هل أن حصر السلاح بيد الدولة يُلغي مشروعية المقاومة؟
يبحث مجلس الوزراء، غداً، مسألة حصر السلاح بيد الدولة، تنفيذاً للورقة الأميركية- اللبنانية، وسط اعتداءات اسرائيلية متكررة، فما موقف الفقه الدستوري من الطرح بهذا السياق؟
يلفت الخبير الدّستوري الدكتور جهاد اسماعيل، في حديثٍ لموقع “إنباء”، إلى أن “حصر السلاح بيد الدولة، وبالتالي بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، من بديهيات القانون الدستوري الّذي لا يقبل الجدل في مشروعية احتكار الدولة للقوة داخل أراضيها من دون مزاحمة ، الا أن هناك ثابتة، لدى جانب كبير من الفقه الدستوري الحديث، تقضي بنهوض مشروعية المقاومة عندما تفقد الدولة القدرة على الدفاع عن سيادتها بسبب الاحتلال، ويصبح، بالتالي، امتلاك الشعب القوة العسكرية مشروعاً بدوام بقاء الاحتلال او الاعمال العدوانية، بدليل أن الفقرة “د” من مقدمة الدستور تنص على أن “الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية”، مما يعني أن هذا النص يميّز بين صاحب السيادة وهو الشعب(الأصيل) ، وبين من يمارس السيادة( الوكيل)، فإذا تقاعس الوكيل في الدفاع عن السيادة الّتي يملكها الشعب أصلاً، أو كان غير قادر على الدفاع عنها، فيُصبح من حقّ الأصيل الدفاع عن حقوقه، الأمر الذي يفسّر منح معظم المواثيق الدولية والعربية الشعوب حقّ تقرير مصيرها ومقاومة الاحتلال، وهذا تأكيدّ على مشروعية الشعب – وليس الدولة فقط – في مشاركة الشعب الدولة في مقارعة الاحتلال بموازاة تكريس قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة حق الشعوب في مقاومة الاحتلال”.
وأوضح اسماعيل ان” المجلس الدستوري اللبناني، في رقم ٧/٢٠٢٤، الّذي قضى فيه أن لبنان، بموجب مقدمة الدستور، ملتزم بمواثيق جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان، ما يضفي عليها جميعاً القيمة الدستورية، ذلك أن لبنان انضم الى الميثاق العربي لحقوق الانسان، بموجب القانون رقم ١/٢٠٠٨، الّذي يؤكد بأنه لكافة الشعوب الحق في مقاومة الاحتلال الأجنبي، مما يعني أن المقاومة صارت فعلاً ذا قيمة دستورية وتدخل، في آنٍ، في صلب الحياة التشريعية، على اعتبار أنّ قرارات المجلس الدستوري، وفق المادة ٣ من قانون انشائه ملزمة لجميع السلطات، وتتمتّع بقوة القضية المحكوم بها، فلا يجوز، عندئذٍ، مخالفتها أو العمل بخلاف مضمونها، وهذا الإلزام ينسحب على حيثيات قرارات المجلس والفقرة الحكمية، مما يرتّب على السلطات.، وسواها، أن تدلي بمواقف تعكس هذا الإلتزام الدستوري دون سواه”.
وعمّا اذا كانت هناك اتجاهات فقهية تدعم هذا المنحى من الاعتقاد يشير اسماعيل قائلا “يرفض العلّامة “ليون دوغي” فكرة السيادة المطلقة للدولة اذا كانت لا تمارس وظيفتها في خدمة المجتمع، بحيث اذا عجزت الدولة عن أداء الوظيفة المنشودة بسبب الاحتلال أو العدوان على استقلال وأراضي لبنان، فإنّ مشروعية المقاومة تُصبح مقبولة ما دامت تسعى لإستعادة أداء تلك الوظيفة لصالح الجماعة الوطنية، مما يعني أن كلّ حركة تهدف الى مقاومة الاحتلال أو العدوان تحوز مشروعية فعلية أو واقعية، وهذا لا يعدّ انتقاصاً من سلطة الدولة أو سيادتها، بل يشكّل امتداداً لها في حال كانت الدولة عاجزة أو غائبة، بدليل ان اتفاق وقف النار الّذي صادقت عليه الحكومة اللبنانية يعطي لبنان حق الدفاع المشروع، في حين أن هناك مسعى لتجريد لبنان من هذا الحق، في الوقت الّذي يجب فيه مواجهة عدوان “اسرائيل”.
ورداً على سؤال يشرح اسماعيل “من حقّ الحكومة اللبنانية، بموجب المادة ٦٥ من الدستور، أن تتخذ قرار الحرب والسلم، وتبحث، استطراداً، في تلك الصلاحيات التطبيقية للمرسوم الاشتراعي رقم ٥٢/٦٧ وقانون الدفاع الوطني، الا أن انفاذ هذه الصلاحية لا يجوز أن يتعارض مع احكام المادة ٥١ من ميثاق الأمم المتحدة الّتي تكفل الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن نفسها اذا اعتدت عليها قوة مسلّحة إلى حين اتخاذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لردع العدوان، مما يعني أن امتناع الدولة اللبنانية في الدفاع عن نفسها وتقاعس مجلس الأمن الدولي، في آنٍ، عن اتخاذ التدابير اللازمة لردع العدوان، يُعطي الشعب الحقّ في الدفاع عن سيادته ما دام أن ديباجة ميثاق الأمم المتحدة تؤكد التزام الشعوب – لا الدول – على انقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، وهذا الإنقاذ لا يستقيم في ظل ديمومة الحرب وبالتالي دوام الأعمال العدائية الاسرائيلية”.