واقعنا العربي واللبناني: العجب العجاب

maher-hammoud

الشيخ ماهر حمود*:
المشهد السياسي الأمني في عالمنا العربي والإسلامي وفي لبنان يدعو للعجب، الإسرائيلي يستأنف الاغتيالات في الضفة الغربية ويقتل قائدين في “القسام” والمستوطنون يدنسون المسجد الأقصى في الوقت نفسه الذي تقوم به جهات متعددة تحمل رايات إسلامية بالاعتداء على أجزاء من الأمة، في سوريا، في مصر، في العراق وحيث لا ندري على امتداد العالم الإسلامي: إسلاميون مزعومون يريدون دولة إسلامية  يتوسلون إليها بالقتل والتدمير وإلغاء الآخرين جميعا دون استثناء… لم نر مثلهم في تاريخ الإسلام إلا الخوارج، ورغم كل ما وضح من أمور، مصرون على أنهم يريدون الحكم الإسلامي، وتكشف التقارير المطلعة عن أن تمويلهم أميركي إسرائيلي غربي سعودي قطري تركي… الخ، ومع ذلك يدعون أنهم إسلاميون ويتهمون الآخرين بالتبعية والعمالة، ولا يجدون اقل من الألفاظ القرآنية العظيمة للتعبير كما يريدون: طواغيت، فراعنة أوثان … الخ، وهم يعملون من داخل نفوذ هؤلاء الطواغيت ويتغذون منهم ويأتمرون بأوامرهم ثم يقولون نحن الإسلام وغيرنا الكفر والضلال.

في نفس الوقت يكتشف الأميركي ومن يأتمر بأمره من العرب أن تاريخ الصلاحية لهؤلاء الإسلاميين المزعومين قد انتهت فيأتي التحالف الدولي الجديد لتنطلق الطائرات لتضرب هؤلاء الذي كانوا بالأمس القريب ينفذون للأميركي والإسرائيلي ما يرغب وبأسعار متهاودة جدا ويتخلل ذلك تنزيلات مهمة وتسهيلات بالدفع، ولكن الوقت انتهى يجب أن يتم التخلص منهم.

ونرى الأمير العربي الشهم يتفاخر بأنه يركب بالطائرة ليشارك في استعادة الكرامة العربية وإنقاذ الأبرياء من براثن هؤلاء الوحوش البشرية، بالأمس القريب لم تكن هنالك مشاعر إنسانية تتفاعل مع المظلومين والمقتولين والمذبوحين، كيف تحركت هذه المشاعر؟ ومن حركها، حتى المشاعر تتحرك بالأوامر وتهدأ بالأوامر، ما شاء الله.. ولا يقل شهامة عن هذا الأمير العربي الصغير ابن ولي العهد شهامة تلك الفارسة العربية التي تنافس الرجال، ليس بعيدا عن المكان التي ركبت فيه الطائرة لتطلق القذائف الحارقة لتحرير الإنسان من ظلم الإنسان، ليس بعيدا عن ذلك المكان يحرم على المرأة أن تقود السيارة، ولكن لا بأس بالطائرة، ولا بأس بالسيارة إن كانت محملة بالمتفجرات لتنفيذ عمليات انتحارية ضد الطواغيت وأعوانهم وجيرانهم ومن يواليهم وكل من ليس تحت الراية “الإسلامية”.

أما في اليمن بسرعة المعارضة الواسعة الانتشار، الحوثيون وسائر المعارضة في لمحة برق كانتشار داعش في الرقة والموصل وبسحر ساحر تسقط صنعاء في أيديهم، ويبارك مجلس الأمن الاتفاق ويصدر مجلس التعاون الخليجي في اليوم التالي مباشرة بيانا يبارك فيه الاتفاق السريع الذي وقع على عجل في اليوم نفسه الذي تحررت فيه صنعاء أو سقطت، (لا ندري) أي التعبيرين أدق، ليقول وزير الخارجية السعودي: لن نكرر أخطاء الماضي، وذلك في لقائه مع وزير الخارجية الإيراني، ترى هل كان صعبا تجنب الأخطاء والواضحة قبل سنوات: قبل هذه الكمية الهائلة من الضحايا والدمار والخراب ؟ أم ماذا؟ الرقة والموصل مقابل صنعاء واليمن؟ هل هذه الحروب كلها تسير بالتحكم عن بعد …؟ هذا جزء مؤلم جدا ومضحك في نفس الوقت من المشهد العربي الغريب العجيب.

ونضيف إليه المشهد اللبناني، لاجئون سوريون ذاقوا مر التهجير يهتفون للدولة الإسلامية المزعومة: لم تمت الم تر من مات؟ أم على قلوب أقفالها.

أهالي الجنود مفجوعون باختطاف أولادهم يقطعون الطريق على من؟ نقتل أنفسنا لنخلص أولادنا؟ كيف هي هذه المعادلة؟ المشكلة مع الدولة فعلا مع الحكومة؟ أم المشكلة مع الخاطفين؟ هل تريدون مقابل ابنائكم أن يتم إطلاق المجرمين، ألا ترون شادي المولوي ماذا فعل بعد أن خرج بسيارة النائب الكريم أو رئيس الحكومة؟.

مياومون وسلسلة رتب ورواتب وامتحانات ألغيت والكل يتنافس على قطع الطرقات، إلى أين؟ وكيف ولماذا؟.

حالة ضياع عامة تعم الجميع، ويفترض خلال ذلك أن علماء الدين يحملون الدواء للمجتمع المثقل بالهموم والمشاكل المعقدة، ما بالهم يزيدون الطين بلة والنار اشتعالا تحقيق شفاف حول ما يحدث في عرسال؟ ماذا عن تحقيق شفاف عن خطف الجنود وقتل الضباط والسيارات المفخخة واغتيالات هنا وهناك وفتاوى الجهل والتخلف؟.

لماذا يشارك إسلاميون مزعومون في الضياع والتخبط، ألا يفترض أن يكونوا أوعى من الآخرين، أم أنهم فقدوا الانتماء إلى حقيقة الإسلام واكتفوا بالشكل دون المضمون … الخ.

امة أضاعت الطريق يستوي فيها الإسلاميون المزعومون والوطنيون المتقاعدون شغلتهم الدنيا وهبطوا إلى الأدنى وتركوا الأعلى، جاءتهم البينات الواضحات قال لهم الله انظروا إلى الأمة كيف تسلك طريق العزة إذا ما توحدت على الهدف الكبير، غزة فتحت باب العزة للأمة، ولكن الأمة لا تريد العزة لا تريد الارتفاع بل تريد أن تبقى على طريق الانحدار.

وقبل ذلك حطمت المقاومة في لبنان أسطورة الجيش الذي لا يقهر، ولكن اكتشفت الأمة بعد حين أن المقاومة لا تكون مقاومة إذا لم تستطع حل المشاكل المعقدة التي تراكمت خلال التاريخ الإسلامي.

عليك أيتها المقاومة أن تفكي الألغاز التي عجز عنها جهابذة الإسلام خلال أربعة عشر قرنا، عندما تستطيعين أن تفكي كل العقد والمشاكل وان تعيدي كتابة التاريخ فتلغى من تاريخينا الجمل وصفين والنهروان والزاب الكبرى والصغرى، وثورة الزنج والقرامطة، وعندما لا يعود في تاريخنا فرنجة ولا تتار ولا استعمار حديث أو قديم، وعندما نستطيع أن نلغي من تاريخنا الصفويين والوهابيين وثورة الشريف حسين ولورنس العرب  وعندما يصمت اللورد همفري عن كتابة مذكراته، عندما نرى المسلمين متفقين على مذهب واحد ورأي واحد وقائد واحد، عند ذلك سنصدق أن المقاومة انتصرت في لبنان وفي غزة… عسى عند ذلك أن نكتب تاريخا جديدا فيصدق أبو بكر البغدادي أن هنالك أحدا غيره موجود على سطح الأرض وينتبه انه ليس أبا بكر الصديق وان حربه ليس حرب الردة ضد المرتدين، هل هذا ممكن؟ لعل وعسى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

إمام مسجد القدس في صيدا ـ
خطبة الجمعة 26-9-2014

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.