من حكايانا: الضاحية ستبقى هنا

dahia-street

موقع إنباء الإخباري ـ
نغم حسن:
هي واحدة من آلالاف التي ولدت في ذلك المكان، مثلها كبقية أفراد هذا المجتمع. كان كل شيء عادياً بكل صفاته .. من الأحياء الى الناس واصنافهم وطبقاتهم .
درست في مدرسة قريبة من منزلها؛ لم تعرف أي مجتمع دخيل غير حلقتها الصغيرة.
حادثة واحدة لا زالت تتذكرها عندما كانت في الرابعة من العمر، لازالت عالقة في ذهنها. إنه انفجار بئر العبد عام ١٩٨٥ عندما استهدف سماحة السيد محمد حسين فضل الله، رغم صغر سنها إلا أن الأجساد الممزقة والمحروقة لا زالت أمامها تشتعل وتنزف دماً.

كبرت الفتاة وكبرت الأحلام معها. انتقلت إلى الجامعة فبدأت تكتشف مجتمعاً وأحياء في مناطق أخرى. كل شي لا زال طبيعياً، لكنها كانت تعود مسرعة إلى منزلها فتشعر براحة كبرى لا تدري ما سببها.
عام ٢٠٠٠ تحررت الأراضي المحتلة من رجس الصهاينة. انتقلت الى تلك المنطقة كزيارة لقريتها بشكل موقت، شعرت بالسعادة لكنها أيضاً وجدت نفسها تسابق الريح للعودة الى منزلها في الضاحية الجنوبية.
لم تدري سبب هذا التعلق، هل لأنها ولدت هناك! هل لأن هنالك شيء مختلف ….
عام ٢٠٠٦ كسرت الضاحية الجنوبية عنجهية الكيان الصهيوني وبقيت صامدة، رغم الدمار الذي لحق بها، إلا أن البشر بقي صامداً كجبال لبنان العتية.. ولا زالت كلمات ساكنيها تتسلل في الزواريب… فدا السيد حسن…..
استدارت ريم مجدداً نحو بوصلتها، وجدت نفسها تزداد عشقاً لكل حجر وزاوية لهذه الضاحية.
فمن بئر العبد إلى الشياح، إلى حارة حريك والرويس وبرج البراجنة والمريجة والمعمورة فحي السلم وغيرها الكثير والكثير، في كل حي باتت تجد ما يؤنسها فيه، فهنا مسجد بئر العبد وانتفاضته على اتفاقية ١٧ ايار لا زال صامداً رغم مرور التاريخ والزمن.
هنا ذلك المبنى الذي ترددت أنغامه على جملة جميلة تحدثك عما خلف الحدود:
“هنا اذاعة النور…. قامت المقاومة الاسلامية بعملية نوعية..”
هنا مجمع سيد الشهداء حيث عطر بانفاس الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وبورك بجثامين الشهداء
وهناك مسجد الحسنين لا زال يصدح بصوت سيده قائلاً: “أيها الأحبة”.
وهناك المربع الأمني الذي يكللك بابتسامة جميلة على خد الحارس المتوقف عند ناصية الطريق.. والشجرة لا زالت واقفة تظل كل من مر بقربها.
هنا في كل زاوية من الضاحية قصص لعشاق هذي الارض وهذا الوطن. في كل شارع تجد اسماً لشهيد أو اكثر ، في كل حي ترتفع صور لشهداء رووا أرض الجنوب والبقاع …
كيف لا تعشق الضاحية وكل ما فيها جُبل على حب الارض
كيف لا تعشق الضاحية  وهي في كل يوم تتنفس حباً من شهدائها وتعبق رائحة الموت الجميل في روضة الشهداء.
هنا الضاحية رمز العزة والكرامة، هنا الضاحية رمز العنفوان والصمود والكبرياء….
تقول ريم إنه رغم كل التهديدات والانفجارات التي استهدفت ضاحيتها فإنها ستبقى هنا، بل ترغب أن تمشط كل حي من أحياء الضاحية، أن تتعرف على كل ساكنيها، أن تحييهم، أن تسلّم عليهم، أن تسمع قصصهم وقصص صمودهم، أن تحفظ تاريخ كل شارع من شوارعها التي تزداد جمالا ورونقاً كل يوم رغم أنوف الأعداء والمتربصين.
هي الضاحية التي ولد فيها هؤلاء… البسيط منهم والغني الدرويش والتاجر والمتعلم والمهني.
لأجل كل هؤلاء ستبقى الضاحية رمزاً على مساحة كل الوطن، ستبقى على الخارطة، وسنبقى هنا..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.