من باب المندب إلى الجولان.. من ٢٠١٢ حتى ٢٠١٥

hassan-shqeir-golan-babmandeb

موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير:
في هذه السطور اللاحقة، والتي سأستعرض فيها ما كانت عليه رؤيتي لطبيعة الأزمة في سوريا والمنطقة برمتها،  وما اعتقدت به في حينه من طرق ٍللحلول فيها، وذلك ضمن سلسلة من المقالات المتتالية، والتي كنت قد بدأت بنشرها، وذلك في أعقاب بدء زلزال الأزمة في سوريا.. بحيث أن هذا الإستعراض، ليس سببه مطلقاً، التدليل على صوابية الأفكار لدي، إنما ذلك يهدف لإيضاح الصورة أكثر فأكثر حول آخر التطورات المتسارعة من اليمن إلى الجولان، والتي قد تجعل من مسار الأزمات في المنطقة، ينفتح على أبواب شتى .. أقصاها الحروب الشاملة، وأقربها التسويات المؤقتة، وذلك ربما في المنطقة والعالم، على حد سواء…
في مقالة نشرتها بتاريخ الثامن من حزيران من العام ٢٠١٢ ، والتي كانت تحت عنوان “ورقتان لا ثالث لهما لحل الأزمة في سوريا”، طرحت رؤيتي الخاصة في كيفية حل الأزمة في هذه الدولة، لا بل ما يُرسم من خلالها إلى باقي الدول المرشحة على لائحة الأزمات، وذلك في طرفي الممانعة والإعتدال، على حد سواء، وذلك على ما اعتقدته يومها، لضمان عدم وقوعها – أي سوريا – ومعها باقي تلك الدول،  في شرك وبراثن الإستنزاف المديد، وذلك بعكس ما كان يعتقده البعض، من سيناريوهات قلب الأنظمة واستبدالها بأخرى ..
لم تكن المسألة لدي في ذاك التاريخ أعلاه، تنجيماً سياسياً، إنما كانت – على ما أثبتته الأيام – نتيجةً لقراءةٍ دقيقةٍ، وتشخيص ٍ صائبٍ لطبيعة الأزمة الناشبة في ذاك الآذار من العام ٢٠١١ …
لقد استنتجت ذلك كله، من خلال بعض القراءات التي اطلعت عليها، لبعض ما كُتب في أمريكا، وداخل الكيان الصهيوني، على وجه التحديد.. فأدركت أنها أزمةٌ، يُراد لها أن تكون مركبةً، “يختمر المسرح فيها –  بفعل الإخراج الصهيوأميريكي المشرف عليها، والذي يسعى لتحويلها من أزمة محدودة في الجغرافيا والسياسة.. إلى كارثةٍ حقيقية في الإيديولوجيا المتشعبة الجوانب على صعيد المنطقة.. ولربما العالم بأسره.” (انتهى  الاقتباس من تلك المقالة).
إذاً تشخيص الأزمة في حينها ـ وبشكل دقيق ـ كان وحده الكفيل بمحاولة وصف الدواء الحقيقي والناجع للفكاك منها، وذلك على أقل تقدير… وقد طرحت يومها ، تساؤلاً جوهرياً، ودائماً وفقاً لذاك الفهم أعلاه ، مؤداه   محاولة التقصّي حول الدواء السحري، لذاك الداء السرطاني الذي أُسري في الجسد السوري، والذي يُراد له أن ينتقل بالعدوى إلى جسد الجسم الممانع وحتى الى الجسد “المعتدل” في المنطقة برمّتها..
استخلصتُ في تلك العجالة، بأن كل ما كان يُروج له ـ زوراً ـ من حلول أممية أو دولية، أو حتى إقليمية،  سابقة أو حتى لاحقة،  لم تكن في واقع الحال إلا ّ ذراً للرماد في العيون، ونفاقاً سياسياً مقصوداً، وذلك للعروج بالأزمة، من أزمة في الجغرافيا، إلى أزمة متشعبة، وعلى الصعد كافة، كما أسلفت سابقاً..
لذلك، فإن مفتاح العلاج الحقيقي الذي أوردته في تلك المقالة  ـ والذي لم أعتقد بوجود غيره في حينه ، ولغاية اليوم ـ لهو متمثلٌ في ورقتين لا ثالث لهما:
أ- أمن الكيان الصهيوني.
ب- مصادر النفط العربي والخليجي تحديداً.
بناءً على هذا التشخيص أعلاه لطبيعة الأزمة في سوريا، كانت كتاباتي اللاحقة لتلك المقالة ـ وما زالت ـ تتمحور حول التوجهات التي كنت أفترض حدوثها في الإستراتيجية من جهة، وميدان التطورات في سوريا  والمنطقة برمتها من جهة ثانية، وذلك على حد سواء…
لقد كتبت في الساعة الأولى لإنتهاء معركة يبرود في ١٦ أذار من العام ٢٠١٤ ، مقالة أفترضت فيها أن توجه الجيش السوري، ومعه القوى المساندة، يُفترض أن يكون نحو الجولان، وذلك لوأد الحزام الأمني الإرهابي هناك، وذلك في مرحلته الجنينية (مقالة ما بعد يبرود والجولان .. دلالات استراتيجية)، وذلك لكسر الطوق الآمن، والذي يسعى الكيان إلى إحاطة كيانه به، والذي أيضاً، كنت قد تناولته في مقالة (إستقرار الطوق… والذراع المستعصية، والمنشورة بتاريخ الثاني من أيلول من العام ٢٠١٣ )، والتي سردت فيها للأسباب الإضافية للحنق الصهيوني المستجد على الذراع المستعصية (المقاومة اللبنانية)، بحيث أن هذه الأخيرة، ستقلب استراتيجية الصهاينة، من استقرار الطوق، إلى التفاف الأذرع حول الكيان، وذلك بدءاً من الذراع السورية… وقد تحدث الصهاينة بالأمس عن محاولة إيران تطويق الكيان…. وقد كنت مصيباً في حينه حول بدء معركة الممانعة في تيئيس الكيان من الأحزمة المُستنزِفة (مقالة تيئيس الكيان في الخيارات.. والنظريات، المنشورة بتاريخ ٣١ أذار ٢٠١٤) ، فضلاْ عن ضرب مشروع الكيان الصهيوأمريكي في إقامة الأحزمة المُستنزِفة لضرب ثلاثيات التهديد، والتي يعمل محور الممانعة على تطويق الكيان بها (مقالة ثلاثيات التهديد وأحزمة الإستنزاف ، نُشرت بتاريخ ٢٢ أيلول ٢٠١٤)، وذلك كله في سبيل الدفع بالكيان نحو خيارات ثلاثة لا رابع لها .. نستعرضها لاحقاً في هذه العجالة ..
التطورات المتسارعة التي حدثت مؤخراً، بُعيد غارة القنيطرة الصهيونية، وعملية شبعا الماحقة لقواعد الاشتباك مع الكيان الصهيوني، وما يدور اليوم على الجبهة الجنوبية، وتحديداً على تخوم الجولان المحتل … يُدلل ـ وبلا أدنى شك ـ على صحة ما اقترحته وافترضته على الدوام، بأن الأمور مع الكيان الصهيوني، لهي سائرةٌ نحو دفعه إلى جعله مرغماً مختاراً بين خيارات ثلاثة: إما الرضوخ للاستنزاف المميت، وإما الذهاب إلى الحرب المفتوحة ـ والتي لا طاقة له على خوضها، فضلا ًعن عدم المصلحة الأمريكية والأوروبية في نشوبها ـ  وإما البحث عن طوق النجاة ، والذي ربما يكون مقبولا ً مرحلياْ من المحور الممانع، ألا وهو سؤال الصهاينة لأطراف هذا الأخير: ماذا تريدون؟ فالإجابة عليه من قبل هؤلاء ـ على ما اعتقده أيضاً ـ ستشكل اللبنات الأولى لخروج سوريا والمنطقة من براثن الإستنزاف من الإرهاب، ومشاريع التقسيم والأقلمة، والتي تسعى أمريكا ومعها الكيان الصهيوني، لتجسيدها في الجغرافيا العربية من العراق، فسوريا، وصولاً إلى اليمن مؤخراً…
لعل مسار الأمور والتطورات اللاحقة على الجبهات مع الكيان الصهيوني، ستدفعه قريباً مرغماً إلى ما اعتقدته بأن الكيان سيصل إليه حتماً ـ إن حكمت لغة العقل عند رؤوس قادته الحامية ـ والذي يتمثل في طرحه للسؤال المصيري أعلاه على أطراف الممانعة مجتمعين (والذي كنت أيضاً قد فصّلت في حتمية إيصال الكيان إلى هذه المرحلة، وذلك في مقالة سيسأل الكيان الصهيوني: ماذا تريدون؟ والمنشورة بتاريخ  الثاني عشر من أيار من العام ٢٠١٤ )
اليوم ، هل نحن على أعتاب اللعب بالورقة الأولى (أمن الكيان الصهيوني)؟ أعتقد أن صراخ الصهاينة اليوم، بعد تطورات عملية شبعا المفصلية، وميدان القتال الجاري حالياً على الجبهة الجنوبية، يتضمنان الإجابة على هذا السؤال ..
أما فيما خص الورقة الثانية (مصادر النفط العربي والخليجي تحديداً)، فإن التطورات المتلاحقة في اليمن، وسيطرة الحوثين على مفاصل السلطة فيه، والتهديدات الأمريكية والدولية ومعها الخليجية لأنصار الله ، ومطالبة مجلس التعاون الخليجي بالأمس القريب، لمجلس الأمن بإعلان الحرب على اليمن، وذلك عبر حثه على تبنيه قراراً تحت الفصل السابع في مجلس الأمن!  ومسارعة البعض في الداخل اليمني لإطلاق التهديدات بالإنفصال تارة، والعودة إلى المطالبة بإخراج مشروع الأقلمة من أدراج المبادرة العشرية، والتي تحرم الحوثيين من الجغرافيا الإستراتيجية على شواطئ البحر الأحمر، هذا فضلاً عن التهديد بإشعال الحرب الأهلية، والتدخل الخارجي تارة أخرى …. معطوفة على الحرب النفطية السعوأمريكية ومعهما الأوروبية، على كل من إيران وروسيا تحديداً.. لأجل ذلك كله، فما اعتقدت به من أنه: حروبٌ بالشعوب ..على الشعوب، لعبٌ بالنار… والذي اخترته عنواناً لمقالتي التي تطرقت فيها إلى مخاطر الحرب السعوأمريكية على إيران وروسيا، وذلك بتاريخ ١٥ كانون أول ٢٠١٤.. فهل يمكن لكل هذا الذي ذكرت، أن يؤشر إلى السبب الحقيقي للحنق الأمريكي ومعه الأوروبي وكذا الخليجي على تطورات اليمن، وعلى مضيق باب المندب تحديداً والساحل المجاور له، وذلك كتعبير عن هلعٍ يعيشه هؤلاء، من أن يصبح الشريان الرئيسي لمعظم الإقتصاد العالمي وتحديداً النفطي وملحقاته، تحت التهديد الفعلي هذه المرّة ؟؟؟ وخصوصاً أن أمريكا ومعها أوروبا ودول الخليج أيضاً، يعلمون علم اليقين أن تدخل مجلس الأمن عسكرياً ممنوع روسياً، وتقسيم اليمن مرفوض إيرانياً، ومُحال حوثياً… وبالتالي فإن التلويح بالحرب الأهلية، دونه هواجس ومخاوف أمريكية وأوروبية مصلحية، وخليجية جغرافية (سعودية على وجه التهديد)، وذلك نظراً للموقع الجغرافي لليمن الرابض على كتف المملكة (برياً)، وحتى بحرياً أيضاً ….
ربما، والحال كذلك، فهل يمكن أن تكون مرحلة اللعب بالورقة الثانية المشار إليها أعلاه، قد حان أوانها؟ وبالتالي هل ستسأل أمريكا وأوروبا ومعهما السعودية مجدداً: ماذا تريدون؟
ربما المرحلة القريبة القادمة، قد تحمل  الإجابة على ذلك.
باحث وكاتب سياسي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.