من سقط: المشروع الأورثوذكسي أم الطائف أم القوات؟

samir-jaajaa

حسام مطر ـ تعليق خاص بمدوّنة الكاتب:

كان إتهام حزب الله بالسعي لإلغاء المناصفة وإقامة مثالثة بديلة من خلال القوة والتسلط، أحد دعائم الخطاب السياسي والتعبوي  للقوات اللبنانية وحلفائها في 14 آذار منذ العام 2005، والذي ساهم بتمددها الملحوظ داخل البيئة المسيحية.
كانت القوات وحلفاؤها يعلمون أن المناصفة “المزعومة” قد صادرتها الحريرية السياسية منذ الطائف، وأن المثالثة كانت شبه قائمة، وهي أتاحت للحريرية السياسية ـ حتى بعد رحيل الحريري الأب ـ الهيمنة على العملية الإنتخابية، وتالياً السياسية، بحصة تفوق حجمها الواقعي بكثير.
تسقط الهيمنة عندما ينكشف جوهرها, عندما تسقط قشورها وأغطيتها، عندما يرى المهيمن عليهم أنهم خاضعون للهيمنة التي تستبد بحقوقهم. إسقاط الهيمنة يبدأ من إسقاط شرعيتها، هذا ما فعله مشروع القانون الأورثوذكسي بالتحديد.
القوات اللبنانية الحامية للمسيحيين – كما تروج لنفسها – من أطماع حزب الله بحصتهم وذلك “حفظاً للوحدة الوطنية” أقرت بصورة رسمية بالتنازل عن المناصفة لصالح حلفائها في تيار المستقبل وذلك “حفظاً للوحدة الوطنية”.
تبنت القوات اللبنانية التفسير الذي قدمه حلفاؤها للنص الدستوري: المناصفة تعني التساوي فقط في عدد النواب وليس في القوة التمثيلية، إذا أصبح من الممكن لأي كان المحاججة أن الوزن الديموغرافي هو الذي يحدد حصص الطوائف والمذاهب، ليس في النيابة فحسب. أي عدنا “للعد” الذي إدعى فؤاد السنيورة يوماً أن “العد قد توقف منذ الطائف”. بالنسبة لتيار المستقبل هو يتغنى بالمناصفة ما دام المسيحيون لا يطالبون بها بشكل فعلي، ولكن إن طالبوا، تصبح أمراً غير منطقي، إذ كيف ل 40% من السكان أن يختاروا 50% من النواب؟ فجأة يتذكر المستقبليون المنطق.

أدى المشروع الأورثوذكسي غايته أو غاياته: كشف القوات و”المسيحيين المستقليين” أمام جمهورهم، أخرج هيمنة الحريرية السياسية إلى دائرة الضوء، والأهم أنه بث الروح في النقاش حول صلاحية النظام القائم للإستمرار، لأن الطائف قائم بجزء منه على تهميش المسيحيين، وسقوط الأوثوذكسي كان بمثابة إقرار رسمي بذلك. وعليه تصبح المطالبة بميثاق تأسيسي جديد أكثر إلحاحاً وجدية وأصبح منطق المستقبل في رفض هذه الحاجة لميثاق جديدة أقل إقناعاً وأكثر إحراجاً.
مجدداً تقاتل القوات بالمسيحيين لتحقيق مشاريع سواها. هذه المرة كانت التضحية القواتية بالمسيحيين في سبيل المعركة بوجه المقاومة، خدمة للمشروع التنويري لبندر بن سلطان. الخطاب التضليلي لقوى 14 آذار خلال السنوات الثماني الماضية فيما يخص المناصفة ليس إلا نموذجاً لإسلوب يشمل سلسلة كاملة من العناوين، والـتأخر في كشف توترات وتناقضات هذا الأسلوب يبدو أنه سمة أيضاً لدى قوى 8 آذار.
لم يسقط المشروع الأورثوذكسي لأنه بالأصل لم يولد ليعيش. سقوطه كان حتمياً، لكن السؤال كان: من سيسقط معه؟
بعد مؤتمري سمير جعجع خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، أصبح واضحاً من الذي سقط.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.