ما الذي فعله “حزب الله” في القصير لتشن عليه هذه الحملة الشرسة؟

hezbollah-colonies

صحيفة النهار اللبنانية ـ
ابراهيم بيرم:

منذ ولادة “حزب الله” وهو دوماً في عين العاصفة، لكن الثابت ان الحملة السياسية والاعلامية الحالية عليه هي غير مسبوقة إن من حيث الحجم او من حيث المصادر.
فرياح هذه الحملة تكاد تهب من أربع رياح الارض، ووتيرتها عالية جداً الى درجة ان مجلس التعاون الخليجي يلوح باجراءات عقابية ضد المحسوبين عليه، وهو اجراء غير مألوف على الاطلاق من الدول الخليجية التي لا تذهب في عدائها الى هذا المستوى خصوصاً اذا كان المستهدف حزباً سياسياً.
بلا ريب “حزب الله” كان يتوقع ويرتقب هذه العاصفة وما انطوت عليه من فصول وابعاد منذ ان قرر فعلا وتيقن الآخرون، انه سينخرط بشكل جدي في معركة القصير وتحديداً في ريف حمص.
ويذكر بعض الذين هم على تواصل مع قيادات الحزب ان ثمة جهة في تيار خصم داخلي ارسلت سراً رسالة شفهية الى قيادة الحزب وذلك قبيل معركة القصير بفترة وجيزة فحواها: انتم تطالبون بالثلث الضامن في الحكومة التي هي قيد التأليف. نحن مستعدون لتلبية هذا الطلب ولكن شرط ألاّ تذهبوا الى الميدان في ريف حمص.
والى ذلك جاء الى دوائر القرار والفعل في الحزب رسل من دول اوروبية معينة يحملون معهم ما يشبه الرسائل التي تتمنى على الحزب ألاّ يخوض غمار المواجهة العسكرية في القصير ولكم ان تظل علاقتنا بكم على حالها وأن لا نضعكم على لائحة المنظمات الارهابية.
وثمة الآن من يدرج اللغة الانفتاحية غير المألوفة التي توسلها سفير دولة خليجية حيال الحزب قبيل معركة القصير في خانة انها كانت جزءاً من عملية تليين للحزب لكي لا يذهب الى تنفيذ ما عزم على تنفيذه ميدانياً في الساحة السورية.
ومع ذلك ضرب الحزب عرض الحائط بكل الاغراءات وتجاوز كل التهديدات ودفع بنخبة مقاتليه الى القصير وخاض، ولا يزال يخوض، عن سابق تصور غمار معركة شرسة عدّلت مسار الأمور وموازين القوى الاستراتيجية في الساحة السورية الملتهبة منذ عامين وثلاثة اشهر، وخلّفت اصداء وتداعيات ما برحت حتى الآن تتردد وتتوالى، وربما الى أجل بعيد، محدثة دوياً ما بعده دوي.
ما الذي فعله “حزب الله” من خلال المشاركة في مواجهات كان يدرك انها ستكون فرصة لخصومه المضمرين والمعلنين ليشنّوا عليه هذه الحملة الضارية والتي تعددت أوجهها من طابع ديني الى سياسي ثم اخيراً الى طابع اقتصادي؟ يعرف الحزب أنه كسر مسار معادلات تشارك غالبية العرب والجزء الأكبر من الغرب لتكريسها امراً واقعاً في الساحة السورية واستطراداً في المنطقة. وبشكل أكثر تحديداً، كان لقرار الحزب الانخراط على هذا المستوى الواسع في معركة القصير ثلاث نتائج أساسية:
الأولى: ان الحزب تحدى المعادلات والخطوط الحمر التي تسعى جبهة خصومه الى ابقائه في اطارها، وتجاوز حدود لبنان في طريقه الى ان يصير قوة اقليمية يحسب لها اكثر من حساب حاضراً ومستقبلاً.
الثانية: ان مشاركة قوات الحزب في معارك القصير وريفها والتي انتهت الى هزيمة المجموعات المعارضة للنظام في سوريا، أفضت الى هزيمة ساحقة حقيقية لم تكن اطلاقاً في كل الحسابات العسكرية والسياسية لجبهة اعداء النظام في سوريا.
قيل وكُتب الكثير عن الأهمية الاستراتيجية للقصير ومحيطها وهو كلام ينطوي على نسبة عالية من الصحة، لكن الذي تكشّف لاحقاً على المستوى العسكري يشكل عنصر مفاجأة للجميع.
لقد أعدّ المعارضون للنظام في سوريا ومن وراءهم القصير، لتتحول ما سمّوه “ستالينغراد”، إذ زجّوا فيها (وفق المعلومات نفسها) اكثر من اربعة آلاف مقاتل غالبيتهم من المحترفين متحصنين في مدينة اخرى تحت الأرض ومزوَّدين كميات من الأسلحة والذخائر تؤمن للمدافعين عن المدينة صموداً يتجاوز أشهراً عدة، وتكبّد المهاجمين خسائر فادحة.
غير أن ما حصل كان مدوياً، اذ ان مشاركة قوات الحزب وفّرت للمهاجمين فرصة اسقاط المدينة في اقل من عشرة أيام اي في سرعة قياسية، أما المدافعون عن المدينة فتوزعوا بين ما يعادل الألف وخمسمئة قتيل وما يماثلهم جرحى. وأما المتبقون فقد أُسر قسم منهم فيما فر الآخرون الى مناطق أخرى او ما زالوا مختبئين يبحثون عن فرصة نجاة.
وكانت النتيجة أقل من 80 قتيلاً سقطوا للحزب ومعهم نحو 160 جريحاً. وفي الحسابات العسكرية الداخلية في الحزب انه كان يتوقع عدداً اكبر من الخسائر وزمناً اطول لهجوم نجح في “تحرير” ما يعادل خمس مساحة لبنان (القصير وريفها نحو 1260 كيلومتراً مربعاً).
وفي حسابات الدول التي لها صلة بمعارضي النظام ان مشاركة الحزب أضاعت في ظرف ايام جهوداً جبارة بذلت واستغرقت اكثر من سنة ونصف سنة، وأرست في اذهانهم انه لو أتت كل ألوية الجيش السوري فلن تستطيع اقتحام القصير.
الثالثة: انه بناء على نتائج معركة القصير، انقلبت الصورة وتغيرت المعادلات في الساحة السورية ومعها ساحة لبنان المجاورة. فبعدما كان البحث جارياً في الكواليس عن مصير الحزب اذا ما تداعت أركان حليفه الاساسي في دمشق، أخذ البحث وجهة اخرى مغايرة تماماً اذ صار متمحوراً على ماذا سيفعل بنا بعدما تمدد على هذا النحو؟ وماذا سنفعل لكي نحول دون احرازه المزيد من التقدم لا سيما بعدما دارت تكهنات غير محسومة حول ما اذا كان الحزب سينقل مقاتليه الى حلب للمشاركة في معركتها المرتقبة، أو هل فعلاً دفع بجزء من عسكره في اتجاه ريف دمشق المتاخم للحدود اللبنانية وفق معلومات أخرى؟
ولم يعد خافياً أنه بناء على نتائج معركة القصير تغيرت اللهجات والمعادلات على مستوى الحسابات الدولية والأممية ولا سيما حسابات موسكو بالذات. لقد فعلت مشاركة “حزب الله” في معركة القصير فعلها الكبير، فبعدما كان منتظراً ان يصير مستنزفاً ومستغرقاً كرّس نفسه لاعباً اقليمياً بمواصفات اكبر بعدما ظن الكثيرون أن القرار الأممي الرقم 1701 قد ضرب طوقاً حوله سيساهم في وقت لاحق في ان يعلو الصدأ سلاحه ويفقد دوره الداخلي وذلك بعد حرب تموز عام 2006.
وبناء عليه يفهم الحزب والعارفون ببواطن الأمور لماذا الهجمة على الحزب عالية الى هذا المستوى، ولماذا يصير المستحوذ الأكبر على تعليقات الصحف الخليجية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.