معان.. ضيعة الموت

maan-massacre

موقع إنباء الإخباري ـ
دمشق ـ سمر عبود:
استيقظ الجد ابراهيم، البالغ من العمر 85 عاما، باكرا، كما في كل صباح، قبل أن تشرق الشمس، وارتدى ثيابه التي تعبق برائحة الأمس، رائحة سوريا المجيدة. تقدم باتجاه الباب القديم، منادياً رفيقة عمره، زوجته، كي تلحق به، ليشربا قهوة الصباح معاً. هنا، على عتبة هذا البيت لعب أطفاله، الذين اصبحوا رجالاً، يُشهد لهم بالعلم والخلق.

هنا جلس حسن، هنا اقتاده خيال، وأحلام، فخطّ بأنامله الصغيرة، وأبدع في كتاباته.
تعالي، ينادي ثانيةً، فتأتي زوجته مسرعة، ترسم على شفتيها ابتسامة من نور، من حبق. هنا يجلسان كما في كل نهار، يتبادلان أطراف الحديث عما يحدث في سوريا. يقول الجد إبراهيم: كفاكم ترهات، لا خوف على سوريا، هي عصيّة في وجه أعدائها، دائماً وأبداً.

لا يزال الجد إبراهيم عاجزاً أن يتخيل سوريّاً يقتل أخاه، فيهز رأسه نافياً الموضوع برمته. وهنا تنضم ابنتاه إلى الحديث، الابنتان اللتان آثرتا خدمة والديهما على أن تكوّنا عائلة. تمر الدقائق مسرعة، فهنا، في قرية معان، محافظه حماه، لا يزال الحلم وردياً، ولا تزال الصباحات جميلة، فكيف لا تكون في ظل خضرة وزهور، هي الربيع الحقيقي.

اليوم المصادف 9 من شباط عام 2014، ستستيقظ هذه القريه من حلمها، وستعرف واقعاً زار أغلب مناطق سوريا، واقع الموت، فشبحه سينهش أجساد هؤلاء كلهم، مخلفا وراءه دماء ودموعاً.

اقتربت وفود الوحوش الآدميين، أفراد جبهة النصرة، متعطشين للدماء، كأسيادهم، ومن موّلهم، يستبقون خطاهم، فيروّعون حجارة الطريق، وأغصان الأشجار، فتهجر العصافير أوكارها. حتى الورود وقعت أرضاً، تحت أقدام الشياطين.

بدأوا بتكسير الأبواب، بانتهاك حرمات البيوت، باغتصاب أحلام الأطفال، بوأد الأمل بالغد.

يقتادون النساء ليفرغوا غرائزهم الحيوانية، ويسنّون سيوفهم فيذبحون ويحهزون على الأمس والغد.

دخلوا بيت الجد ابراهيم الذي لم يصدق عيونه، هل هذا كابوس، أم أن الشيطان هنا، يشتم ويسب ويكف؟

يقاوم الجد، بيدين شققهما معول حفر الأرض فانجبت رجالا. ها هو الوحش الآدمي لا يقوى على صد هجمات هذا السوري الشجاع، فينادي رفاقه، يلقي بالعقال، زين رأس الجد إبراهيم، يجرّه انتقاماً للكمات وجهها إليه. وهنا بين جنبات البيت الذي ضم الجد إبراهيم وأولاده يستشهد. هنا يا عالم النفاق، هنا أيتها الأمم المتحدة، يموت الانسان. هنا قتلوا الجد إبراهيم .

فقولوا لي بأي ذنب قتل يا أمة الرياء؟ ما تهمته، قولوا لي. هل لأنه لا ينتمي لشريعة الموت والقتل، هل لأنه يحب تراب وطنه، هل لأنه لم يهجر أرضه، ولم تغوِه الدولارات ولا الفنادق الفخمة؟

هنا يا سيد الابراهيمي قتلت زوجة الجد ابراهيم وبناته، هنا ارتكبت مجزرة، فأين عدسات الكاميرا لتنقل للعالم أجمع ما أرسلت امريكا وخدامها إلينا منذ ثلاث سنوات، لتفضح عريهم، لتقول للعالم أجمع أن الجد إبراهيم مات فداء للوطن، ولم يذنب، ولم يكن سوى حالم بغد أفضل، لم يكن سوى محب لبلده .

هنا أيها المرائون يقتل أكثر من 40 شخصاً، ويفر من تبقى. هنا تستشهد الطفولة، هنا تغتصب النساء، هنا نقتل، هنا يسيل نهر من دم، هنا.. في ضيعة الدم.

نعم، جئناكم إلى جنيف. نعم نحاوركم أيها القتلة لنرد خطراً أكبر. لكننا، ومن هنا، نقول لكم، نقول لك أوباما، دون سيد، وكيري: هنا سوريا
هنا نبقى، ومن موتنا، أيها القتلة أجمعين، نصرخ في وجوهكم:
باقون نحن وأنتم الى الجحيم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.