ماذا يعني تشكيل قيادة عسكرية مشتركة لمجلس التعاون الخليجي؟

Gulf Cooperation Council (GCC) - Flags

تقرير يسلّط الضوء على تاريخ انشاء مجلس التعاون الخليجي عام 1982 وصولاً إلى الدورة 34 التي عقدت الأسبوع الماضي والتي تلت انعقاد مؤتمر أمني عربي – إسلامي في ابوظبي تحدث اليه محاضرا رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريز من القدس المحتلة.

أعلن البيت الابيض حديثا عن عزمه تزويد مجلس التعاون الخليجي معدات وخدمات دفاعية معللا أن الخطوة ستعزز السلام العالمي وتوفر الأمن للولايات المتحدة.

وسيتم التركيز مبدئيًا على تصدير أنظمة الدفاع الصاروخية ومعدات لتأمين الحدود والملاحة البحرية ومكافحة الإرهاب.

الإعلان أتى ثمرة انعقاد الدورة الرابعة والثلاثين (34) لقمة دول مجلس التعاون الخليجي، الأسبوع الماضي في الكويت، والتي تلت انعقاد مؤتمر أمني عربي – اسلامي في ابوظبي، مطلع الشهر الجاري، حضره زهاء 29 وزير خارجية ومسؤولين عرباً ووزراء خارجية ماليزيا واندونيسيا وبنغلادش؛ تحدث اليه محاضرا رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريز عبر الفيديو من القدس المحتلة وخلفه علم كيانه الغاصب.

الصحف “الاسرائيلية” وصفت الخطاب بأنه “حدث تاريخي” لافتة النظر إلى “عدم مغادرة أي من الوزراء المشاركين، وحضور نجل العاهل السعودي” لسماع الخطاب.

عودة سريعة لمرحلة تأسيس “مجلس التعاون” ككيان ناظم، في عام 1981، والذي كان بتوجيه آل سعود، الأسرة المالكة في الجزيرة العربية، التي ما برحت تبحث عن أطر ووسائل واشتقاقات لاستبدال اواصر العروبة وروابطها واطرها وما تبقى من تجلياتها، وتوصلت لمخرج يفضي بانشاء مجلس التعاون الخليجي.

اللافت تاريخيا ايضا ان التبريرات الرسمية آنذاك، على لسان مسؤولي الأسرة المالكة، أن المجلس ليس جزءاً من الجامعة العربية، بصرف النظر عن هوية وفاعلية تلك المؤسسة من عدمه.

تبلور الاستراتيجية الاميركية في منطقة الخليج

النقلة النوعية في الاستراتيجية الاميركية لتكثيف تواجدها في منطقة الخليج العربي تعود إلى عام 1974، تبلورت في خضم أزمة امدادات النفط إبان فترة ولاية الرئيس الاسبق ريتشارد نيكسون. وتشير الأوراق الخاصة لوزير الخارجية الأسبق، هنري كيسنجر، إلى تقديم عرض “ثنائي بالإشتراك مع الرئيس نيكسون” إلى العاهل السعودي الملك فيصل يقضي “باقامة علاقة خاصة ومميزة (بين أميركا والسعودية)، مقابل استئناف ضخ النفط باسعار معقولة” للاسواق الدولية.

ويتضمن العرض، حسب توثيق كيسنجر في ملفاته المفرج عنها حديثا، التزام الولايات المتحدة بتوفير “سبل العون للحكام في السعودية لسحق المعارضة السياسية في الداخل والخصوم الايديولوجيين في الخارج”. أي أن الولايات المتحدة ستنخرط مباشرة في حماية النظام الملكي في السعودية. وسرعان ما وصل فريق تابع لوزارة الدفاع الأميركية، البنتاغون، للرياض لوضع أسس استراتيجية عسكرية اميركية – سعودية مشتركة “لضمان أمن المملكة.” (وثيقة كيسنجر مذيلة بتاريخ 11 آذار 1974، أتى ذكرها في مؤلف آندرو سكوت كوبر “ملوك النفط،” 2011، ص 158، 161).

وتصاعد الدور الاميركي خلال عهد الرئيس جيمي كارتر في عقد الثمانينيات وتشكيله القوات المركزية للتدخل السريع في منطقة الخليج.

الإعلان الاميركي الرسمي الأخير أتى ايضا على خلفية مفاوضات جنيف النووية مع ايران، والذي أثار الاتفاق المعلن معها خيبة أمل كبيرة وتعبيرات غاضبة لدى الأسرة المالكة وبعض الدويلات التابعة في فلكها في الاقليم، رافقها ايضا خيبة أمل قادة الكيان الصهيوني.

في هذا السياق، يشار إلى حضور وزير الدفاع الأميركي، تشاك هيغل، منتدى “حوار المنامة في البحرين، 7 كانون الاول/ ديسمبر الجاري، إذ أوضح أن الولايات المتحدة تنظر إلى بيع أسلحة اميركية للدول الأعضاء في المجلس باعتبارها “منظمة واحدة وليس على أساس فردي فقط،” كما كان الأمر عليه في السابق؛ وحثه الدول الأعضاء على “انشاء حلف عسكري والعمل بطريقة منسقة” لترتيب تسلمها الأسلحة الأميركية الموعودة التي بلغت تكلفتها المعلنة للحظة زهاء 70 مليار دولار.

وزير الدفاع هيغل من جانبه طمأن هواجس الدول الخليجية بتوجهات بلاده لتعزيز تواجدها العسكري بصرف النظر عن استدارتها وتوجهها نحو الشرق الاقصى كأولوية استراتيجية. وأضاف ان الولايات المتحدة ستبقي على نحو 35،000 من القوات العسكرية مرابطة في منطقة الخليج تشمل زهاء 40 قطعة بحرية من ضمنها مجموعة حاملات للطائرات ونظم الدفاع الجوي وشبكات الرادار وطائرات مقاتلة واخرى من الدرونز “التي باستطاعتها الاغارة على اهدافها في فترة زمنية قصيرة”.

سبق إطراء هيغل ببضع سنوات ترويج المملكة السعودية، في عام 2006، لإعتماد مجلس التعاون “قيادة مركزية وقوات لا مركزية،” تساهم فيها كافة الدول الاعضاء؛ اقدمت إثر ذلك على حل “قوات درع الجزيرة،” التي كان تعدادها زهاء 10،000 جندي. واثمرت الجهود السعودية في عام 2009 عن انشاء قوة مشتركة للتدخل السريع لدول المجلس، لمواجهة “الأخطار الأمنية” توجتها بالتدخل العسكري المباشر في البحرين مطلع عام 2011.

لاحقا، أوضحت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، برناديت ميهن، طبيعة الأسلحة الاميركية والتي ستشمل معدات “للدفاعات المضادة للصواريخ وأخرى للأمن البحري ولمحاربة الإرهاب”. وتوقفت للقول أن هذا الإجراء يعكس “التزام الولايات المتحدة المتين تجاه دول مجلس التعاون الخليجي، ورغبتها في العمل مع الشركاء في الخليج من أجل تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة على المدى الطويل”، مستغلة هاجس قلق دول المجلس من تنامي الحضور الايراني في المنطقة.

بكلمة اخرى، إن أميركا ستقدم الاسلحة لدول المجلس أُسوة بمعاملتها حلفائها في حلف الناتو لتوريد المعدات العسكرية المتطورة.

تطوير جهود التعاون العسكري بين دول المجلس

نظرا لندرة العامل البشري لجأت الدول الخليجية إلى الإعتماد على وسائل التقنية الحديثة لتعويض النقص في عديد القوات المدربة؛ ورصدت ما مجموعه نحو 130 مليار دولار للإنفاق العسكري وشراء المعدات الحديثة منذ عام 2012، استثمرت أهمها في نظم الدفاع الجوي والسفن الحربية والطائرات المقاتلة.

في هذا الصدد تنبغي الإشارة الى تعاظم دور القوات الباكستانية المسلحة في المملكة السعودية، لتدعيم قوات الأخيرة في الخبرات القتالية، كان أحد مؤشراتها لقاء مغلق عقده السفير السعودي في إسلام أباد، عبد العزيز بن ابراهيم الغدير، مع قائد القوات الجوية الباكستانية، الماريشال طاهر رفيق بوت، في مقر قيادة القوات الجوية يوم 6 حزيران/ يونيو من العام الجاري.

ولا يسعنا في هذا الصدد إلاّ الاشارة إلى الدور التاريخي للمؤسسة العسكرية الباكستانية كأداة تنفيذ تأتمر بأمرة الدول الغربية، بريطانيا سابقا وأميركا لاحقا، للتدخل إن تطلب الأمر لحماية النظم الملكية والأسرية في المنطقة، كما تشهد عليه معارك ايلول/سبتمبر 1970 في الأردن، بقيادة الجنرال محمد ضياء الحق، الذي كرمّه النظام الاردني باطلاق إسمه على إحدى الجادات الرئيسة في العاصمة عمان.

تركيز الولايات المتحدة على تزويد دول المجلس بنظم دفاعية ترمي من ورائه إلى دمج تلك النظم المتعددة في نظام مركزي لتعزيز قدرات نظم الإنذار المبكر واطلاق الصواريخ الدفاعية بشكل أكبر فعالية من النظم الفردية المتناثرة. وعليه، سيزداد الإقبال على شراء نظم دفاعية متطورة من طراز باتريوت/ ثاد (نظام الدفاع الجوي للمديات المرتفعة).

آلية شراء الأسلحة قد تعترضها بعض العقبات المتأصلة في رغبة كل دولة على حدى شراء ما تراه مناسبا لسياساتها من النظم المطلوبة، سيما وأن مهام مكافحة الإرهاب وحماية الممرات المائية لا تستند إلى المعدات العسكرية الكبيرة، بقدر ما ترتبط بشكل وثيق بجهود تعاون الهيئات المختلفة في ما بينها. وعليه، فان بلوغ الدول الخليجية مرحلة قيادة متكاملة لادارة العمليات سيعزز آفاق التنسيق في ما بينها؛ واتاحة الفرصة لها، نظريا على الأقل، لتوسيع نطاق مهامها واختصاصاتها للافادة المشتركة، لتحقيق أمن الملاحة الاقليمية ينصح بعض الخبراء العسكريين الغربيين بأنه يتعين على دول المجلس بلورة استراتيجية اوسع نطاقا تفضي الى حماية الاقتصادات المحلية بدلاً من مجرد حماية الشواطىء إلى تسيير دوريات بحرية لحماية التجارة المائية المارة بمحاذاة شواطئها والتصدي للتهديدات الايرانية المحتملة في مضيق هرمز، ورصد ومراقبة التواجد الإيراني في مياه الخليج، ونشر سيادتها عبر استعراض قوتها المشتركة على طول شواطيء الخليج ومنصات استخراج النفط في مياهه.

من الثابت أن تسيير دوريات لحماية القوافل البحرية يستدعي جهوداً تنسيقية مكثفة، والتي أولت دول الخليج اهتماما ملحوظا فيها عبر انشائها “قوات الحماية البحرية – 152” لهذا الغرض.

بالمقابل لن يكون بوسع تلك القوات التصدي لأي ردات فعل انتقامية تصدر عن ايران في حال اقدامها على تعطيل الملاحة البحرية في مياه الخليج اذا تعرضّت لهجمات معادية. الأمر الذي يتطلب فحص كافة امكانيات قطع الإسطول التابع لدول مجلس التعاون للتيقن من تطوير سبل القيادة والتحكم، واخضاعها لتدريبات تعزز قدراتها على المناورة، كي تتمكن من انجاز مهمة مرافقتها للقوافل البحرية وحمايتها من اي اعتداء. وبهذه الخلفية تمضي دول المجلس في تكثيف مستويات اعتمادها على القطع البحرية الأميركية والتي تمتلك الخبرات والقدرات المطلوبة لتلك المهام.

مهام حماية النقل البحري هي مهام دفاعية بالدرجة الأولى، أما وإن رغبت دول المجلس تطوير اساليبها فينبغي عليها الإرتقاء إلى مرحلة تستطيع فيها تحييد الصواريخ الإيرانية المضادة للسفن، وخاصة المنصوبة في جزر تعتبرها الإمارات محتلة: ابو موسى وطنب الكبرى والصغرى.

تلك كانت الأهداف من التدريبات التي جرت العام المنصرم في مناورات “جزر الولاء” التي اشترك فيها اكثر من أربعين دولة بقيادة الولايات المتحدة تضمنت التدريب على اكتشاف الألغام البحرية وازالتها، وحماية السفن بغية حماية تدفق النفط دون عرقلة حركة الملاحة في الخليج. يضاف إلى ذلك انتظام التدريبات السنوية لأسلحة البحرية الخليجية لنزع ومكافحة الالغام البحرية، تعاونها في المهمة نحو 24 دولة اخرى بقدرات مماثلة، تسندها مركبات غواصة مستقلة باحجام متعددة، وأخرى أصغر مسيرة عن بعد.

وعليه، كي تبلغ جهود الدول الخليجية مراميها فهي بحاجة ماسة لبلورة نظام فعال لتبادل المعلومات في ما بينها، وانتهاج وسائل ووسائط تعد بالغة الحيوية للحفاظ على الممر المائي خالياً من الألغام قبل نشوب الاشتباكات.

مثالب البنية العسكرية الراهنة في دول الخليج

تدرك دول المجلس عمق الثغرات الإستراتيجية في بنيتها العسكرية ومنظومتها من الأسلحة البحرية المختلفة التي إن أُحسن استخدامها باستطاعتها توفير “قدرة أطول على البقاء” واستدامة الإنخراط في عباب البحر وتوفير قاعدة انطلاق برمائية توفر معدات عسكرية ثقيلة، بخلاف القوات الجوية التي تستند الى الهجمات السريعة والخروج الاسرع من مرمى النيران المعادية.

الخبراء العسكريون الأميركيون أشادوا مراراً بالمعدات والخبرات البرمائية لدولة الإمارات، وانها الأفضل بين نظرائها من أسلحة دول المجلس خاصة لتنفيذ مهام الإنزال لرفد العمليات الحربية. كما يزعم اولئك الخبراء ان سلاح البحرية الإماراتي لديه القدرة على انزال ضربة مدمرة في البنية التحتية لتصدير النفط الايراني، عبر استثماره في التسلح بصواريخ “كروز”.

لعل البعد اللوجستي هو الأهم في أي استراتيجية عسكرية حيث تعاني دول مجلس التعاون من خلل وتعثر وعقبات في هذا الشأن، الأمر الذي شكل احد المزايا الأساسية لحلف الناتو إبّان الحرب الباردة، وعمل الحلف على توحيد أعيرة الذخيرة في مجال الأسلحة الصغيرة، وكذلك الأمر في توحيد النظم اللوجستية لتخزين الأسلحة والذخائر بحيث أتاحت الفرصة لوحدة عسكرية أميركية التزود بما تحتاجه من معدات مماثلة من النظام اللوجستي البريطاني، على سبيل المثال، باعتماد العلامات واوصاف البيانات المعتمدة لديها.

تسليح دول مجلس التعاون استند إلى التزود بنظم اسلحة كبرى مختلفة وتراجع اهتمامها بالذخيرة المطلوبة لابقائها قيد الخدمة لفترة طويلة. للدلالة، عمدت المملكة السعودية الى شراء زهاء 800 وحدة من صواريخ جو – جو، قبل سنوات ثلاث، عززتها بنحو 1،000 صاروخ دفاعي مضاد للطيران، و 4،000 قنبلة موجهة والتي استخدمتها في قتالها مع “الحوثيين” على الحدود المشتركة مع اليمن في صيف 2009؛ بيد انها استدعت عونا أميركياً عاجلاً لإعادة إمدادها بما تحتاجه من الإحتياطي في مستودعات القوات الأميركية.

بموازاة ذلك، اشترت دولة الإمارات ما ينوف عن 400 صاروخ جو- جو يعززه 2،800 قنبلة موجهة، في الفترة من 2007 الى 2011.

النزعات المتنامية لدول المجلس للتسلح تجلّت مؤخرا بشراء كميات عالية، أميركية المنشأ، من القذائف والصواريخ المضادة للدروع. وأخطرت هيئة التعاون الأمني التابعة للبنتاغون الكونغرس بموافقتها على بيع المملكة السعودية نحو 14،000 وحدة من منظومة “تاو” للصواريخ، إضافة لمعدات تسليحية اخرى بلغت كلفتها نحو 1.1 مليار دولار. كما سيتم تسليم القوات السعودية بما ينوف عن 1،700 قذيفة مماثلة، مما يدل على نيتها لتعزيز مخزونها من الذخائر.

وكما كان متوقعا، فقد حرص الخبراء العسكريون الأميركيون على تجسيد مبدأ الشبكة اللوجستية المتكاملة مما سيوفر القدرة على تحويل الذخائر المطلوبة الى مخزون مركزي لدول المجلس، بسرعة قياسية.

كما أن تسلح دول المجلس بذخائر من عيارات متماثلة قد تفسح المجال لطلبات شرائية أكبر حجما وأقل كلفة، فضلا عن جهوزيتها عند الحاجة. وحثّ الطرف الأميركي دول المجلس على بذل مزيد من جهود التنسيق العسكري فيما بينها كي يتسنى لها معالجة اطياف متعددة من التهديدات، بدءاً بأعمال إرهابية وامتدادا الى التهديد الماثل من ايران النووية، بالرغم من عدم واقعيته.

التهديدات الماثلة أمام قيادة عسكرية متكاملة لدول المجلس

تتربع دول مجلس التعاون على بعض أهم الاهداف الاقتصادية العالمية في المنطقة، تتراوح بين المراكز المصرفية وامتدادا الى منشآت انتاج النفط. فالتهديد لها لا ينحصر في دول خارجية أو إقليمية، بل هي هدف موائم للقوى الإرهابية التي تسعى لإنزال أكبر الضرر وتعطيل التبادل الاقتصادي أن استطاعت الوصول إلى مرحلة اغلاق صناعة النفط برمتها.

في هذا السياق، تبرز المنشآت النفطية في المملكة السعودية كأحد أهم الأهداف، لا سيما تلك الواقعة في ميناء رأس التنورة لتصدير النفط، ومصفاة عبقيق الضخمة.

وهنا تبرز أهمية توصل دول المجلس إلى صيغة تعاون متطورة في مكافحة الإرهاب، سيما وهي تنسق مع أجهزة الإستخبارات الأميركية والاوروبية بدرجة عالية في هذا الشأن.

توفير الحماية للمرافق الاقتصادية، من زاوية عسكرية بحتة، تستدعي تطوير وتنسيق كفاءات القوات الخاصة المحمولة في مكافحة الإرهاب. تجدر الإشارة إلى تحقيق دول المجلس بعض النجاحات في هذا المضمار، إذ اخضعت عناصرها لبرامج تدريب مكثفة أشرفت عليها القوات الخاصة الأميركية والبريطانية على السواء. أما جهود التخصص والتميز وتنسيق جهود الوحدات المختلفة فمن شأنها اعاقة مناخ التوسل للآخر السائد راهناً. للاضاءة على ما سبق، بالإمكان توزيع المهام بين دول المجلس بحيث يركن للقوات السعودية الخاصة، مثلا، حماية المنشآت النفطية وبسط سيطرتها عليها، بينما يوكل للقوات الاماراتية ذات الخبرة الاوسع في المهام البحرية حماية واستعادة المنشآت والمنصات النفطية في عرض البحر.

نظم الدفاعات الجوية

تحظى تلك النظم بكل تنوعاتها باهتمامات عالية، وخاصة في سياق الجهود لتكامل الاسلحة. ففي مطلع عام 2006 أرسى نائب وزير الدفاع والطيران السعودي، خالد بن سلطان، منطلقات التوجهات السعودية نحو نظم الصواريخ الإيرانية التي اعتبرها بانها تشكل التهديد الاخطر للمملكة السعودية قائلا إن مصدر التهديد “لن يتجسّد بسلاح الجو أو البحر الايرانيين، او السفن والقوارب البحرية، بل في مجال الصواريخ”.

الثابت أن الإستراتيجية الأميركية تستوجب انخراطا مباشراً، وخاصة في مجال الدفاعات ضد الصواريخ الباليستية، سيما وعند الأخذ بعين الإعتبار تصريحات وزير الدفاع الأميركي، تشاك هيغل، مطلع الأسبوع المنصرم بأن البنتاغون “تعزم على تحقيق دمج افضل لدول مجلس التعاون بغية تعزيز الدفاعات الصاروخية في المنطقة .. وستستمر الولايات المتحدة في تبني وجهة النظر القائلة بأن التوجه المتعدد الاطراف هو الانسب للدفاعات الصاروخية”. مع التذكير بان سلاح البحرية الاميركية ينشر عدة قطع من الطرادات المسلحة بمضادات للصواريخ في مياه الخليج.

التهديد الايراني المتخيل

منذ زمن صدرت تصريحات متعددة لمسؤولين خليجيين بأن أساس العداء يكمن في التهديد النووي الايراني، وليس “اسرائيل،” مما يصب في لبّ الإستراتيجية الأميركية للمنطقة، ليس في الشق النووي فحسب، بل للأمن الاقتصادي للمجلس إن قررت ايران اغلاق مضيق “هرمز” وتهديدها للملاحة التجارية.

ومن زاوية حساب حداثة الأسلحة الكلاسيكية المتوفرة لدول مجلس التعاون فانها تتفوق على ترسانة ايران. أما في الشق العملياتي فيتعين على دول المجلس إخضاع الأسلحة المشتركة الى قوة متماسكة إن ارادت التصدي لإيران بفعالية واستقلالية عن الراعي الأميركي. المعلومات الإستخبارية الغربية، لا سيما الأميركية والبريطانية، تشير إلى نقص المعدات الحديثة المتوفرة لدى سلاح البحرية الايرانية، وان المعدات والإمكانيات الأشد حداثة وفتكا، خاصة الزوارق السريعة، هي تحت أمرة قوات الحرس الثوري الذي سيلجأ إلى كثافة قواته ومعداته لإشغال أسلحة البحرية الخليجية.

ووفق ذات المصادر، فإن ترسانة دول المجلس البحرية تتمتع بمعدات حديثة ذات قدرات عالية باستطاعتها توسيع نطاق مسرح العمليات والبقاء لفترة زمنية اطول في مياه الخليج؛ بعد استثمارها في الحصول على احدث ما يتوفر من سفن الدوريات البحرية سريعة الحركة ومسلحة جيدا، مزودة باجهزة الاستشعار الليلية وقذائف خفيفة دقيقة التصويب ومدافع آلية عديمة الإرتداد.

وتضيف بأن اسلحة الجو لدول المجلس باستطاعتها توفير مظلة حماية وازنة للقطع والاسلحة البحرية، فضلا عن ميزة الخبرة المكتسبة من خلال المناورات المشتركة مع الأساطيل البحرية الأميركية والبريطانية والفرنسية مجتمعه.

وتجمع المصادر عينها ان ما لدى ترسانة دول مجلس التعاون لا يجوز الإستهانة به “ان توفرت مدارك المعرفة لطواقمها واستخدامها بفعالية”. اذ لديها القدرة على شن عمليات انزال بحرية متواضعة الحجم ضد اهداف ايرانية على طول شاطيء الخليج، فضلا عن امكانية إغارة سلاح الطيران وقصف البحرية لاهداف ومنشآت بحرية ايرانية.

نجاح مواجهات من هذا القبيل تعتمد على توفر الإرادة السياسية لاتخاذ قرار حاسم في الوقت المناسب، يسبقه جهود فعالة لدمج القوات والأسلحة المختلفة تحت قيادة موحدة ونظم اسلحة متكاملة. في هذا الشأن، ينظر بايجابية إلى اعلان دول الخليج بلورة قيادة عسكرية مشتركة تسخر طاقاتها مجتمعة للدفاعات الجوية، وبلورة استراتيجية بحرية مناسبة، وحشد الجهود لمكافحة الإرهاب – حتى من باب تحديد الأولويات.

عوامل الإعاقة لبلوغ ذاك الهدف متعددة، ليس أقلها النزعة الإستعراضية والدعائية لإمتلاك أسلحة متطورة وفي تشبث الأطراف المختلفة بالكبرياء الوطني لكل منها مما يحول دون استغلال طاقاتها مجتمعة.

 

المصدر: الميادين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.