هاجس السيارات المفخخة: تبليغات مشبوهة.. ومعلومات أجنبية

Bombings - lebanone

صحيفة السفير اللبنانية ـ

جعفر العطار :

اتصل «مواطن صالح» على الرقم 112، للتبليغ عن وجود سيارة مفخخة، ستنفجر عند تخوم الضاحية.

سجّل العنصر الأمني في غرفة عمليات بعبداً، إفادة «المواطن الصالح»: سيارة من نوع «بي.أم. 318» سوداء اللون، تحمل لوحتها الرقم 52589/ج، ستنتقل من محلة بشامون إلى منطقة الشياح، بين الساعة الخامسة والخامسة والنصف، وسيتم تفجيرها بالقرب من «مستشفى الحياة».

بعد مرور دقائق، عاود «المواطن الصالح» الاتصال من الرقم الخلوي ذاته (*7070071)، معززاً إفادته: السيارة المفخخة سيتم نقلها من بشامون إلى الشياح عبر شخصين، الأول يُدعى ع.ز. والثاني س.ب.، وهي مجهزة بنحو 90 كيلوغراماً من مادة «تي.أن.تي».

لم يعرف المتصل أن القوى الأمنية ستقوم بملاحقته بدلاً من السيارة، إذ تبيّن أن إفادته كاذبة، وهدفها الانتقام من الشخصين المبلّغ عنهما لأسباب «خاصة». وتكشف مصادر أمنية مطّلعة لـ«السفير» عن وقائع مماثلة، نفذها أشخاص إما بدافع التسلية، أو للثأر الشخصي: مكالمة هاتفية تكفي لاستدعاء المبلّغ عنه إلى التحقيق.

عند الواحدة ظهراً، يتصل شخص معرفاً عن نفسه جورج إ.، بغرفة عمليات طرابلس. يقول الرجل إن ع.ح. (سوري الجنسية) «يخطط للقيام بأعمال إرهابية، وقرر تفجير عبوات ناسفة في البترون».

وبينما كان يحاول العنصر الأمني الاستفسار عن عنوان المبلّغ عنه، أقفل جورج الخط. مع ذلك، تمكنت القوى الأمنية من معرفة منزل ع.، الذي يقع قبالة إحدى المدارس في البترون. توجهت دورية أمنية معززة إلى المكان، ودهمت المنزل بحضور ر.، شقيق المبلّغ عنه، ولم تعثر على أي «ممنوعات»، سواء للتفجير أم لا. اصطحب أفراد الدورية ر. إلى التحقيق، ثم وصل المبلّغ عنه إلى مركز الفصيلة. أنكر الرجل، الذي تبين أنه عامل في ورشة بناء يملكها شخص لبناني، التهمة المنسوبة إليه.

وبمراجعة مفوض الحكومة، أمر بترك ر. وشقيقه، وتم توجيه كتاب إلى وزارة الاتصالات، لمعرفة هوية المتصل. لاحقاً، تبيّن أن جورج أبلغ عن العامل السوري لأنه «اشتبه بأمره.. بسبب جنسيته»!

أما أ.ف. (مواليد 1996)، فكان يشعر بالملل الشديد، عندما اتصل بغرفة عمليات شرطة بيروت، مدّعياً وجود عبوة ناسفة في الطريق الجديدة، محدداً مكانها: بالقرب من المعلب البلدي. لكن الفتى لم يتخيل أن «فرع المعلومات» سيقوم بتوقيفه، ويحوّله إلى القضاء بتهمة «إفادة كاذبة»، بعد مرور يوم واحد من اتصاله.

التسلية عبر الاتصال على الرقم 112، في موسم الخوف من السيارات المفخخة، لا تقتصر على التبليغ عن «إرهابيين» وعبوات ناسفة. إذ اتصل شخص ادّعى أن اسمه جوني، وأبلغ القوى الأمنية أنه موجود على طريق المطار و«أتعرّض لاعتداء بالضرب المبرح على أيدي مجموعة تابعة لحزب الله عند حاجز للتفتيش!».

وفور إقفاله الخط، توجهت دورية أمنية من فصيلة الأوزاعي إلى طريق المطار، فتبيّن أن إفادته كاذبة، وأنه هو ذاته من اتصل قبل أسبوع للتبليغ عن وجود سيارة مفخخة في منطقة الجناح. ومنذ اتصاله الأخير، في شأن تعرضه للضرب، أقفل هاتفه الخلوي.

مصادر المعلومات

لم يمرّ يوم بعد، منذ وقوع انفجارات بئر العبد والرويس وطرابلس، من دون تداول أخبار عاجلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والرسائل النصية، تفيد بملاحقة سيارات مفخخة. وإذا كان التبليغ عبر الرقم 112 لا يثير بلبلة، بما أنه محصور بغرفة العمليات، إلا أن «المعلومات» التي يتناقلها المواطنون تثير الرعب بصورة متكررة.

إذ بلغ الأمر حد توزيع لائحة بأرقام سيارات «جاهزة للتفجير»، يتداولها المواطنون يومياً. وتبين أن مصدر هذه المعلومات مخبر في جهاز أمني رسمي، وزّع، عبر هاتفه الخلوي، أرقاماً تعود لسيارات مسروقة أخيراً.

المعنيون في الأمن، من كبار ضباط الأجهزة الأمنية، يقولون إن «الاستناد إلى المخبرين الذين يزودوننا بأرقام سيارات مشبوهة (سواء مسروقة أم لا)، مجرد الاستناد إلى واحد في المئة من معلوماتهم، كان يقضي بأن يكون لبنان كتلة من الركام لو صدقت تقاريرهم»، مؤكدين: «حتى الساعة، لا توجد معلومة واحدة دقيقة في شأن مكان سيارة جاهزة للتفجير».

ويوضح الضباط المعنيون: «المخبر الميداني يسمع خبرية من هنا أو هناك، ويرسل لنا تقريراً يؤكد الاشتباه بسيارة مفخخة. اثر ذلك، نقوم بتعميم المعلومة، وهكذا. لكن حتى الآن لم نوفق بمعلومة جدّية، باستثناء سيارة الناعمة التي تبيّن أنها تحوي كمية كبيرة من المتفجرات، والتي اكتشفت نتيجة الرصد والمتابعة».

أما المعلومات الجدّية، أي التي تتعامل معها الأجهزة الأمنية المعنية بمتابعة حثيثة، فتستند عادة إلى وسائل تقنية، مثل التنصت على أرقام معيّنة وملاحقة المشتبه بتواصلهم مع مجموعات إرهابية، بالإضافة إلى الاتكال على مصدر أساسي: أجهزة الاستخبارات الأجنبية.
لكن حتى الأجهزة الأمنية الأجنبية لا تملك، عادة، معلومات موثقة، بل تكتفي بالقول، على سبيل المثال: «ثمة سيارة مشتبه بأمرها، خرجت اليوم من مخيم عين الحلوة». تعُمم المعلومة على الأجهزة الأمنية اللبنانية، التي توزعها على الدوريات المعنية لمتابعتها.
بعد ذلك، تصل لائحة بـ«مواصفات معينة، منها كامل الهوية ومنها ملامح أولية»، إلى الحواجز الرسمية وغير الرسمية، التي تقوم بتفتيش السيارات المشتبه بها، بينما تكون دوريات ومكاتب أمنية تعمل، بالتزامن، على متابعة تفاصيل المعلومات ومحاولة ربطها بمصادر متطابقة.
ويتفق الضباط المعنيون على مبدأ أساسه أن «حواجز التفتيش تشكّل عائقاً أمام الشخص الذي يريد تهريب سيارة مفخخة»، معتبرين أن «مشهد انتشار الحواجز، بحد ذاته، يؤدي إلى بث حالة من الإرباك والترهيب. علماً أن التفتيش الأساس يشمل صندوق السيارة، بسبب قدرته على استيعاب كميات كبيرة من المتفجرات».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.