مرحبا حكومة…

lebanese-gouverment

موقع إنباء الإخباري ـ
حسن ديب:
هي مرحلة جديدة من مراحل المخاض العسير الذي تشهده ولادة الحكومة اللبنانية العتيدة، وهي حالة من العرقلة العلنية للتوافق على توزيع الحقائب السيادية بهدف الوصول إلى توليفة توافقية مزعومة تؤدي الى قيام حكومة طال انتظارها، حتى بدأ اللبنانيون يُقسمون بغربتها.
والملفت في هذا الجديد هو دخول رأس السلطة على خط النزاع السياسي القائم حول توزيع الحقائب السيادية، وتحوّله من طرف وسطي (كما يدّعي) من واجبه دعم عملية التشكيل، إلى طرف يطرح شروطه التي تضرب كل عمليات التقارب التي نشطت في الآونة الأخيرة.
فما هو الهدف من كل هذه العرقلة التي تفرضها الشروط الاستباقية والتي تطرحها الرئاسة الأولى من خلال مطالبتها بحقيبة سيادية ستُأخذ من حساب قوى الرابع عشر من آذار، وبالتالي ستدفع هذه القوى الى مراجعة حساباتها حول المشاركة في الحكومة المزعومة…
قد يبدو في بداية الأمر وكأن الرئاسة الأولى تسعى لتحصيل مكاسب سياسية لجمهورها السياسي العريض الذي تمثله. ولكن لنتمهل قليلاً.. فعديدة هي الأسباب التي تنفي هذه النظرية، وأولها أن فخامة الرئيس لا يمتلك قاعدة جماهيرية يمثلها في العمل السياسي في لبنان الجمهورية، وثانياً من المفترض أن تكون الرئاسة الأولى هي لكل اللبنانيين وتمثل كل أطياف المجتمع اللبناني، حتى ولو كانت الخلفية السياسية لصاحب الفخامة تلتقي مع توجهات فريق على حساب فريق آخر.
أما ثالثاً ، فإن من يريد قيام الدولة ونهوض المجتمع وبناء المؤسسات لا بد له من تقديم التنازلات التي تؤمن تدوير الزوايا داخل المربع السياسي وتُمكن من الوصول إلى الحد الأدنى من التلاقي السياسي رغم كل الخلافات السياسية التي تخطت حدود المعقول. ومن هنا يمكننا أن نتحول بتحليلنا إلى الهدف الأساسي من خلال هذه العرقلة التي أنتجتها دخول الرئاسة الأولى في لعبة المحاصصة الحكومية.
وبقراءة موضوعية بسيطة نستطيع أن ندرك بأن أي تشكيل لأي حكومة توافقية، وخاصة في هذا الزمن العصيب، إنما يعني (في حال كانت النوايا سليمة) السير في تركيبة ممنهجة لمرحلة جديدة من الحكم أولى خطواتها البحث في موضوع الإنتخابات الرئاسية المقبلة، وهنا يمكّننا أن نرى وبوضوح أن إسم صاحب الفخامة قد أصبح خارج المعادلة السياسية التي ستطرح في الأيام المقبلة، أياً كان شكلها، وبالتالي فإن تشكيل حكومة بشكل توافقي يضرب كل آمال فخامة الرئيس بما يتعلق بمسألة التمديد، وإن عدم التمديد لصاحب الفخامة فإنما يعني القضاء على مستقبله السياسي بالكامل حيث أنه لم يستطع طيلة الفترة الدستورية لحكمه أن يبني قاعدة سياسية متينة تخوّله الإستمرار في الحياة السياسية. فإذاً، وحده الفراغ الحكومي هو الحل الوحيد الذي يمنح الرئاسة الأولى فرصة التمديد تحت شعار الخوف من فراغ حكومي ورئاسي في آن واحد.
من هنا، وحيث أنها الطريقة الوحيدة التي يستطيع من خلالها صاحب الفخامة الوصول الى تمديد رئاسي بطلب من الأفرقاء المتنازعين، وحيث أنها فرصة لا تعوض وقد تمنحه الوقت الكافي لبناء هيكلية سياسية تؤهله للدخول في اللعبة السياسية اللبنانية، فإن فخامة الرئيس يحاول استثمارها خاصة وأنه يعرف حق المعرفة بأنها الفرصة الأخيرة المتاحة.
وباختصار، فإن المصالح الشخصية تضرب مرة جديدة في جسد الوطن وتطغى على مصلحة المواطن وتقضي على ما تبقى لديه من فرص الحياة الكريمة (إن وجدت).
وباختصار أيضاً، أعان الله هذا المواطن اللبناني الذي أنهكه هذا الوباء السياسي الذي ما إن يُخرجه من جب إلا ويُغرقه في جب أخر…
هذا كله، وما يحصل في الكيان اللبناني بشكل عام من توتر مذهبي وطائفي يعد الأخطر في تاريخ لبنان، وما يرافقه من خلل أمني وتفجيرات وسرقات وقتل واغتصاب، هذا كله لم يحرك مشاعر وضمائر أصحاب الدولة وساستها، وكأنهم لا يرون لبنان إلا بئراً من عطاء، هنيئاً لمن يغرف منه أكثر من الأخر. فالى متى سيطول انتظار نهاية هذه الآفة السياسية، ومتى سيصبح التمثيل السياسي هو تمثيل حقيقي لطموح المجتمع اللبناني على اختلاف ألوانه السياسية، فإن الفقر لا يعرف الألوان، وإن الموت لا يميز بين عناوين الشوارع، وإن رغيف الخبز هو حاجة كل مواطن.
إلى متى سيبقى المواطن اللبناني غائباً عن الحسابات السياسية ومغيّباً عن حقه في الحياة، وإلى متى سيبقى الدم اللبناني هو مقياس الانتصار السياسي لفريق على آخر، وكأن الساسة اللبنانيين قد هبطوا علينا من كوكب أخر ليجدوا حلاً لهذا الوطن الذي أصبح حديث الساعة في المحافل الدولية، وكأنهم تناسوا بأن أهل السياسة هم من جلبوا على لبنان كل هذا الويل، وهم أهل الخلاف السياسي الذي لا أرى المواطن اللبناني (بسواده الأعظم) إلا بريئاً منه.
وكأني أرى اليوم المواطن اللبناني بات لا ينتظر أملاً مرجواً من قيام الدولة ونهضة المجتمع وانتصار حق الدولة على باطل المصالح السياسية الخاصة…
فمرحباً بالدولة التي تحكمها مصالح سياسية صغيرة، ومرحباً بلبنان الضائع بين تمديد وتجديد وتشكيل…
مرحبا حكومة…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.