MTV في حضن ’النصرة’: فليتكلّم الإرهابيون!

موقع العهد الإخباري ـ
لطيفة الحسيني:

أمّا وقد عاد الجنود اللبنانيون محرّرين إلى وطنهم بعد نحو سنة ونصف على اختطافهم لدى الجماعات الإرهابية، بات لزامًا التوقّف عند ما أظهرته مشاهد صفقة التبادل في عرسال. متابعة أخبار العملية على محطتي الجزيرة القطرية والـMTV اللبنانية كانت مختلفة تمامًا عن باقي القنوات المحلية والإخبارية. “الجزيرة” سارعت إلى تغطية ما يجري في عرسال من الجانب الذي تسيطر عليه “جبهة النصرة” الإرهابية، مستعرضةً انتشار مقاتلي التنظيم في أنحاء البلدة البقاعية وصور الرايات السوداء تُرفرف فيها. لكن زميلتها الـMTV لم يَهُن عليها أن تتفرّد القناة القطرية بحقّ بثّ نشاط “النصرة”، فأوكلت إلى مراسلها حسين خريس مهمّة مواكبة العملية في جانبها “الداعشي”.

المسألة ليست بهذه البساطة، المحطة انتدبت خريس إلى حيث يحتلّ الإرهابيون أرضًا لبنانية لإجراء مقابلة مع مقاتلين تابعين لتنظيمٍ خطف وذبح عسكريين. أداء خريس لم يكن عاديًا، بل تخطّى أيّة تغطية إخبارية سابقة. السبق الصحفي أعماه عن مبادئ وطنية لا يمكن تجاوزها.

قابل الإرهابيين وتنقّل بينهم بحريّة واستظلَّ براياتهم التكفيرية، وكأنّ إجرامًا وحشيًا لم يرتبكوه. لم تقف تغطية خريس مكلّفًا من إدارة التحرير في الـMTV عند استصراح هؤلاء القتلة، بل امتدّت نحو تحقيق أهداف سياسية وترويجية في آنٍ، فهو راح يُكرّر مع زميلتَيْه في استديو الأخبار نادين كفوري وجيسيكا عازار للجمهور بأنّ الـMTV تتفرّد ببثّ مشاهد الصفقة مباشرةً على الهواء من بين المحطّات المحلية والأرضية، مع تبريك الأخيرة للبنان والـMTV على أخذ الحق الحصري بالنقل الحيّ من داخل وادي حميد، ثمّ تعمّد تلميع صورة الإرهابيين بعيون المتابعين: تارةً يقول إن “جبهة النصرة لا تمانع تصوير العملية”، وطورًا يردّد إن “جبهة النصرة عندما تعد بشيء فلا يمكن أن تتراجع عنه”. وأكثر، بدا خريس مرتاحًا إلى حدّ الاسترخاء أثناء لقائه المقاتلين المُقنّعين والملتحفين برايات “النصرة” و”داعش”. بدا جليًّا للرائي حجم العلاقة الودّية بين خريس وإحدى شخصيات “النصرة” ولاسيّما عندما يخاطبها قائلًا “شيخي”. لاحقًا حاول خريس تبرير تواصله اليسير جدًا مع “الجبهة” وانفعاله المبالغ فيه إلى حدّ “عصر الدموع” أمام الكاميرا بالإدّعاء أنه نابع من “حبّه للوطن” و”تعاطفه مع قضية المخطوفين”.

 MTV في حضن "النصرة": فليتكلّم الإرهابيون!

إحدى الصور التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بعد سقطة الـMTV

لم يقتصر استصراح خريس لأسرى الجيش اللبناني على استطلاع مشاعرهم لحظة استعادتهم حريّتهم، بل أصرّ على انتزاع شكرِ العسكريين لـ”جبهة النصرة” ولكلّ من ساهم في اختطافهم طيلة هذه الفترة. لماذا؟ ما الهدف من هذه الفعلة سوى مُجاملة الإرهابيين والإيحاء بأنهم يُعاملون المُحتجزين لديهم بإنسانية مزعومة. المسألة لا تحتمل سوى فرضية وحيدة: ما أقدمت عليه الـMTV ومراسلها لدى “النصرة” حسين خريس مدروس والهدف جَنْيُ أكبر عدد من المشاهدة ولو على حساب دماء شهداء قضوا ذبحًا على أيدي أولئك التكفيريين.

هو تبييض صفحة إرهاب “النصرة” و”داعش” على الهواء مباشرةً، لا بل تلميع للصورة الإجرامية للتنظيمين التكفيريين. فماذا يعني أن تبثّ الـMTV  مشاهد للمقاتلين الإرهابيين وقاطعي الرؤوس وهم يحملون أطفالًا ويتودّدون لهم، مع العلم أن صورة أية شخصية مع أولاد صغار تُستخدم من أجل تجميل صورتهم ووضعها في إطارٍ من البراءة والنقاء. سلوكٌ لا يعبّر فقط عن مهادنة الإرهابيين في سبيل تحقيق “سكوب” يُكسِب المحطة مشاهدين بالملايين، إنمّا يوضح أن المحطة هي أداة إعلامية لخدمة مشروع “النصرة” و”داعش” في المنطقة تمامًا كـ”الجزيرة”، وعليه فلا مانع من كسر الحواجز النفسية مع أعداء لبنان ومصالحتهم إعلاميًا.

 MTV في حضن "النصرة": فليتكلّم الإرهابيون!

حسين خريس متظلّلًا بعلم “النصرة”

تلك المحطة التي دأبت التقليل من حجم التعاطي مع أعداء لبنان، إن في الأراضي المحتلة من خلال اعتمادها مصادر خاصة من جيش العدو عبر مراسلها داخل كيان العدو (مجدي الحلبي) الذي بدو أنه يتمتع بعلاقات خاصة مع قيادات صهيونية، أو من خلال إيفاد أحد صحافييها إلى مناطق سيطرة التكفيريين على مناطق لبنانية.

في كلّ مرّة تتصدّر هكذا سقطات مهنية المشهد التلفزيوني في لبنان، يُسارع البعض إلى تبريرها. فهل يجدر بالمراسلين التخلّي عن أدنى المبادئ الوطنية من أجل إحراز هدف دنيء بالتواطؤ مع جماعات لا تعرف عن الانتماء إلى بلد له سيادته حرفًا؟ هل يجب الاحتفال بـ”إنجاز” الـMTV مقارنةً مع تغطية “الجزيرة” التي برهنت اليوم أنها إعلام رسمي لجماعة إرهابية مُوّلت ودُعمت من قطر، بعدما حاولت في بداياتها الإيحاء بأنها ستقدّم مشروعًا إعلاميًا مختلفاً، غير أنها سرعان ما أثبتت أنها ناطقة باسم النظام القطري وما يودّ إرساله عبر شاشته.

 MTV في حضن "النصرة": فليتكلّم الإرهابيون!

إحدى الصور الساخرة من مقابلات خريس للإرهابيين في عرسال

تطبيعُ الـ MTV مع “النصرة” وضعها في خانة واحدة مع “الجزيرة”. بات واضحًا أن المحطتين تتوازيان في نقل أخبار “النصرة” في عرسال. ومنذ اليوم، أصبح لبنان ينعم بمنبر إعلامي للجبهة الإرهابية في حال أرادت خطف عسكريين أو مواطنين آخرين مرةً جديدة، أو حتى إن عمدت إلى تفجير هنا أو سيارة مفخخة هناك. فهنيئًا لـMTV سبقها الصحافي وتظلّلها بأعلام التكفيريين وأحضان قاتلي أبناء بلدها العسكريين!

تغريدة مديرة قسم الأخبار في قناة "الجديد"مريم البسام عن خريس

تغريدة مديرة قسم الأخبار في قناة “الجديد”مريم البسام عن خريس

Source link

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.