ما وراء انسحاب القوّات الأميركيّة من سوريا

موقع إنباء الإخباري ـ
فاطمة موسى:
“إنّ تنظيم الدولة الإسلامية قد هُزم”. هكذا برّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب القوّات العسكريّة من سوريا . أثار هذا القرار انتقادات على نطاقٍ واسع في داخل الولايات المتحدة وخارجها, فيما أبدى آخرون ترحيبهم بهذه الخطوة. وقد أعلن البيت الأبيض وكذلك البنتاغون “أنّ الولايات المتّحدة بدأت في إعادة القوات الأميركيّة إلى الوطن مع انتقالنا إلى المرحلة التالية من هذه الحملة” دون ذكر تفاصيل عنها لأسباب تتعلق بأمن القوات المتبقّية في سوريا. فما حجم هذه القوات؟ ما علاقة الانسحاب الأميركي بالتحرّك التركي شرق الفرات؟ كيف تباينت ردود الفعل الدولية والإقليميّة؟ وما هي الاحتمالات والتفسيرات المختلفة التي تقف خلف هذا القرار المفاجئ؟

حجم القوات العسكرية الأميركية في سوريا
الوجود العسكري الأميركي في سوريا يتفاوت بين قواعد ذات طبيعة ارتكازية ونقاط عسكرية متقدمة لدعم المعارك والمواجهات العسكرية. وشهد تعداد القوات الأمريكية ارتفاعاً متزايداً منذ 2015 في محاولة الولايات المتحدة لتعزيز حضورها العسكري والاستراتيجي في المنطقة.
ويفوق عدد العسكريين الأمريكيين هناك ألفي عنصر منذ أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2017، بحسب مركز “جسور للدراسات”، المتخصص بالشأن السوري، في حين تحدث تقرير لشبكة بلومبيرغ الأمريكية عام 2017، عن رغبة مستشار الأمن القومي الأمريكي (حينها)، الجنرال هربرت مكماستر، في إرسال 50 ألف جندي للعراق وسوريا.
ونقلت وكالة الإعلام الروسية، في آذار/ مارس 2018، عن مسؤول في مجلس الأمن الروسي قوله: “إن الولايات المتحدة أقامت نحو عشرين قاعدة عسكرية في سوريا على أراضٍ خاضعة لسيطرة الأكراد” الذين تدعمهم أميركا.
القرار الأميركي يسبق التحرك التركي في سوريا
الخطوة الأميركية جاءت في غضون حديث أنقرة عن عملية عسكريّة، فيما يحاول الأتراك التقدّم بحذر في الجزء الذي تدعم فيه واشنطن جماعات من أكراد سوريا وتسلّحهم. وهذا الأمر تعتبره تركيا تهديدًا لأمنها القومي، وهو ما تجاوزت الكثير منه في عمليات درع الفرات (2016) وغصن الزيتون (2018) ضد تنظيمات تصنفها إرهابية في شمالي سوريا.
فقد أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان، في 17 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، تلقيه “ردودًا إيجابية من ترامب بشأن إطلاق العمليات العسكرية شرق الفرات”. ووجه أردوغان خطابه للأميركيين قائلاً: “لكوننا شركاء استراتيجيين مع الولايات المتحدة فينبغي على واشنطن أن تقوم بما يلزم. والآن جاء الدور على شرق الفرات”.

ردود الفعل الاقليميّة والدوليّة حول الانسحاب
توالت ردود الفعل حول الخطّة المفاجئة من قبل الدول التي تخشى على مصالحها في سوريا، في حين وصفت الوحدات المسلحة الكردية الأمر بـ “الخيانة والطعن بالظهر”. الانسحاب الذي يراه الأكراد “خيانة”، اعتبره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنزلة “انتصار” على تنظيم داعش.
الوقف الأميركي المناهض: المدافع الدائم عن الرئيس ترامب “السيناتور الجمهورى لينزى جراهام” اعتبر أنّ أي قرار يتّخذه الرئيس دونالد ترامب بسحب القوات الأميركية من سوريا خطأ. وقال في بيان “الانسحاب الأميركي فى هذا التوقيت سيكون انتصارًا كبيرًا لتنظيم داعش وإيران وبشار الأسد وروسيا، وأخشى أن يؤدّي ذلك إلى عواقب مدمّرة على أمّتنا والمنطقة والعالم بأسره”. وأضاف: “سيزيد من صعوبة الاستعانة بشركاء فى المستقبل للتصدّي للتطرّف، وستعتبر إيران وغيرها من الأطراف الشريرة ذلك دلالة على الضعف الأميركي فى الجهود الرامية لاحتواء النفوذ الإيراني”.
الموقف الفرنسي : أعلنت فرنسا رغبتها بالحفاظ على وجود في سوريا حتى القضاء على تنظيم داعش، في ردّ على القرار الأمريكي بالانسحاب من المنطقة. وقالت “ناتالي لوازو” وزيرة الشؤون الأوروبية في فرنسا: “مستمرون في وجودنا بسوريا حتى اللحظة، ولم يتمّ القضاء على جذور تنظيم داعش هناك”.
الموقف البريطاني: رفضت بريطانيا إعلان ترامب هزيمة تنظيم داعش في سوريا، مؤكّدةً على ضرورة استمرار التحالف الدولي في العمل ضدّه، وقال “توبياس إلوود” وزير الدفاع البريطاني: “أختلف بشدة مع ترامب”، لقد تحول تنظيم داعش إلى أشكال أخرى من التطرف، والتهديد لا يزال قائماً وبقوة”.
الموقف الروسي : رحّب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال مؤتمره الصحفي السنوي على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا، مضيفًا بأن هذا القرار غير واضح الملامح بعــد، خصوصا أنّ القوات الأمريكية قررت الانسحاب من أفغانستان لكنها ما زالت موجودة هناك.
الموقف الإسرائيلي : تلّ أبيب تشعر بخيبة كبيرة إزاء قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا, لأنها تمنت أن يأتي ذلك بعد إخراج إيران من هناك، وبعد زوال التوتر الذي يسود العلاقات الإسرائيلية – الروسية. وقالت صحيفة “هآرتس”: إن “إسرائيل بقيت وحيدة في المعركة ضدّ إيران في سوريا، أما بالنسبة لعلاقات ترامب- نتنياهو، فهذه المرة الأولى التي يتخذ فيها ترامب قراراً مُخالِفاً لرأي نتنياهو” مُعتبِرةً أن “روسيا أصبحت اللاعب الأقوى في الشرق الأوسط”.
السيناريوهات المحتملة لقرار الانسحاب المفاجئ
ممّا لا شكّ فيه أنّ قرار الانسحاب هو إقرار بالهزيمة. ولكن من هي القوّات التي ستحلّ مكان القوّات الأميركية ؟ لماذا اختار الرئيس الأميركي هذا التوقيت بالذات؟ هل وجود “خدعة” أمر محتمل؟
أوضح الرئيس الأميركي في كلام سابق أنّ بلاده خسرت حوالي سبعة تريليونات دولار ولم تحصل على شيء في المقابل وهذا جوهر المشكلة واعتراف واضح بالهزيمة, وما كان القضاء على ما يسمّى بالدولة الاسلامية إلّا ذريعة لتبرير هذه الخطوة. أمّا الحقيقة فهي مغايرة لذلك تمامًا. أميركا تسحب اليوم قوّاتها من سوريا لنفس السبب الذي جعلها تسحب قواتها من العراق أي بعد تلقّيها ضربات موجعة استنزفت قواها البشرية والمادية. ولأنّ الرئيس ترامب يتعاطى مع الأمور بميزان الربح والخسارة ويأخذ لغة الأرقام بعين الاعتبار, فهو يدرك تمامًا أنّ إدارته لن تستطيع الفوز في الحرب الدائرة في سوريا.

وبما أنّ وزير الخارجية السابق ” وريكس تيليرسون” قد أكّد في وقتٍ سابق أنّ القوّات الأميركية ستبقى لوقت طويل في سوريا, فقرار ترامب المفاجئ يدعو الى الريبة . فماذا جرى حتّى يغيّر الرئيس الأميركي رأيه بهذه السرعة؟ اللافت أيضًا في تصريح ترامب بأنه سيترك” المهمّة في سوريا الى الآخرين. “دون أن يحدد من هم أيضًا . هل هم الروس والإيرانيون؟ أم الاتراك؟ أم الفرنسيّون؟ أم دول خليجية كالسعودية وقطر والإمارات؟
التفسيرات التي تقف خلف هذا التوجّه:
التفسير الأول: يحاول ترامب عبر هذا القرار، نقل الاهتمام عن المشكلات السياسية الداخلية، وخلق النقاش في بلاده حول السياسة الخارجية تجاه سوريا. فهو بذلك يصرف الانتقاد عن السياسة الأميركية تجاه سوريا. وهو سيقول إنه يريد إعادة القوات إلى الوطن ويعلن الانتصار على الإرهاب.ويتفرّغ بعد ذلك لوضع مصالح أميركا فوق كلّ إعتبار وفق شعاره “أميركا أولا”.
التفسير الثاني: أن يكون ترامب يخطّط لفتح جبهة أخرى في إيران بعد الإنسحاب من الإتفاق النووي . وهو بذلك يُبعد القوّات الأميركية عن سوريا وربّما العراق كي لا تكون في مرمى النيران الإيرانية إذا تطوّرت الأمور .
التفسير الثالث: حدوث نوع من المقايضة بين القوّتين العظميين ” روسيا ,اميركا” على تبادل منطاق النفوذ أي تترك أميركا سوريا لروسيا مقابل إطلاق يد أميركا في مناطق أخرى وعدم تدخّل روسيا فيها.
التفسير الرابع: تخوّف أميركا من التقارب بين أنقرة وموسكو لأنّ الشراكة بين الولايات المتحدة والأكراد أثارت غضب تركيا المجاورة، التي تنظر إلى فصائل “وحدات حماية الشعب” الكردية وهي القوة القتالية الرئيسية في قوات الدفاع الذاتي – باعتبارها امتدادا لمسلحي حزب العمال الكردستاني المحظور، الذي يقاتل من أجل الحكم الذاتي في تركيا. وكان الرئيس التركي أردوغان قدأعلن أن بلاده قد تبدأ قريبا عملية عسكرية جديدة ضد “وحدات حماية الشعب” في سوريا.

يصعب علينا ترجيح أي تفسير ولكن المؤكّد أنّ ترامب اعترف بالهزيمة من حيث لا يدري ويريد انسحاب القوّات الأميركية . ترامب يطبخ طبخة ما في سوريا أو المنطقة بشكل عام ولا يجب أن يغيب عن بالنا أنّ بعد انسحاب القوات الأميركية من أي منطقة تقوم بإحراقها وتخلّف فيها فوضى عارمة وهذا ما حدث في العراق

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.