لن يتركوا لنا ما نعتز به

nosrafront-syria

صحيفة الوطن العمانية ـ
زهير ماجد:
إنها معركة شاملة .. موضوعها كل مكان عربي عليه القيمة أو له دوره التاريخي أو مساحته الإنسانية. تتدرج تلك المعركة بين المعنى السياسي والتخريبي والتدميري ومسح التاريخ من الواقع وربما من الوجدان .. في العراق لم يبقِ الغوغاء أثرا أو آثارا أو عالما إلا وتم سرقته وملاحقته .. وفي سوريا يجري اليوم معاقبة المسيحيين بشرا وحجرا .. فبعد أن فجروا مصيف مرمريتا في جبل النصارى السوري، ذهبت الأبصار باتجاه بلدتي معلولا وشقيقتها صيدنايا، البلدتين العائمتين على آثار مسيحية مهمة تعود إلى مئات السنين، ففي معلولا ما زالت اللغة الآرامية التي تحدث بها السيد المسيح هي المتداولة بين أناسها، وفي صيدنايا ما زالت هنالك الكنائس ذات العبق الديني التاريخي. البلدتان باتتا تحت مرمى قوى الغوغاء والإرهاب، ولسوف تكرس “القاعدة” و”النصرة” جهودهما لتدمير المكانين، وهو استكمال لتفجير المساجد أيضا.
وفي القاهرة بدأت المفخخات زيارتها، فهل اخترقتها “القاعدة”؟ وهل صار لها مكان في الشقيقة مصر لتتحول إلى عراق جديد أو سوريا أو لبنان؟
هذا العالم الإجرامي الإرهابي الذي نبت بيننا، له رأسه المدبر والمفكر والمحرك، من المؤسف أنه عربي .. بدأ دعمه عربيا، واستمر، واليوم زادت ميزانيته بعدما صار مطلوبا لبث أفاعيه على المنطقة كلها .. بل إنه على ازدياد عدديا يجلس في حضن مربيه ويشرب من معينه ويتحرك بقراره.
نحن كما يقول مفكر مصري في أسوأ أيام العرب، بل في الأرذل منها، قاتلنا يجلس بيننا، يبث سمومه في أجيالنا ويخترع وجودا له من أجل إقامة دائمة في أرض ترفضه.
عالمنا العربي مكلوم إلى حد الفجيعة بسبب هذه الموجة التكفيرية التي تريد إنهاء نظافته وشفافيته .. والأنكى أنها على قناعة بما تفعل، بل هي تعتبر أن العرب جميعا مهما كانت ميولهم على ضلال، إلا هم. وهذا بحد ذاته تكفير التكفير، لأنه قائم على فكرة أن ليس من فكري فهو عدوي، ومن ليس معي فهو عدوي أيضا، ومن لا يناسبني فالذبح نهايته.
من الواضح أن هؤلاء لن يتركوا لنا مكانا نعتز به، بتنا نخاف على أمكنة كثيرة في القاهرة لها تاريخها المضيء يريدون عتمته .. تماما مثلما يفعلون في سوريا وفي العراق وقبلها في لبنان، ومثلما يسطرون يوميا في ليبيا، وها هم يقررون في تونس ضد كل مضيء. هو عالمهم الذي يناسب سكنى الجحيم، الدين منهم براء، والإسلام الحقيقي الذي تعرفنا عليه منذ نعومة أظفارنا كذلك. بكل ألم القول، نزف إلى عالمنا العربي أن تأخذوا صورا تذكارية للأماكن التي تعتزون بها قبل أن يصلها “التتار” الجدد، وقبل تدميرها وتحويلها إلى أطلال .. يبدو أن محركهم قرر معركة بقائه من خلال إشاعة تاريخ هولاكي جديد لن يترك فيه فكرا أو علما أو أثرا محترما له شواهده التاريخية إلا ويفترض تدميره. من المؤسف أن كثيرين من أهل المعرفة والعلم لم يكتشفوا الأمر بعد، أو أنهم يتغطون بلحاف هذا المحرك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.