هكذا انطلقت عمليات المقاومة ضد اجتياح بيروت

ijtiya7 beyrouth - israel

في الخامس من حزيران عام 1982 بدأت اسرائيل عملية اجتياح عسكري كبيرة للبنان مطلقة عليها اسم ” عملية سلامة الجليل”. التبريرات التي ساقتها لعمليتها تلك هي ابعاد خطر الصواريخ التي تسقط على المستوطنات في شمال فلسطين المحتلة من قبل المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان. لكن رئيس الاركان الاسرائيلي “رافائيل ايتان” كشف في اليوم التالي للإجتياح عن الاهداف الحقيقية لهذا الغزو. عندما صرح :”ان حربنا في لبنان هي جزء من حرب عمرها مئة عام لامتلاك ارض اسرائيل”. كانت اسرائيل تراهن على ان عمليتها في لبنان ستحقق لها جملة اهداف سياسية وأمنية سعت اليها منذ زمن وان جيشها سيجد له اقامة مريحة على الاراضي التي احتلها.لأن اللبنانيين بسبب الحرب الاهلية وانقساماتهم الطائفية والمذهبية سيكونون لاهين عن مقاومتها.في المقابل كانت هناك مجموعة من اللبنانيين قررت الا تأخذ بهذا الواقع واتخذت في لحظة المأزق هذه قرارا بالمواجهة مهما كان الثمن.فنظمت نفسها في حرب عصابات وراحت تصلي الجيش الاسرائيلي نيرانا حامية في كل المناطق التي كان متواجدا فيها موقعة في صفوفه خسائر فادحة قالبة خطط حكومته رأسا على عقب.

لم يكن الاتصال بـ “اسكندر” امرا سهلا فالرجل الذي اشترك في قيادة وتخطيط عشرات العمليات ضد اسرائيل منذ انطلاقة المقاومة الوطنيةعام 1982 يؤثر الصمت في هذه الامور، ويعيش حياة عادية منصرفا الى تحصيل قوته وقوت عياله بعرق جبينه من خلال وظيفة في احدى الشركات الخاصة. الجواب الذي تلقيناه منه بواسطة احد الوسطاء “شغلنا مش للجرايد” تكرر عدة مرات. الزيادة في الالحاح والاستجابة لشرطه في عدم استعمال اي من وسائل التسجيل اضافة الى ترك تحديد مكان وزمان اللقاء له وحده جعلت اللقاء يتحقق في احدى المناطق البعيدة عن العاصمة مع هذا المقاوم الذي وان كان اليوم قد اصبح في الخمسينات من العمر الا انه ما زال يحتفط بحيوية لافته تشكل جانبا اساسيا من جوانب شخصيته الصلبة واللطيفة في نفس الوقت.

الحكاية بدأت من العاصمة المحاصرة في صيف عام 1982 التي كان اسكندر مع عدد من رفاقه يشاركون في الدفاع عنها .تزايد الاخبار عن احتمال انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت رفع درجة الخوف من احتمال قيام اسرائيل بالدخول اليها بعد ان تصبح خالية من المقاتلين ، يومها طلبت منه قيادته كما يقول الاستعداد لمثل هذا الاحتمال والبدء باعداد مجموعات تكون جاهزة للدخول في حرب عصابات ضد العدو في حال قرر اقتحام العاصمة. “كميات كبيرة من الاسلحة تم خزنها في عدة اماكن من بيروت تحسبا لمواجهة هذا الخطر في حال حدوثه”.اكمال الاستعدادات لم يتسن له متابعته بسب اصابة بالغة تلقاها اثناء وجوده على محور المتحف في مواجهة الجيش الاسرائيلي.

البداية ضد شارون

كان اسكندر لا يزال يرقد في المستشفى عند حصول الاجتياح الاسرائيلي لبيروت.الفرحة الكبرى التي عمت الاطباء والممرضين والممرضات في يوم 22 ايلول لم يعرف سببها الا عندما جاءه احد الاصدقاء وقال له فرحا “ان شابا قد اطلق النار على جنود اسرائليين في مقهى الويمبي واردى ثلاثة منهم وهمس له باسمه.

استهداف ارييل شارون وزير الدفاع الاسرائيلي كانت اولى العمليات التي تلقى امراً بتنفيذها من قيادة جبهة المقاومة الوطنية بعد خروجه من المستشفى. تسلل مع مجموعة اختارها الى محيط اوتيل الكسندر في الاشرفية الذي كان يتخذه الضباط الاسرائيليون مكانا لاجتماعاتهم مع قيادات لبنانية. يومها تسلل مع مجموعته الى محيط الفندق وقاموا بزرع عبوات ناسفة على كل الطرقات المؤدية اليه بمساعدة اشخاص من سكان المنطقة ونصبوا كمينا على مدخل الفندق بشكل مموه .الا ان وزير الدفاع الاسرائيلي لم يأت في ذلك النهار والغى اجتماعاته في الفندق فعادت المجموعة ادراجها دون ان تستطيع تحقيق هدفها.

اين الخضرجي

عملية اخرى من عمليات المقاومة الشهيرة في تلك المرحلة نفذها اسكندر ورفاقه وهي عملية “غاليري سمعان” عام 1983 والتي استهدفت عددا من الآليات الاسرائيلية.بائع الخضار الذي ظل يقف هناك لمدة اسبوع واختفى وبحث الاسرائيليون عنه طويلا كان احد رجال جبهة المقاومة الوطنية وكانت مهمته رصد تحركات الدوريات الاسرائيلية في المنطقة. تفاصيل العملية يرويها اسكندر على الشكل التالي: “جئنا من منطقة “المعلم” واستلمنا الاسلحة من احد المنازل القريبة من المنطقة ووضعناها في سيارة مزودة بمخابئ سرية وانتقلنا الى مكان العملية وكان الوقت لا يزال عند الفجر وكمنا للاسرائليين وعند مرور الدورية قمنا بضربها مما اسفر عن تدمير اربع آليات واحتراق سيارتي جيب بالكامل. الكمين اصاب القيادة الاسرائيلية بالذهول فهم لم يكونوا يتوقعون عملية في تلك المنطقة وكانوا يعتبرونها منطقة آمنة بالنسبة لهم.

ان لا ابوح بالسر مهما كان الثمن

صلابة المقاومين وتكتمهم في حفظ السر حماية للهدف الذين يعملون من اجله كان احد اسباب نجاح جبهة المقاومة الوطنية في عملها يقول اسكندر.احد المقاومين تم اعتقاله اثناء التحضير لعملية في منطقة الحدث.اشتبه به عناصر من الدرك خلال وجوده في منطقة البساتين ليلا وكان بحوزته اسلحة.كل الضغوطات التي مورست عليه لم تحمله على الاعتراف بأسباب وجوده في تلك المنطقة مما ساعد رفاقه في تنفيذ الهدف الذي قدموا من اجله وهو ضرب مركز اسرائيلي كان موجودا بالقرب من كلية العلوم.

صبايا مقاومات

تاريخ 21 اذار 1983 ما زال يحفر عميقا في ذاكرة اسكندر، في ذلك النهار كاد يقع بين ايدي الاسرائيليين اثناء قيامه مع مجموعته باستهداف رتل اسرائيلي مدرع في منطقة بشامون.العملية في هذا التوقيت بالذات ارادتها جبهة المقاومة الوطنية ان تكون هدية لكل امهات الشهداء الذين سقطوا من جراء العدوان الصهيوني على لبنان.يقول اسكندر كمنا عند الفجر في مبنى قيد الانشاء بالقرب من عقدة الطرق والتي كانت ممرا اجباريا للرتل الاسرائيلي وعند وصوله في مرمى نيرانينا تم القضاء عليه بالكامل”.انسحاب المجموعة المقاومة عبر الاودية الى منطقة دير قوبل بعد تنفيذ العملية بحسب الخطة المقررة تخلف اسكندر عنه. السبب عارض صحي ألم به فجأة اقعده ارضا ومنعه من اكمال طريقه.مشهد اربك المجموعة بكاملها وهدد امرها بالانكشاف في ظل تمشيط الطيران الاسرائيلي لمكان العملية ومحيطها وتقدم قوات من الجيش الاسرائيلي لإفقال جميع طرقات المنطقة.اكثر من ساعتين قضاها مختبئا وراء شجرة سنديان معمرة كان خلالها قد قرر تفجير القنابل التي بحوزته بنفسه وبالاسرائيليين في حال تمكنوا من الوصول اليه.انقاذه جاء من خلال صبية كانت تجول في الحرش في ظل رصاص التمشيط الاسرائيلي وتناديه باسمه الحركي وعندما اجابها اعطته كلمة السر وقامت بمساعدته في الوصول الى المكان الذي كان ينتظره فيه رفاقه ومن هناك انسحبوا الى مدينة الشويفات ومنها الى الضاحية الجنوبية. العمل المقاوم لم يقتصر على الرجال فقط العديد من الفتيات انخرطن فيه ايضا احداهن التي تعيش اليوم خارج البلاد كانت مهمتها قيادة سيارات محملة بالاسلحة والذخائر من البقاع والشمال الى المقاومين في الجنوب. فيما اخرى كانت تشارك بالعمليات مباشرة واعتقلت من قبل الاسرائيليين وعذبت بعد وشاية من قبل احد العملاء.

وفتيان ايضا

عملية اخرى يتحدث عنها اسكندر بكثير من الاعتزار وهي ضرب عناصر من مجموعته باصا محملا بالجنود الصهاينة في منطقة الغازية وتدميره ويقول ان الذين قاموا بها كانوا مجموعة من الفتيان اكبرهم في السابعة عشرة من العمر وضرب مهبط للطائرات المروحية في منطقة الزهراني يعتبرها ايضا اسكندر نقلة نوعية في عمل المقاومة في ذلك الوقت.الصواريخ التي استعملت في العملية تم وضعها بطريقة فنية في فان من نوع فولكسفاكن وتم ربطها بالمحرك والذي عند تشغليه انطلقت الصواريخ لتصيب اهدافها.

العميل الى جهنم

العمل المقاوم بالرغم من دقته الا انه لم يكن يخلو من بعض الثغرات التي كادت في احدى المرات ان تكون مميتة .عملية التحضير لضرب مركز للعملاء في منطقة عنقون الجنوبية اقترح احد العاملين في المقاومة لمراقبته احد البيوت القريبة منه والذي قال انه يخص احد الاشخاص المعروفين بوطنيتهم.”كدنا ليلتها نقع في التهلكة” يقول اسكندر. كثرة خروج ودخول صاحب المنزل اليه اثارت في نفس المقاومين الريبة.فقرروا الانسحاب سرا. استغلوا فترة غيابه عن المنزل وقاموا بمغادرته على عجل قبل ان تأتي دورية من العملاء وتطوق المنزل وتقوم بتمشيط منطقة البساتين القريبة، الوطني المزيف هذا كان نصيبه قرار من قيادة جبهة المقاومة الوطنية بتصفيته حتى يكون عبرة لغيره” . احد الاشخاص الذين وشوا بالمقاومين في منطقة الجبل وتعامل مع اسرائيل علنية تخلى عن العدو بعد انسحابه من المنطقة فما كان منه الا ان هرب الى بيروت حيث تمت ملاحقته وتصفيته ايضا يقول اسكندر.

 

صحيفة البلد اللبنانية – نبيل المقدم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.