الغاصب، سبب الإنكسار الحضاري والثقافي والمعنوي، يتحرك حزب الله في الساحة اللبنانية كمنطقة آمنة ومستقرة نسبياً، لذلك لا يستطيع الحزب الحفاظ على مبرر وجوده وهو مواجهة  اسرائيل عندما يدخل في حرب على السلطة في لبنان. ولم يشارك الحزب في السلطة، سواءً على مستوى مجلس النواب، أو مجلس الوزراء، إلا كضرورة، للدفاع عن المقاومة.

لأجل الهدف الأساسي يضحي حزب الله بالسلطة ويحافظ على الوطن ويتفادى الفتنة الداخلية رغم إصرار الآخرين عليها، ويمد يد الشراكة إلى المضللين الذين يواجهونه وفق نظرية فيلتمان : لبنان وإسرائيل عدوان لحزب الله.

الثورة السورية أصبحت مثالاً يضرب فيما يمكن أن يسمى جرعة ضد الإنسانية، جريمة ليست مادية بل معنوية أيضاً، النفاق الذي تمارسه هذه الثورة الهمجية هو بحد ذاته خطر فكري ومعنوي يهدد كل القيم وكل فكر انساني سليم، يتيح للتنوع البشري التعايش والإستمرار. ما يحصل في سوريا اعتداء على الجنس البشري والحياة الإنسانية ككل.

حزب الله الذي يمتلك رؤية تجاوزية وإرثاً أخلاقياً متعالياً، لا يمكن له ترك لبنان فريسة سهلة للتكفير ومجازر الإبادة الجماعية، وكذلك ذوبان الكيان اللبناني في بحيرة الفوضى وانتهائه كبيئة آمنة للمقاومة، ولذلك دخل معركة الوجود في سوريا، في وقت كان جمعٌ من قادة الحرب على سوريا يتوضأ للصلاة في المسجد الأموي، لكن المقاومة، بدماء شهدائها وكفاءة خبرائها، سفهت أحلامهم.

القوى اللبنانية التي وضعها فيلتمان في نظريته في خانة التحالف الموضوعي مع إسرائيل، كانت قد سبقت الحزب بشهور طويلة إلى سوريا، تلك الجغرافيا التي دخلت إليها كل القوى المعادية للممانعة في العالم، لتحاصرها وتكسر مشروع ازالة إسرائيل من الوجود إلى الأبد. الحزب الذي لديه مصلحة استراتيجية في الحفاظ على الكيان اللبناني كساحة آمنة، قرر الدخول في حرب استباقية في مواجهة التكفير، منعاً لوصول النار إلى البيت اللبناني الهش. دعا علناً القوى التي تريد القتال معه للذهاب إلى سوريا، ميدان الصراع الرئيسي. ثمة مصلحة حيوية ونهائية للحزب في بقاء الكيان اللبناني، وبالتالي الشراكة مع الآخر كمرتكز واقعي وحيد للكيان، والأزمة السورية ولدت لدى الحزب، بطبيعة الحال، تشبثاً أكبر بالكيان وبالشراكة.

القوى اللبنانية المؤمنة بنظرية فيلتمان تملك رؤية ذات سقف محدود من الناحية الأيديولوجية، ليس ثمة مصلحة إنسانية عليا فوق السلطة، كتلك التي يفهمها الفكر الشيعي من تجربة الحسين في كربلاء. سياسياً لا تملك تلك القوى مشروعاً تغييرياً على مستوى الأمة وإنما مشاريع زعامات محلية تخدم قوى خارجية عبر لقاء مصالح مرحلي، مقابل حمايتها أو تمويلها. عملياً تفتقد تلك القوى إلى القدرة على التخطيط الذاتي، نتيجة تشتتها، فتستفيد من توجيه القوى الممولة لها. أخلاقياً السلطة بالنسبة لها هي قيمة ذاتية بحد نفسها، كما نشاهد في التجربة الإنتهازية الإقصائية بعد 2005. ثقافياً أتباع الدين الليبرالي النفعي والفردي من حقهم أن تكون السلطة طموحاً وحيداً لهم. لكل هذا لن يصدق الفريق الآخر أن ثمة إنسان لا يعشق السلطة ولا يضحي لأجلها بأي شيء من المبادئ أو الأهداف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.