مأزق «إسرائيل» واللاعبين الصغار في الميدان السوري…!

 

صحيفة البناء اللبنانية ـ
محمد صادق الحسيني:

مرة أخرى يتّجه الجنوب السوري نحو الاشتعال، فيما تظهر فيه الإدارة الأميركية وصغارها في أكثر حالاتهم ارتباكاً…!

بانتظار عودة الجغرافيا السورية الى ساحة الفعل البناء على معادلات السياسة الإقليمية والدولية نقول:

عندما ينظر المرء الى التصريحات الصادرة عن الإدارة الأميركية خلال الأيام القليلة الماضية، خاصة عن وزارة الخارجية، والمتعلقة بالوضع في الجنوب السوري، والتي تراوحت بين تهديد روسيا وسورية بردود فعل أميركية قوية «إذا ما واصل الجيش السوري خرقه اتفاق منطقة التصعيد في الجنوب السوري»، حسب تعبير الخارجية الأميركية، وبين الرسالة الأميركية التي وجّهت أمس لمسلحي جنوب سورية، بمختلف مسمّياتهم، وتلك التي طلبت فيها الإدارة الأميركية من المسلحين الاعتماد على أنفسهم في مواجهة هجوم الجيش السوري المرتقب، على مواقعهم وعدم انتظار مشاركة عسكرية أميركية مباشرة دعماً لهم، نقول ستبدو له تلك التصريحات في ظاهرها متناقضة، بينما حقيقة الأمر أنها ليست كذلك وذلك للأسباب التالية:

أولاً: جاء تصريح وزارة الخارجية الأميركية قبل أيّام، والذي تضمّن تحذيراً لكلّ من روسيا وسورية من مواصلة الجيش السوري هجومه، ضدّ مواقع المسلحين في أرياف السويداء ودرعا والقنيطرة، لتقديم غطاء سياسي أميركي للعملية العسكرية التي تمّ الاتفاق على تنفيذها ضدّ الجيش السوري، في ريف درعا الشرقي، من قبل كلّ من نتنياهو والسعودية وملك الأردن خلال اجتماعهم الثلاثي في عمّان يوم الاثنين 18/6/2018.

ذلك الاتفاق الذي أعطى الضوء الأخضر، لغرفة العمليات المشتركة للتنظيمات المسلحة في الجنوب السوري، التي تمّ تشكيلها حديثاً، في إطار توحيد الجهد العسكري لهذه التنظيمات ضدّ الجيش العربي السوري، وذلك من خلال السماح لهم تنفيذ هجوم استباقي واسع ضدّ وحدات الجيش السوري العاملة على محاور أرياف درعا الشرقية والشمالية الشرقية وأرياف السويداء الشمالية، بهدف إحباط الهجوم الواسع المنتظر تنفيذه من قبل الجيش السوري في القريب العاجل.

ثانياً: أما التصريح الثاني، أو الرسالة الأميركية، الموجّهة للمسلحين والتي تطالبهم بالاعتماد على أنفسهم، وعدم انتظار مشاركة عسكرية أميركية مباشرة، لصدّ هجوم الجيش السوري ضدّ مواقعهم في جنوب سورية، إنما جاءت بعد أن فشل هجومهم الواسع والذي شارك فيه أكثر من ألف مسلح على مواقع الفرقة التاسعة السورية، في محيط بلدتي داما ودير داما، في ريف السويداء الشمالي. أيّ بعد أن فشل رهان المشغّلين الصغار للمسلحين، من إسرائيلي وسعودي وأردني، في رهانهم على قدرة المسلحين على إحداث تغيير ما، في مسرح عمليات الجنوب السوري، ربما يؤدّي الى تغيير مسار معركة تحرير هذه المناطق السورية وإعادتها الى سيطرة الدولة.

ثالثاً: أما ما يتردّد من تصريحات صحافية لقادة «إسرائيل» العسكريين والمدنيين، أمثال وزير الحرب ليبرمان ورئيس الأركان إيزنكوت، فلا يجوز حتى الاستماع اليها لأنها لا تعبّر عن حقيقة الموقف الاسرائيلي مما يدور في جنوب سورية. ولا بدّ للمتابع أن يعلم بأنّ ليبرمان ورئيس أركانه ليسا أكثر من ضباط صغار يعملون في وحدة خاصة من وحدات الجيش الأميركي وتسمّى الجيش الإسرائيلي. وهما ليسا صاحبي قرار وغير قادرين على القيام بأيّ عمل عسكري، مهما صغر، دون موافقة او ضوء أخضر اميركي. لذا فإنّ تصريحاتهما ليست أكثر من ضجيج إعلامي بلا أيّ محتوى عسكري حقيقي.

وخير دليل على ذلك إنما هو التزام وحدات الجيش الإسرائيلي، المنتشرة في جنوب الجولان المحتلّ، بالحفاظ على درجة استعداداتها العسكرية العادية نفسها، دون اتخاذ أية إجراءات غير روتينية طوال الساعات الأربع والعشرين التي أعقبت هجوم المسلحين على مواقع الفرقة التاسعة في الجيش السوري.

لا بل بالعكس، فإنّ قوات حلف المقاومة قد قامت بتحدّ كبير لـ»إسرائيل» وجيشها، عصر يوم 24/6/2018، عندما أرسلت طائرة بدون طيار في مهمة استطلاعية الى أجواء الجليل الفلسطيني المحتلّ وفشل الجيش «الإسرائيلي» في إسقاطها رغم إطلاقه أكثر من صاروخ باتريوت باتجاهها، ودون القدرة على القيام بأيّ ردّ عسكري ضدّ مواقع قوات حلف المقاومة، سواء في الجنوب السوري أو في أيّ منطقة أخرى، على عكس ما جرت عليه العادة سابقاً من تذرّعه بأيّ قذيفة يطلقها المسلحون كي ينفذ اعتداءات ضدّ مواقع الجيش السوري.

مما يدلّ على أنّ الطرف الأميركي قد أصدر أمر عملياته لكلّ أذنابه الذين شاركوا في هذه المحاولة الفاشلة واليائسة، التي نفذوها ضدّ مواقع الجيش السوري، بأنهم لم يُحسنوا استغلال فرصة موافقة سيد البيت الأبيض على طلبهم السماح بشنّ ذلك الهجوم، ولذلك عليهم أن يتوقفوا عن هذه الأعمال العبثيه التي قد تكون لها تأثيرات سلبية على القمة المرتقبة بين الرئيس بوتين ودونالد ترامب.

لذلك فإنّ عجز صغار ضباط الجيش الأميركي في غرب آسيا، ليبرمان وايزينكوت مضافاً اليهم الخائب محمد بن سلمان، قد أصبح صارخاً جداً، من الجولان حتى باب المندب، مما يجعلنا ننصح سيد البيت الأبيض البدء في تفكيك قواعده العسكرية في المنطقة، بما فيها «إسرائيل» طبعاً، والرحيل عن المنطقة بخسائر أقلّ بكثير من تلك التي سيتكبّدها عندما تقرّر أطراف حلف المقاومة ترحيله بالقوة العسكرية.

هي السنن الكونية.. عالمهم ينهار ساحة بعد ساحة وميداناً بعد ميدان، فيما عالمنا ينهض من جديد، آية بعد آية. ويمكرون ويمكر اللهـ والله خير الماكرين!

بعدنا طيبين، قولوا الله…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.