هنا دمشق.. هنا الضاحية.. هنا طهران

syria 13

 

موقع إنباء الإخباري ـ

علي الرضا بدرالدين:

رُفعت أشرعة الحرب، وقُرعت الطبول، والحرب واقعة لا محالة. الأساطيل الحربية تمركزت في مواقعها في البحر المتوسط، والصواريخ نُصبت ووُجهت نحو أهدافها، والعالم يرتقب كلمة السر والإشارة الخضراء لبدء حرب لا تُعرف عقباها.

هذا التحرك المعلن للقوة العسكرية، رافقه تصريحات وخطابات لرؤساء الدول الغربية ولمسؤولين سياسيين وعسكريين عن حتمية الضربة العسكرية في سوريا. فمنذ بدء نشر مزاعم إستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا وتوجيه الدول الغربية أصابع الإتهام إلى النظام السوري، حتى قبل البت بالتحقيق حول الموضوع، بات واضحاً أن التدخل العسكري في سوريا كان يُدرس في دهاليز الإدارة الأميركية.

ليست هي المرة الأولى التي تهدد فيها الدول الغربية سوريا بالتدخل العسكري منذ بداية الصراع في سوريا، إذ أن هناك اطرافاً كانت تروّج له مع بعض الأطراف العربية، وتعمل على الضغط على الإدارة الأميركية لجرّها للقبول بهذا التدخل. لكن الإدارة الأميركية كانت، ولا زالت، تتريث في إتخاذ القرار، كونها تدرك مخاطر هذا التدخل، عليها وعلى المنطقة بأكملها. أما اليوم، فالإيقاع مختلف، هو ليس مجرد تهديد كلامي، وإنما هو تهديد فعلي، ترافق مع حملة دعائية شعواء تشنها الدول الغربية وبعض الدول العربية للتأثير على الحكومة السورية ولحثّها على وقف التقدم الذي تحققه في الميدان، لتكون الحرب النفسية جزءاً كبيراً من هذا التدخل العسكري.

الفرضيات الثلاث

بدأت فرضيات وسيناريوهات التدخل العسكري توضع من قبل المحللين والسياسيين والإعلاميين حول طبيعة هذا التدخل والهدف منه لتشمل ثلاث فرضيات.

الفرضية الأولى، وهي تدخل في إطار الحرب النفسية ، حيث يرى معظم المحللين أن هذه الحملة هي حملة دعائية ليس أكثر لإرهاب النظام السوري ودفعه إلى تقديم تنازلات سياسية وعسكرية لترجيح كفة التوازن لمصلحة المعارضة ولمصلحتها في حال الذهاب إلى طاولة التسوية في جنيف.

الفرضية الثانية، وهي تتعلق بطبيعة الضربة العسكرية التي ستشنها الدول الغربية على سوريا. فالإدارة الأميركية والسياسيون الغربيون يقولون إن الضربة العسكرية ستكون محدودة، وإن الهدف من هذه الضربة هو إرسال رسالة إلى النظام السوري لمنعه من إستخدام السلاح الكيميائي مرة أخرى، من خلال تحديد بعض الأهداف العسكرية تتمثل بالمنشآت الكيميائية وبعض المطارات والقواعد العسكرية. وبالتالي ليس في نية الدول الغربية العمل على إسقاط النظام. إذ ـ في رأيهم ـ يدرك النظام من خلال هذه الضربة مغبّة تجاوز الخطوط الحمراء.

أما الفرضية الثالثة، وهي تكذّب فرضية الضربة المحدودة. فالمحللون يرون أن الغرب يستخدم هذه العبارة لحث المجتمع الدولي على تأييد هذا التدخل، وبالتالي فإن هذا التدخل سيكون شاملاً وهدفه إسقاط النظام، لتكرر بذلك السيناريو الليبي، الذي كانت بدايات التدخل فيه بفرض حظر جوي فقط، لكنها لم تكتفِ بذلك.

 

قياس ردة الفعل

إن التحرك السريع الذي قامت به الدول الغربية بتحريك أساطيلها البحرية وجيوشها ـ قبل اتخاذ القرار الحاسم بضرب سوريا، وحتى قبل أن يلتئم مجلس الأمن لدراسة هذا القرار والتصويت عليه، وقبل أن تطلع على تقرير المحققين الدوليين بشأن مزاعم إستخدام السلاح الكيميائي ـ يطرح سؤالاً حول ماهية هذا التحرك، هل هو للتأكيد على جديّة هذا القرار أو أن هناك أسباباً أخرى؟ فهي بهذا التحرك قد نسفت عنصر المفاجأة الذي تعتمد عليه الدول في استراتيجياتها العسكرية، مما له من أهمية كضربة إستباقية قد تشل العدو.

يرى بعض المحللين أن الهدف من هذا التحرك قبل اتخاذ القرار الفعلي هو لقياس ردة فعل الأطراف الأخرى من هذا التدخل، إذ أن الدول الغربية ليست بوارد إشعال المنطقة بأكملها، بالإضافة إلى أن أميركا أضعف من الدخول بهذه المغامرة الكبرى، خاصة بعد هزيمتها في العراق وعدم قدرتها على الثبات في أفغانستان، إضافة إلى المشاكل الإقتصادية التي تعانيها.

ردة الفعل على التحرك الغربي من قبل حلفاء سوريا كان حازماً، فهم لم يتوانوا عن تحذير هذه الدول من مغبة الدخول في المستنقع السوري، مؤكدين أن هذا التدخل سيفجّر المنطقة بأكملها.

 

إن الرد الإيراني

 كان كفيلاً بإعادة الدول الغربية

النظر في هذا التدخل

 

لكن نبرة الرد الإيرانية كانت مختلفة عن الحليف الروسي، إذ أن الرد الإيراني ـ من مختلف قياداته العسكرية والسياسية ـ كان كفيلاً بإعادة الدول الغربية النظر في هذا التدخل وإعادة قلب الأوراق من جديد، والدليل على ذلك تراجع حدة الخطاب الغربي. فبريطانيا مثلاً كانت قد أعلنت أن التحرك ضد سوريا ممكن دون إجماع مجلس الأمن، أما اليوم فرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يقول “إن القيام بعمل عسكري في سوريا غير معقول في ظل المعارضة في مجلس الأمن”. وأيضاً ما قاله الرئيس الأميركي أوباما في مقابلة على قناة الـ”CNN”، “إن الضربة العسكرية لسوريا لن تحل المشكلة ولا مصلحة ببدء نزاع طويل مع هذا البلد”.

أما روسيا، فقد أدخلت إشكالية حول ردة فعلها بعدما قال وزير خارجيتها سيرغي لافروف إن روسيا لن تدخل في حرب من أجل سوريا، وبدأت الصحف الروسية تعتبر هذا التصريح تخلياً روسياً عن سوريا وأن هذه نتيجة الصفقة التي عرضها الأمير السعودي بندر بن سلطان على الرئيس فلاديمير بوتين. لكن المحللين الروس يصفون كلام الصحف بالسخافة، فسوريا بالنسبة لروسيا حليف إستراتيجي، يتعلق مصيرها بالأمن القومي الروسي، ولا يمكن التخلي عنها.

 

شكراً لأميركا

على توحيد الرأي العربي

بعد غياب طويل

 

بالنسبة لتصريح لافروف، فإن روسيا لا تريد زيادة حدة التهديد، فهي لا تريد نسف جهود سنتين ونصف من الدفع إلى الحل السياسي من خلال تهديدها بدخولها الحرب. إنها محاولة لإعادة الحل السياسي إلى الواجهة. وفي السياق نفسه، فإن روسيا واثقة بقوة الحليف السوري وقوة الردع لديه.

أما الشعوب العربية التي فرّقتها الأزمة السورية فقد وقفت مع سوريا اليوم، وأبناؤها رافضون كل أشكال التدخل العسكري فيها، متحدين إجماع القوى الكبرى، إضافة إلى أن بعض الدول العربية مثل مصر، أكدت اليوم أن الثورة المصرية قد أثمرت، بعكس دول الخليح التي تفتقد إلى العروبة والقومية، وتريد أن تساعد على ضرب دولة عربية. فهنا نقول شكراً لأميركا على توحيد الرأي العربي بعد غياب طويل.

 

ردة فعل حزب الله

ولبنان ـ الذي نأى بنفسه حكومياً عن الأزمة السورية ـ قد بدأ يستشعر وهج نيران الضربة العسكرية. وها هو اليوم يوضع أمام اختبار جديد، إما الرفض أو النأي مرة أخرى. ولكن هذا النأي لا يؤخر أو يقدم.

واليوم، الجميع ينتظر ردة فعل حزب الله حول هذا التدخل، الذي ما زال حتى اليوم لم يصرح أو يصدر بياناً. لكن من المؤكد أن حزب الله لن يتخلى عن سوريا، فهو الذي انخرط في الحرب السورية دفاعاً عن محور المقاومة لن يسمح بسقوطه اليوم عبر تدخل عسكري إذا وقع.

ويقول المحللون إنه حسب الفعل ستأتي ردة الفعل، إذ أن في حال كانت الضربة محدودة ـ أي لبعض المواقع والمنشآت ـ فهو في هذه الحالة بمنأى عن هذا التدخل، فالنظام السوري يستطيع مواجهة هذا الأمر بمفرده، أما في حال كان الهدف إسقاط النظام، فمما لا شك فيه أن حزب الله لن يترك النظام يسقط، وهو الذي أكد في أكثر من مناسبة وعلى لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله ذلك.

فدمشق هي الضاحية وإن تدمير دمشق يعني تدمير الضاحية والمقاومة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.