مجنون يحكي…

hermel-aytamstation-explosion

موقع إنباء الإخباري ـ
حسن ديب:
نعم، لقد ارتضيت لنفسي صفة الجنون، حرصاً مني على مقاربة الواقع السياسي والأمني اللبناني، فوحده المجنون هو القادر على تقبل هذا الواقع المرير والذي يبدو وكأنه ما زال في بدايته إذا ما أردنا أن نقرأ ما بين السطور في كتب الدولة اللبنانية التي تشبه كل شيء إلا الدولة.
وللأمانة التاريخية، فإني قد حاولت جاهداً قراءة الأحداث التي تجري في لبنان بعين العاقل فلم أجد إلى ذلك سبيلاً، فقررت وبعد طول تفكير أن أعلن جنوني لسببين: الأول وهو أن استيعاب هذا الكم الهائل من الدجل السياسي لا يمكن مقاربته بعين العقل، والثاني لأنه ليس على المجنون حرج، وهذا ما يفسح أمامي المجال لتحليل الأوضاع السياسية بأريحية أكبر وعلى طريقتنا نحن أهل القرى التي لا تعيرها الدولة أي اهتمام الا فيما يختص بجباية الضرائب وتحصيل ما للدولة علينا وكأنه ما لنا على الدولة من حقوق وليس لها تجاهنا واجبات .
نعم: أنا منذ اليوم مجنون رسمي، ولذلك فإني قد أقنعت نفسي كل إقناع بأن شلالات الدم المتدفقة في بلادنا لن تتوقف، وأقنعت نفسي أيضاً بأن ماجد الماجد قد رحل دون الإدلاء بأي معلومات حول ما قام به من أفعال جرمية بحق الشعب اللبناني. وكمجنون أيضاً، ما زلت راضياً بأن الدفتردار، هو دفتر بصفحات بيضاء خالية من أي كلمة تستطيع الأجهزة الأمنية من خلالها الوصول إلى أيدي الصهيونية الإسلامية التي تضرب أينما كان وكيفما كان دون حسيب أو رقيب. وأكثر من ذلك فقد أوصلني جنوني إلى درجة من الغباء لأقتنع بأن كل المعلومات التي أخرجها عمر الأطرش من تحت عمامته المتفجرة غير كافية لتُمكن الدولة من التحرك للقيام بعمليات أمنية استباقية من شأنها القضاء على بؤر الإرهاب أينما وجدت.
كل هذا وببساطة استطعت مقاربته من خلال صفة الجنون التي منحتها لنفسي  ولكن وحدها إطلالات معالي وزير الداخية لم أستطع فهمها ولا مقاربتها لا بالعقل ولا حتى بالجنون، فإن إصرار معالي الوزير على تقديم سيناريوهات أمنية تتخطى بجودتها الإنتاجية جودة الأفلام الهوليودية هو أمر لا يتقبله عقل ولا يرضى به مجنون، فبعد كل عملية إرهابية يخرج علينا معالي الوزير (رعاه الله) ليتحف ما تبقى لنا من عقل بمعلومات أمنية ما أنزل الله بها من سلطان، فتارة يعلن بأن التفجير إما ناجم عن سيارة مفخخة وإما عن إنتحاري (ما شاء الله)، وتارة أخرى يهل علينا بأن السيارة المفخخة قد عُممت أوصافها منذ مدة على كافة النقاط الأمنية ولكن تغيير لوحة السيارة أدى الى عدم كشفها، وكأن تغيير اللوحة هو عذر شرعي لتجول سيارات الموت بكل راحة ويسر. أما أهم ما خرج به علينا معاليه بعد آخر عملية إجرامية هو طمأنة اللبنانيين بأن عدد السيارات المسروقة (والسيارات المسروقة باتت على ارتباط وثيق بعمليات التفجير) قد وصل في لبنان إلى ما يقارب ال 950 سيارة مسروقة، وهنا وبكل جنوني طبعاً سأفترض بأن نصف هذه السيارات قد تم بيعها من قبل السارق إلى الصهيونية الإسلامية لإستعمالها في عمليات إرهابية داخل لبنان، فيمكنني أن أعتبر وبكل بساطة بأن معالي الوزير يطمئننا جميعاً بأننا أمام إحتمال وقوع ما يقارب 350 عملاً إرهابياً في الأيام المقبلة، فنِعم الطمأنة.. ونِعم الوزارة الأمنية الأولى في الوطن.
فهل من المعقول أن تقف الأجهزة الأمنية عاجزة عن وضع حد لهذه السرقات وهي المنتشرة بكثافة فوق الأراضي اللبنانية، أم أنها قادرة على ضبط الأمن لو توفر لها الغطاء السياسي اللازم (وهي الحقيقة)، فكلنا نعلم قدرة الأجهزة الأمنية اللبنانية التي أثبتت جدارتها في أكثر من واقعة مُنحت فيها غطاءً سياسياً ، ولكنها اليوم تقف عاجزة أمام تناحر أهل السلطة الذي لا يوفر لها الحماية السياسية التي تمكنها من تجنيب لبنان المزيد من الخسائر تحت شعار فلنتفق على المصالح السياسية أولاً…
أي أن المسألة سياسية بحتة وليست أمنية على الإطلاق، فكل الأمور اليوم هي أمور عالقة بانتظار التوافق السياسي على شكل الحكومة المنتظرة وتوزيع حصصها، وهذا ما يجعلنا نجعل من دمائناً قرباناً للمصالحة السياسية هذا وإن تمت، فما بين التوافق على توزيع الحقائب الوزارية والإتفاق على مبدأ المدوارة التي سيليها اختلاف على الأسماء ومن ثم تناحر على البيان الوزراي، وما سيأتي بعده أو قبله من خلافات حول مسألة انتخاب رئيس للجمهورية، سيبقى دم الأبرياء هو المعيار الأساسي للحلول المقبلة.
وقد نسي أو تناسى أصحاب السلطة في لبنان بأن كثرة الدماء قد تصل بهم في يوم من الأيام إلى أن يتسلطوا على أرضٍ خالية من سكانها بعد أن يستشهد من يستشهد ويرحل من يرحل الى أماكن بعيدة حيث لا مجال فيها للعودة.
هذا هو لبنان الذي لا نراه لبناننا وهذا هو الحال السياسي الذي لا يشبه حالنا،
فغداً سيتفقون وكأن شيئاً لم يكن، وسيجتمعون معاً وكأن ماجد الماجد كان وهماً من سراب، وأن الدفتردار كان منسياً من على طاولات الدراسة الأمنية، وأن عمر الأطرش قد تحدث ولكن من سمعه كان كما الأطرش في الزفة…
هذا هو لبنان الذي يشبههم ولا يشبهنا، فلا تعلقوا على كلامي فما أنا إلا مجنون …
ومجنون يحكي..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.