هل تدفع دول الخليج ثمن شن هجوم امريكي على سوريا؟

BAHRAIN-GULF-GCC-POLITICS-SUMMIT-ECONOMY

صحيفة القدس العربي ـ

عدنان كريمة:

يعتقد خبراء عسكريون أن العملية العسكرية التي من المؤكد انها ستنفذ ضد سوريا تم التخطيط والإعداد لها قبل أشهر عدة، في اطار ما يسمى عسكرياً بـ’التخطيط الاستراتيجي والإعداد لعمليات عسكرية متوقعة في المستقبل’. ولكن رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي أكد صعوبة تنفيذ هذه العملية، محذراً من ضخامة تكلفتها المالية، والتي تُقدر بمليارات عديدة من الدولارات، وثقل عبئها الكبير على الاقتصاد الأميركي الذي يعاني من صعوبات مالية.

ولإسكات هذا التحذير ولعدم إثارة الشارع الأميركي، كان لابد من أن يلجأ الرئيس باراك أوباما إلى شركائه في حلف الأطلسي لتحمل نفقات الحرب. ويبدو أن ما ينطبق على الولايات المتحدة ينطبق على الأوروبيين الذين لا يريدون تكبد أي فاتورة عسكرية أو مالية قد يحاسبون عليها انتخابيا .

ولحل المشكلة، وحرصاً على تأمين المصالح المشتركة لكل الفرقاء المعنيين، برزت كالعادة مسألة الاعتماد على التمويل الخليجي من عائدات النفط ، خصوصاً وأن أحداث الحرب بحد ذاتها ستساهم برفع سعر البرميل الذي قد يتجاوز في تقدير البنك الفرنسي سوسيتيه جنرال مستوى 125 دولاراً إذا شن الغرب غارات جوية على سوريا، وقد يرتفع بدرجة أكبر إذا اتسع نطاق الصراع ليشمل باقي منطقة الشرق الأوسط.

ولفت مايكل ويتنر محلل سوق النفط في البنك الفرنسي إلى أن سعر برميل برنت قد يصعد إلى 150 دولاراً اذا أثر الهجوم على سوريا على منتجي النفط الرئيسيين مثل العراق .

‘وفي هذا المجال كشف دبلوماسي خليجي في الأمم المتحدة عن أن دولاً خليجية لم يسمهاواليابان وعدة دول أوروبية – بينها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ودولتان اسكندنافيتان – ابلغت وزارة الدفاع الأميركية بأنها مستعدة لأن تتحمل مجتمعة نصف تكاليف أي مشاركة أميركية فاعلة في الحرب الدائرة في سوريا شرط أن لا تتجاوز تلك المشاركة الأشهر الثلاثة لإسقاط نظام الأسد .

لقد أكد الرئيس أوباما أن مصالح الولايات المتحدة تحتم قيام القوات الأميركية بتوجيه ضربة عسكرية إلى سوريا، على أن تكون تأديبية في حدها الأدنى. والمصالح الأميركية التي يشير إليها أوباما مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمصالح الشركاء الآخرين، وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي التي أكدت غير مرة، كان آخرها في قمة رؤسائها وقاداتها وملوكها الأخيرة، بأن استمرار أحداث سوريا وتطوراتها الإقليمية أصبحت تهدد أمن منطقة الخليج .

وأوضح تقرير خليجي أن التحديات التي تواجه دول الخليج العربية متعددة المصادر، سواء من داخل منطقة الخليج أو من خارجها، وهي ذات علاقة مباشرة أو غير مباشرة بثورات”الربيع العربي’ وسيتطلب التعامل معها جهوداً كبيرة ، تستوجب مواقف خليجية موحدة من أجل تجنب تأثيراتها الخطيرة على الأمن الداخلي والاستقرار في دول المجلس، مع التأكيد على أن التطورات التي طرأت على العالم العربي خلال فترة سنوات 2011-2013، حملت في طياتها الكثير من عدم الاستقرار. وشدد التقرير على أن نصيب دول المجلس في المساهمة في ترسيخ أو اعادة الاستقرار الإقليمي سيكون كبيراً ومكلفاً، خاصة في ظل انكماش الدور الدولي ولا سيما الدور الأميركي في المنطقة .

تكلفة الضربة العسكرية

‘يستدل من كل ما تقدم أن دول الخليج مرجحة لأن تتحمل الجزء الأكبر من تمويل تكلفة الضربة العسكرية الامريكية ضد سوريا والتي يمكن ان تتضاعف مع اتساع الحرب وطول مدتها.

وبشكل دقيق ، فان تحديد تكلفة الضربة العسكرية يتوقف على نوع العمليات وحركة الأساطيل والطائرات واطلاق الصواريخ. مثال على ذلك: تبلغ كلفة كل ساعة طيران للطائرات المقاتلة 40 ألف دولار بخلاف كلفة الأسلحة والمعدات نفسها التي تحملها الطائرات.اما سعر الصاروخ الواحد مثل توماهوك فيبدأ بـ600 ألف دولار، ويرتفع إلى أكثر من مليوني دولار حسب نوعه واستخدامه. وهناك القنابل الذكية التي يصل وزن الواحدة منها إلى ألفي باوند (900 كيلوغرام) وتكلف 30 ألف دولار.

أما تكلفة كل طلعة من طلعات طائرات ‘بي 2′ فتصل إلى عشرة آلاف دولار لكل ساعة طيران، أما في حال خسارة طائرة واحدة من طائرات اف35 ، فإنها تكلف الولايات المتحدة بين 50 مليون إلى 100 مليون دولار .

أما بالنسبة لبريطانيا وحسب معلومات وزارة الدفاع ، فان تكلفة طيران ساعة واحدة لطائرة تورنادو فتصل إلى 35 ألف جنيه أسترلينى (57 ألف دولار) بينما تصل تكلفة ساعة طيران الطائرة تايفونإلى 70 ألف جنيه (114 ألف دولار). وكذلك الأمر بالنسبة لفرنسا حيث تبلغ تكلفة تشغيل طائرة رافال لساعة واحدة نحو 40 ألف يورو (56 ألف دولار).

‘ومن المعلوم أن جزءاً كبيراً من تكاليف الحرب يذهب ثمناً لصواريخ وقنابل و استخدام طائرات مقاتلة.

وتشير تقارير اقتصادية إلى أن عمليات فرض الحظر الجوي على البوسنة عام 1996 كلفت الولايات المتحدة 3.4 مليار دولار ، بينما كلفت العملية في العراق 2.1 مليار دولار ، وفي كوسفو 2.4 مليار دولار .

ومع استمرار الأزمات المالية العالمية وتداعياتها في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي تبرز أهمية دول مجلس التعاون الخليجي في المساهمة بتمويل جزء كبير من نفقات’ الضربة العسكرية ضد سوريا.
واذا كان معدل النمو للاقتصاد العالمي بلغ 3.2′ في العام 2012، فان دول مجلس التعاون الخليجي حققت نمواً اقتصادياً بلغ 7.9′. وعلى الرغم من أن التوقعات تشير إلى انخفاضه إلى 4.6′ في العام 2013، فان المصارف في هذه الدول تتمتع بالسيولة ورأس المال الكافيين. كما أن الانكشاف المباشر للمنطقة على مشكلة الديون السيادية في منطقة اليورو كان ضئيلاً جداً.

‘ورجح تقرير صادر عن دائرة التنمية الاقتصادية في أبو ظبي أن تشهد دول المجلس في ظل ارتفاع أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل وارتفاع الإنتاج عاماً آخر من الفوائض المالية وفوائض الحساب الجاري مقدرة بين 10 و20 ‘ من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة ككل.

في مقابل ذلك تشير التوقعات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو سيحقق نمواً لا يتعدى نصف في المئة خلال العام 2013.’وتبدو أميركا نسبياً في وضع أفضل من الدول الأخرى، حيث من المتوقع نمو اقتصادها أكثر من 2 ‘ خلال 2013، مع أن ذلك قليل قياساً بالمستويات الأميركية السابقة، لكنه كثير وفقاً للمستويات الأوروبية الحالية .

‘وباستشراف النمو الاقتصادي المستقبلي حسب القطاعات الاقتصادية حتى’ العام 2015، أكدت مؤسسة الخليج للاستثمار استمرار أهمية القطاع النفطي في تمثيل جزء يعتد به من الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون خلال السنوات 2013- 2015.

وتعتبر الكويت أكثر دول مجلس التعاون اعتماداً على النفط بنسبة 78′ من الناتج المحلي الاجمالي، تليها قطر 66′، السعودية 63′، عُمان 61′، الإمارات 52′ ، والبحرين 41′.ويستدل من ذلك أن هذه الدول ستستفيد من كل ارتفاع في اسعار النفط نتيجة الضربة العسكرية ضد سوريا وما ينتج عنها من تداعيات، أو التوسع إلى حرب إقليمية، الأمر الذي تتركز فيه الأنظار اليها لتساهم بجزء كبير من نفقات الحرب المرتقبة .

لقد سبق لدول مجلس التعاون الخليجي أن ساهمت في العمليات العسكرية لتحرير الكويت والإطاحة بصدام حسين في العراق ، وذلك بمشاركة ميدانية وبتمويل مالي لجزء من نفقات تلك العمليات.من هنا تبقى الهواجس الخليجية قائمة من أهداف الضربة العسكرية ضد سوريا وتداعياتها واحتمالات توسعها ، أم حصرها بعمليات تأديبية محدودة ، قد لا تلبي أهداف الخليجيين خصوصاً لجهة الإطاحة بنظام بشار الأسد ، ووضع حد لطموحات إيران ومشاريعها في المنطقة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.