غداً يوم الحسم.. الشارع مقابل التشريع

lebanese-parlement

صحيفة السفير اللبنانية ـ
ايلي الفرزلي:

كان يمكن لجلسة تشريعية، يُدعى إليها بعد عام على آخر جلسة عقدها المجلس الحالي، أن تبث الحياة في جسد النظام المتهالك. لكن يبدو جلياً أن الأمراض التي تنهش هذا الجسد صارت عصية على العلاج. بكتيريا الميثاقية لم تحدّ من تمدد مرض الطائفية، بل فاقمته. صحيح أنها أثبتت قدرة على علاج بعض الحالات الموضعية، إلا أن الجسد اللبناني سرعان ما اكتسب المناعة ضدها.

الجميع في ورطة. والجميع يعرف أن عقد الجلسة لم يعد هو الحل، بعدما خرجت الميثاقية من جلباب أبيها. وعليه، يتمسك «القوات» و «التيار» بها. يرفعان لواءها لأنه «لا يعقل ضرب الديموقراطية التوافقية عندما تصل إلى بابنا»، كما قال النائب ابراهيم كنعان أمس. هذه هي القصة مجدداً: طائفة تريد ما تعتبره «حقوقاً» سبق وحصلت عليها طوائف أخرى.. وهكذا دواليك.

ذلك هو المنطق اللبناني السائد، والذي يزيد من العوائق الموضوعة في طريق عقد الجلسة، ويزيد من ضرورة إيجاد مخرج «لا يقتل الذئب ولا يفني الغنم».

كل اللقاءات لم تؤد، قبل 24 ساعة من الجلسة، إلى إيجاد الحل الذي ظل عصياً على الدخول إلى عين التينة والرابية ومعراب. «حزب الله» كثّف مساعي التوفيق بين حليفيه، منذ أعلن في بيان عقب اجتماع «كتلة الوفاء للمقاومة»، أنه يهيب «بجميع الكتل النيابية والقوى السياسية مقاربة الجلسة التشريعية بكل مسؤولية وطنية لتقرير ما يلزم من مصلحة عليا، ينبغي ملاقاتها من قبل كل الاطراف وسط الازمة الراهنة في البلاد».

هذه الصياغة لموقف الحزب أكدت أنه يضع الطابة في ملعب عون وبري معاً، فالأول مطالب بمقاربة الجلسة بمسؤولية وطنية والثاني مطالب بملاقاته. وهذا الموقف النادر وضع الحزب أمام مسؤولية إيجاد المخرج أو تسويقه، أملاً في عدم الوصول إلى المحظور المتمثل في عقد جلسة فاقدة للميثاقية، سيضطر للمشاركة فيها، لأنه لا يمكن أن يترك بري وحيداً في مسألة تتعلق بعمل مجلس النواب.

جلسات حصرية مرفوضة

مع ذلك، ما يزال أفق الجلسة مغلقاً. اقتراح النائبين جورج عدوان وابراهيم كنعان لم يصل إلى الهدف المنشود. عندما التقى الثنائي الرئيس نبيه بري عرض عليه حلاً، عاد العماد ميشال عون ولمح إليه أمس. ويقضي هذا الحل بطرح قانون الانتخاب في بداية الجلسة، على أن يطلب بري تأخيره حتى نهايتها، لأنه يحتاج إلى مناقشات طويلة. عندها تمرر الهيئة العامة القوانين المالية ثم قانون استعادة الجنسية الذي يحظى بالأغلبية، قبل أن يُعاد طرح قانون الانتخاب. ولأن الجميع يعرف أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدرس والمناقشات، يطلب بري تأجيله إلى أول جلسة تشريعية تعقد، على أن يتعهد بمناقشته دون سواه من القوانين، إلى حين إقراره، بغض النظر عن عدد الجلسات التي تعقد لهذه الغاية. لكن بري رفض التعهد بذلك لأنه لا يمكنه أن يضمن حضور الكتل الأخرى. بعد الاجتماع مع بري، تواصل عدوان مع مكونات «14 آذار»، الذين كانوا قد اجتمعوا سابقاً مع «القوات» واتفقوا على إبلاغ بري بهذا المخرج. وبالفعل، انتقل وفد يضم النواب أحمد فتفت وعاطف مجدلاني وبطرس حرب إلى عين التينة، وأكد لبري الالتزام بهذا المخرج. لكن مع ذلك، ظل رئيس المجلس متوجساً من أي التزام يتعلق بحصر التشريع بقانون واحد لأشهر عديدة. فالجميع يعرف، ولاسيما مقدمي الاقتراح، أنه سيكون من الصعب عقد جلسة فعلية مخصصة لقانون الانتخاب قبل بداية العقد التشريعي العادي في آذار المقبل، لأنه إذا اتفق على هذا المخرج، فإن جلسة واحدة لن تكون كافية للتوافق على القانون الانتخابي. وقبل نهاية العام سيكون من الصعب عقد جلسة ثانية، ما يعني أن الجلسة المقبلة لن تعقد قبل آذار، حيث سيكون أمام الكتل النيابية متسع من الوقت لإيجاد نقطة التقاء بين المشاريع المختلفة، ولاسيما مشروعي الرئيس نبيه بري وثلاثي «القوات» و «المستقبل» و «الاشتراكي» المختلطين.

ولأن هذا الاقتراح لم يكتب له النجاح، وكذلك لم ينجح الساعون إلى تأجيل الجلسة في مسعاهم، كما لم تنجح فكرة تقديم اقتراح قانون انتخاب معجل مكرر من أحد النواب، فإن المخارج تعود إلى نقطة الصفر، بالرغم من أن الجميع يتعامل مع الجلسة كأنها واقعة غداً. «التيار الوطني الحر» و «القوات» تابعا الاجتماع بـ «المستقبل» و«الكتائب» بشأن قانون استعادة الجنسية، فيما يستمر المصرفيون في تسويق أهمية القوانين المالية بين الكتل النيابية متمنين إقرارها. علماً أن كل الكتل أعلنت تأييدها لهذه القوانين، لا بل حماستها لها، حتى أن «القوات» كانت بصدد طرح اقتراح يقضي بتأجيل الجلسة التشريعية إلى بداية الاسبوع المقبل، تكون القوانين المالية فقط على جدول أعمالها، قبل أن تعود وتتراجع عن اقتراحها الذي يضرب جديتها ومصداقيتها في السعي إلى الاستفادة من الوضع الحالي لخوض معركة القانون الانتخابي. خاصة أنها تعرف و «التيار» أنه إذا لم تتم الاستفادة من هذه الفرصة، فإنه لن يكون من السهل إيجاد فرصة أخرى لإقرار القانون الانتخابي.

«تبييض الأموال» بين «المركزي» والقضاء

وإذا كان قانون استعادة الجنسية يحظى بالأغلبية المطلوبة لإقراره، فإن القوانين المالية وبالرغم من الإجماع على أهميتها، إلا أن طريقها، ولاسيما قانوني «مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب» و «نقل الاموال عبر الحدود»، لن تكون مفروشة بالورود، خاصة أن الآراء ليست متفقة بين وزارة العدل ومصرف لبنان. فالمصرف المركزي يسيطر حالياً على القرارات المتعلقة بجرائم تبييض الأموال، من خلال هيئة التحقيق الخاصة التي يترأسها حاكم مصرف لبنان، وتتمتع بالحصانة الجزائية والمدنية، وتملك صلاحيات واسعة تخولها الحجز على أموال أي من المتهمين بتبييض الأموال من دون تحديد فترة زمنية واضحة ومن دون أن تكون أحكامها قابلة للمراجعة. علماً أن رأياً نيابياً وازناً يتقدمه «حزب الله»، وعبّر عنه النائب نواف الموسوي في اجتماع اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان المشتركة، وتدعمه وزارة العدل، يدعو إلى أن تعطى هذه السلطة إلى القضاء وعدم تركها في يد القطاع المصرفي. ويقترح أصحاب وجهة النظر هذه أن يتم إنشاء محكمة خاصة بجرائم تبييض الأموال (تتخطى العشرين جرماً)، مع إمكانية التقاضي على درجتين، خاصة أن التوصيات الدولية تترك للدول حرية اختيار ما يتناسب مع قوانينها في هذا المجال.

كل ذلك صار ثانوياً على أهميته. لم يتبق الكثير ليقال. الرئيس نبيه بري مصرّ على عقد الجلسة، إلا إذا أسفرت مفاوضات الساعات القليلة التي تسبق الجلسة عن إحداث خرق ما، فيما «القوات» و «التيار» ومعهم «الكتائب»، يتجهون إلى التصعيد، حيث يعقدون صباح اليوم اجتماعاً لتنسيق الخطوات المقبلة والتي قد تصل إلى حد الاضراب أو النزول إلى الشارع بالتزامن مع عقد الجلسة.. وبعدها.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.